Close ad

"هذا اللغم قابل للانفجار حتى 2020".. أشرف العشماوي يكتب لــ"بوابة الأهرام"

13-7-2015 | 11:19
هذا اللغم قابل للانفجار حتى  أشرف العشماوي يكتب لــبوابة الأهرام أشرف العشماوي
لا تكاد تمر بإشارة مرور بالقاهرة الكبرى إلا وتشاهد بها ألغاما بشرية تتحرك أمامك بأريحية، أطفال شوارع فى كل مكان، هذا يعرض سلعًا تافهة وآخر يشرع في إزالة الأتربة العالقة بسيارتك بـ"خرقة بالية" تكاد تفسد طلاء السيارة، فتضطر لإعطائه جنيهًا حماية لها.
موضوعات مقترحة


وثالث يتحين فرصة ليسرق أى شيء ويفر هاربًا، وإذا ما كنت بمفردك بالسيارة فسوف تكتفي بهز رأسك أسفًا على حالهم، أو تزفر فى ضيق من ملاحقتهم لك.

أما إذا ما كان بصحبتك أحد فسوف تتبادل معه حديثًا سريعًا عن تلك المأساة وتناميها ثم سرعان ما تنسى ما جرى، شأنك كشأن أجهزة الدولة نفسها التي تفعل مثلك تمامًا، يهز مسئولها رءوسهم فى أسى أمام الكاميرات ولا شيء أكثر، ربما بعضهم يتعاطف وينفعل فيعطي وعودًا برّاقة جميلة للقضاء على المشكلة ويتنهد بعدها كأنه أزاحها عن كتفيه بهذا التصريح، والنتيجة أننا لم نتوصل لحلول جدية لتلك الألغام البشرية حتى الآن.

فالحكومات المتعاقبة مكتفية بالندوات والمؤاتمرات والأحاديث فى الفضائيات مع تخصيص ميزانيات من المعونات الأجنبية، وبالطبع جيش جرار من الموظفين كفيل بالقضاء على المنح المخصصة حتى قبل أن ينزل أي منهم إلى الشارع لمعاينة المشكلة!

على جانب آخر، تولى الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام بـ"العلمين" اهتمامًا ملحوظًا بمشكلة الألغام المزروعة بالساحل الشمالى الغربى حيث تحتاج تكلفة إزالة الألغام مليارات الجنيهات فضلًا عن ضرورة شراء العربة المُحصنة ضد الأجسام الصلبة القابلة للانفجار أولًا، فهي المزودة بجهاز للكشف عنها وقيمتها تقارب نصف مليون دولار أمريكي.

وعلى الرغم من أهمية هذا الموضوع بل وحتميته وجديتنا فى مواجهته، فإن الألغام البشرية لا تقل أهمية عنه على الإطلاق، وإذا ما كان ضحايا الألغام فى مصر قد بلغ مُنذ عامين تقريبا 722 شخصا بينهم 40 سيدة، منهم 47% بُترت أطرافهم خلال العشرة أعوام الأخيرة، فإن ضحايا الألغام البشرية يشكلون أضعاف هذا الرقم بكثير.

فكل أطفال الشوارع بلا استثناء ضحايا لظروف اجتماعية قاسية وتسرب من التعليم وانعدام ثقافة وتفشى جهل وفقر ومرض وهى مسئولية حاكم ودولة على مدار سنوات بعيدة، تظاهروا فيها جميعا أنهم يوّلون المشكلة اهتمامًا..

.. فتظاهرت وسائل الإعلام الحكومي وقتها بأن المشكلة قد تم وأدها بينما كانت حية تتنفس تحت الأنقاض، وكل فترة تطل علينا برأسها لنفاجأ بأنهم يخرجون من جحورهم يسرقون ويهيمون على وجوههم بالطرقات وقد يُقبض على بعضهم وما أسهل الحلول الأمنية لنكتشف بعد فوات الأوان أن كلا منهم له تاريخ صلاحية لم ينته بعد، وبعضها قد يمتد خمس سنوات أخرى حتى يوليو 2020. سنعاني منهم أكثر، فلا شيء فى الأفق يوحي بأن هذا الكابوس على وشك الانتهاء فى القريب.

أتمنى أن أرى حلولا حقيقية وجدية لتلك المُعضلة كإلزام رجال الأعمال بتشغيل نسبة كبيرة منهم فى المزارع أو المصانع أو إعادة تأهيلهم فى ورش للصناعات البسيطة والصغيرة من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية أو تستخدم الدولة البالغين منهم وليس الأطفال كعمال بأجر مقبول فى مشروعات التنمية بالصحراء.

أو تجذبهم وزارة الثقافة من خلال قصورها المنتشرة على مستوى الجمهورية فمن المؤكد أن منهم موهبين، وللفنان التشكيلي محمد عبلة تجربة حديثة مُبشرة فى هذا المجال، لأننى لا أظن أن عودتهم للمدرسة الحكومية بصورة منتظمة أمر مجدٍ، كما أن التعليم الحكومي لن يُقيهم كثيرًا من التشرد، بل جل ما سيفعله أنه سيؤجل تشردهم إلى ما بعد التعليم الجامعي بقليل!

علينا أن نقترح أفكارا خارج الصندوق ونجرب حلولًا مختلفة بدلًا من مط شفاهنا وعقد مؤتمرات وصراخ فى فضائيات أو ملاحقة أمنية غاشمة لهؤلاء الضحايا ليَمثلوا أمام نيابات ومحاكم الأحداث فتكون النتيجة ألغامًا بشرية أخرى مجمدة فى السجون فترة صلاحيتها عشر سنوات أو على أقل تقدير ثلاثة أعوام، ثم تنفجر بعدها فينا إجرامًا وفسادًا وبلطجة.

هم يحتاجون لمن ينتشلهم بحزم ويجبرهم على العمل الشريف.. وتذكروا أن كثيرين منهم ما زالوا صغارا كالعود الأخضر الذي لو تركناه سيلتوي على الشر تقليدًا أعمى لمن ألقى بهم فى الطرقات بعد أن سبقهم إليها، ويكفى أنهم خسروا أسرهم وتعليمهم فلا داعى لأن نتناساهم جميعا بسلبيتنا ونسهم فى أن يخسروا شبابهم.

ساعدوهم بجدية أولاً، ثم حاسبوهم بشدة إذا ما رفضوا أن يكونوا أعضاء نافعين مرة أخرى، فهم قوة هائلة إن لم تكن معنا فبالتأكيد ستكون ضدنا جميعًا.
كلمات البحث
الأكثر قراءة