Close ad

في ذكرى محمود أمين العالم.. هل ولى زمن المعارك الفكرية والسجال الأدبي؟

10-1-2016 | 22:22
في ذكرى محمود أمين العالم هل ولى زمن المعارك الفكرية والسجال الأدبي؟ محمود أمين العالم
محمد فايز جاد
لا تقتصر ذكرى المفكر اليساري والناقد الأدبي محمود أمين العالم، التي تحل اليوم 10 من يناير، على كونها ذكرى مفكر رحل، مخلفا وراءه إرثا فكريا وأدبيا، إنما هي ذكرى عصر أدبي وفكري يبدو أننا نفتقد مثله اليوم.
موضوعات مقترحة


لطالما ربط المؤرخون الأدبيون بين نشاط حركة النقد في بلد ما وبين ازدهار الأدب في هذا البلد، وبالضرورة بين ركود الحركة النقدية وبين اضمحلال الأدب.

ولعل أبلغ دليل على صحة هذه الفرضية هو ذلك العصر، الذي يتمثل في حقبة الخمسينيات، هذه الحقبة التي مثلت نضجا عظيما للحركة الأدبية والفكرية بدأت مع مطلع القرن العشرين.

وكأن محمود أمين العالم كان يقتفي أثر نجيب محفوظ في معركته الشهيرة مع العقاد، فقد دخل العالم باب الحركة الفكرية المصرية من خلال معركتين أدبيتين شرستين مع كل من العقاد وطه حسين، قطبي الأدب العربي آنذاك.

كان نجيب محفوظ قد دخل في سجال قوي مع العقاد في أربعينيات القرن الماضي، عندما نشر العقاد مقالا يقلل فيه من شأن القصة، ويرفع من قدر القصيدة، ليرد عليه محفوظ بمقال شديد اللهجة، رغم أنه كان أديبا شابا، ومغمورا، يصور فيه القصة على أنها أرقى الأجناس الأدبية، وذروة تطور الأدب.

الأمر نفسه فعله العالم عندما دخل في معركة مع قطبي الأدب، يخشى أي كاتب شاب من مجرد التفكير في ولوجها، فبعد أن نشر العالم دراسة عن الشعر المصري فوجئ برد من العميد في مقال بعنوان "الأدب بين اللغة والمعاني" يقلل فيه طه حسين من شأن النظرية الاجتماعية في الأدب، التي كان يتبناها العالم، ورفيقه عبد العظيم أنيس.

ورغم أن ردا من العميد كان من الممكن أن يسكت أي كاتب شاب خشية الدخول في حرب ضروس لا تؤمن عواقبها، فإن العالم ورفيقه دخلا في سجال قوي مع طه حسين ليبرزا وجهة نظريهما، ولم يثنهما عن ذلك رد الفعل القوي الذي قوبل به رأيهما من مؤيدي العميد.

لم يكتف العالم وأنيس بذلك إنما أدخلا العقاد طرفا في المعركة ليعلقا على بيت من الشعر نشره في كتابه "في بيتي" واصفا إياه بأنه خير من رواية بأكملها.

بكل ثقة رد الصديقان على العقاد، الذي عرف عنه النقد اللاذع، والاعتداد بالنفس، والتصدي بكل قوة، ودون رحمة لمن يخالفه.

هذا السجال، وإن كان قد أبرز لنا اسمين من الأسماء المهمة في الحركة الفكرية والأدبية، فقد ساهم أيضا في تحريك مياه الأدب، وفي فتح الباب لمحاورات ومناقشات كان من شأنها الدفع بالأدب نحو الأمام، ليتمخض عن تلك الحقبة نهضة أدبيه تعد هي الأعظم في تاريخ الأدب المصري، بل والعربي الحديث، هذه النهضة التي تمخضت عن جيل من الكتاب الكبار كان في طليعتهم الأديب العالمي نجيب محفوظ رائد الواقعية الاجتماعية، الذي مهد الطريق لجيل أدباء السبعينيات، الذي يعد الجيل الأبرز بين أجيال الرواية العربية الحديثة.

كانت هذه الحركة الأدبية مبشرة بمناخ فكري قوي ودائم التحرك، ولكنك تنظر فترى أن العكس قد حدث، وأن الحركة النقدية تراجعت تراجعا لافتا، حتى كادت الساحة الأدبية تقتصر على عدد محدود من الأسماء، وحتى كادت الصفحات الأدبية، التي تضاءلت حتى أصبحت معدودة بدورها، كادت تصبح خالية من أية كتابة نقدية كثيفة إلا من أصوات قليلة.

ولأن القوانين لا تكذب، فقد أثبتت الفرضية المذكورة آنفا صدقها، بشكل قاس هذه المرة، ليشكو جل المتابعين للوسط الأدبي خلال هذه الفترة من ركود أدبي، ومن ضحالة على كافة مستويات سواء المستوى اللغوي أو الفكري، حتى يكاد يقتصر المشهد الأدبي والثقافي على من تبقى من جيل السبعينيات والجيل الذي لحق بهم، وتتلمذ على يدهم.

تبدو إذن المحاولات الواهنة لاستعادة المشهد الأدبي محاولات عبثية؛ ذلك أنها تسعى لإقامة البناء دون تشييد أساسه، الأمر الذي تأكدت استحالته، فهل لنا أن ندرك هذا الأساس، أم أن الأوان قد فات، وقد باتت تلك الحقبة حلما بعيد المنال؟
كلمات البحث