أصبح الشعر مرآة صغيرة في حقيبة أو قطرة ماء لم تعد تكفي لنرجسية تنقذ صاحبها من حياة كالمومياء بالموت، بل مجرد ضمادة سريعة كنهر هيراقليتس لا تشرب دم الجرح مرتين.
موضوعات مقترحة
تذهب الشاعرة أمل جمال في ديوانها "فضاء لجناح" (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015) إلى تعريف التنكير بالتنكير عبر الإضافة والإلصاق، ففي نصوصها القصيرة نجد هذا البوح المتخفّف من عتق التناص وتأنق الدلالة فَـ"أل" تعريف الوجود مُيَتمة في غياب الحبيب والحرب التي تجتاح العالم وهكذا تصبح إعادة التعريف عبر إلصاق ذات الشاعرة بالوجود لأنها الشيء الوحيد المتيقنة منه:
"أنا أرنبة، في سهول الحنين/تقف على قدميها الخلفيتين/ترقب خطوهُ من بعيد/ أرنبة, لن تهرع للاختباء/عندما يقترب".
نصوص أمل جمال قصيرة سريعة وكأنّها غيمة صيف تمطر قليلاً لتذكّر أن فصل المطر قادم لا محالة، فغياب الحبيب يقودها لتفقّد آثار ذلك الحب ليس من باب فواتها بل من جهة من يقتفي، فالحبيب هو الطريق إليه لا هو ذاته وهكذا نجدها شغوفة بحبها وحنينها وعواطفها له رغم غيابه، فهي تكسر حدّة الغياب بحضورها الذاتي فهي تصنع آخرها ضمن ذاتها وكأنّها تتحول إلى زهرة تلقح وجودها بطلعها الخاص: "كما تموت وردة برية/ بين يدي قاطفها/ولو لدقائق/أفضل أن أموت/بين يديك".
وذات القصر نجده في العناوين التي تعلو القصائد وتعتّبها كبوصلة تأخذ مغنطتها من سير القصيدة فإن كان العنوان هو الصدى، فالقصيدة من تحته هي الصوت، ففي الغياب يصبح الصدى بديلاً للصوت وهي بهذه العملية تعمل على تأبير نخلات الصوت ببوحها لكي تثمر رطب اللقاء ومن هذه العناوين نختار: "شوارع – ملائكة –ربما" ومع ذلك لم تترك هذه العناوين التي تأخذ طبيعة الصدى عارية بل تربطها بجبال الأصوات عبر عناوين فرعية أشبه بالنوتات الموسيقية في تزايد حدّتها، فهي تبدأ الديوان بعتبة داخلية بعنوان: "فضاء المواجيد ومن ثم قصائد قصيرة جدا متضمنة تفريعة صغيرة بعنوان: "فضاء الذات" لتختم بعتبة فرعية أخرى بعنوان "فضاء الدم والنار".
ومن خلال هذه التوزيع تتوسط الذات الشاعرة بين فضاء الحب وفضاء الحرب لربما تكون قادرة على سلخ راء الحرب وتحويلها إلى الحب: "لا تقتربوا أيها السعداء/ لا تقتربوا يا من أحبهم/ لا تقترب يا حبيبي/ حتى يزدهر الحقل/ بأشجار من الماس/ أهديها لكم/ أنا فلاحة الحزن الكبير/ وَهَبتْني الحياة لمن أحب/ وأعطتني لعنة الكربون".
في جزء "فضاء الدم والنار" تعلو نبرة الصدى حتى يكاد أن يكون صوتاً. إنها محاولة أن تعيد أحياء القاعدة القديمة: "إنّ السلام هبة العنف" : " مثل أنتيجون/ يتبعن الجنائز/ ويجلسن عند القبور/يعبئن الحزن /وينخلنه/حتى يمتن. /هذا إن منحتهن/الحرب وقتاً /ليكملن الخبيز".
نستطيع القول عن ديوان المترجمة والشاعرة أمل جمال إنّه يحمل الكثير من الشفافية التي تحلل الضوء إلى أطيافه السبعة، وهو خطوة ثابتة في طريقها الشعري.