هذه شاعرة عامية مطبوعة ومفطورة على الشعر الغنائي، حولت أحاسيسها ومشاعرها تجاه أسرتها وعائلتها إلى مقطوعات غنائية وأشعار عامية تفيض بالمحبة والحنين والصدق والفرحة، وهو ما يذكرنا بقصائد "الإخوانيات" في تراثنا الشعري.
موضوعات مقترحة
على سبيل المثال، تقول خديجة غنيمة في قصيدة مهداة إلى حفيدتها "هايدي" ضمن قصائد ديوان "يا نن عيني":
افرحي يا للا وقولي ** اضحكي وبسنة لولي
بالأماني الحلوه غني ** دي العيون السود قالو لي
قولي ماما .. قولي ماما ** يا ام أجمل ابتسامة
الشاعرة لا تهدف إلى الكتابة للأطفال الصغار، ولكنها تكتب عنهم وهم بين أحضانها، وهناك فرق كبير بين الكتابة للطفل والكتابة عن الطفل.
وفي جميع الأحوال تختار الشاعرة معجما لغويا منتقى من العامية المصرية كله أمل وتفاؤل وإشراق وفرح وسرور وحنان ومحبة وزهور وابتسامات.. إلى آخر كلمات هذا المعجم المشرق. وهذا يعكس نَفْسا صافية وروحا مشرقة وهدوءا منتجا.
وعلى الرغم من أن الشاعرة أهدت ديوانها إلى أحفادها الأعزاء، فإننا نجد قصائد خرجت عن الجو العام للديوان المتمثل في الأسرة والعائلة والأحفاد، لتحلق في فضاء أوسع وأكبر يشمل مدينة الإسكندرية، فنراها تقول في غنائية سكندرية:
ما انت في قلبي ** غالية عليا
وما فيش زيك ** ملو الدنيا
أجمل شاطئ ** أجمل ميه
شمسك دافية ** نسمة ندية
وعلى طول القصيدة الزجلية لم نجد كلمة "الإسكندرية" في أبياتها، فقط العنوان يحمل كلمة "سكندريتي" ولو جاء العنوان بكلمة أخرى لعرفنا أيضا أن القصيدة كلها عن الإسكندرية عبر الصفات الجميلة أو الوصف المعبر عن روح الشاعرة في حالة عشقها للمدينة البحرية العتيقة، وسط انبعاث الذكريات التي تحملها روح الطفولة وصولا إلى روح الجَدة التي تحضن أحفادها في مثل قولها:
نضحك ونكركر
ونقوم ونخضر
شوارعنا ديه
واخدكوا في حضني
يا نن عنيه
أنا قلبي تمللي
مليان حنيه
ويطل علينا عنوان الديوان "يا نن عيني" في هذه القصيدة السكندرية في قول الشاعرة: "يا نن عنيه" الذي تكرر في هذه القصيدة غير مرة، وفي قصائد أخرى مثل قولها في قصيدة "أعظم وطن": "يا نن عيني يا وطن".
وعلى الرغم من أن قصائد الديوان تنتمي لشعر العامية المصرية، إلا أنني وجدت قصيدة بالفصحى تحمل عنوان "مصر دوما" تقول فيها الشاعرة:
منذ ولدت وقالت أمي ** قولي دوما مصر حياتي
أقسم دوما أن أحميها ** أن أفديها يا أخواتي
وحبذا لو وُضعت مثل تلك القصيدة الوحيدة بالفصحى في ديوان تنتمي كل قصائده إلى الفصحى.
كما أنني لاحظت تعبيرات فصيحة مثل "صارت بلادي" ضمن سياق عامي، مثل قول الشاعرة في قصيدة "باحلم يا صاحبي":
صارت بلادي ** حبي وزادي
وربي شاهد ** والكل واحد
والقلب واحد ** في عيون وطنا
وللوحدة الوطنية في مصر معالجة ورؤية من الشاعرة في قصيدة "نسيج واحد" التي تقول فيها:
أنا ومارينا أخوات ** يجمعنا بيت واحد
عارفين كمان بالذات ** إن الاله واحد
هلال وجنبه صليب ** بالحب يجمعنا
ولا دينا عنا يغيب ** ولا يوم يفرقنا
ومن القصائد القليلة البعيدة عن مجال الأخوانيات والغناء للأولاد والأحفاد، قصيدة "يا سمكة فضية" التي تقول فيها الشاعرة:
بيكي أنا أحلم ** لو كنتي في ايديه
يا سمكة فضية ** يا سمكة فضية
وسمكة البربون ** شبار وبلطية
محلاها لما تكون ** مقلية .. مشوية
هكذا تخرج الذات الشاعرة من المجال الأسري إلى فضاء شعري أوسع، هو مجال الطبيعة، أو المجال البحري أو المائي.
أما قصيدة "عجب" ففيها إشكالية توقفتُ عندها في قول الشاعرة:
أحلى البحور ** فعلن خبب
ولكن نلاحظ أن هذه القصيدة جاءت من بحر "الرجز" أو لو شئنا الدقة من منهوك "الرجز":
عجب عجب ** عجب عجب
البنت لولي ** الواد دهب
فما دخل "فعلن خبب" في هذه الموسيقى الشعرية؟
وأتفق مع ما جاء في مقدمة الناقد الدكتور محمد زكريا عناني للديوان في قوله: "ها هي قيم الأصالة تتبدى كأحلى ما تكون الأصالة حين تصفو كالنبع الزلال، حالة فريدة من الحسن والظرف والنقاء الذي يشع ويزهو".
أما مفاجأة الديوان فقد كانت كلمة الأديب نجيب محفوظ الذي اطلع على أعمال الشاعرة وقصائدها، فقد كان جارها في منطقة سان استيفانو بالإسكندرية، وكانت هناك لقاءات مستمرة وعائلية بينهما أثناء شهور الصيف التي يقضيها كاتبنا الكبير في الإسكندرية، وقد كتب محفوظ رسالة للكاتب جمال الغيطاني يوصيه بكتابات خديجة غنيمة فقال:
"عزيزي الأخ جمال الغيطاني
تحية طيبة وبعد
فأرجو أن تكون كتابات السيدة خديجة حسن غنيمة موضع رعايتك، فهي سيدة محترمة مثقفة ومجتهدة".
وقد أثبتت الشاعرة تلك الرسالة القصيرة بخط نجيب محفوظ في نهاية ديوانها "يا نن عيني" الذي يعد الديوان الرابع في مسيرة الشاعرة، حيث صدر لها من قبل: "واعطي لقلبك حق الإقامة" (بالفصحى) و"رنة خلخال" (بالعامية) و"لكني امرأة شرقية".