Close ad

أدباء في ذكرى ميلاد سميح القاسم: قصائده طلقات استقرت في صدر العدو الغاشم

11-5-2015 | 14:06
أدباء في ذكرى ميلاد سميح القاسم قصائده طلقات استقرت في صدر العدو الغاشمالقاسم وبشير عياد وسمير الفيل وآحمد حسن
خالد عبد المحسن
أدب المقاومة نابع من الحياة، وصورة صادقة للمعاناة والآلام والآمال. وإذا كان شعراء فلسطينيون قد رفعوا لواء قضيتهم في المنفى، أمثال كمال ناصر ومعين بسيسو، فإن توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم، رفعوا لواء القضية من الداخل.
موضوعات مقترحة


في ذكرى ميلاد سميح القاسم، 11 من مايو، نتذكر دوره في الأرض المحتلة شاعرًا ومناضلاً ومعتقلاً ومؤسسًا للصحف ودور النشر وناشرًا للثقافة بكل الوسائل، دفاعًا عن القضية، ومطالبًا بالحق بالعيش على الأرض وجلاء المستعمر الغاصب.

التقت "بوابة الأهرام" الناقد والشاعر والأديب بشير عياد، فقال: سميح القاسمِ جذوةُ الشّعرِ والثّورة، لم يكن سميح القاسم مجرّدَ اسمٍ مرَّ على أرضِ الشعرِ العربيّةِ، لكنَّ شعرَهُ سيظلُّ علامةً ناتئةً في مسيرةِ الشعرِ العربيِّ في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين، وسيظلُّ وقودًا فعّالا في مسيرةِ القضيّةِ الفلسطينيةِ وضميرِ الثائرينَ القادمينَ على أرضِنا حتى يعودَ الحقُّ لأصحابِهِ الشرعيينَ مهما يطل الأمد ، ومهما تكن التضحيات.

كان سميح القاسم غزير الإنتاج، وجلّ شعره في خدمةِ القضية الأم: قضية فلسطين والحقّ السليب، وكذلك كانت كتاباته الأخرى، المسرح الشعري والمقالات، غير أنني لا أنسى ما حييت وقع قصيدته النارية "قصيدة الانتفاضة"، التي اعتبرها الشاعر "رسالة إلى غزاةٍ لا يقرأون"، وذاعت وانتشرت على المستوى الشعبي العام بعنوان "تقدّموا "، وهي واحدة من أهم قصائد الانتفاضة الفلسطينية الأولى ( 8 يسمبر 1987م ) ، وفيها يقول للغزاة الذين يقرأون:
تقدّموا تقدّموا
كلُّ سماءٍ فوقَكُم جهنَّمُ
وكلُّ أرضٍ تحتكم جهنَّمُ
تقدّموا
يموتُ منّا الطفلُ والشيخُ ولا يستسلمُ
وتسقطُ الأمُّ على أبنائها القتلى
ولا تستسلِمُ

وتستمرّ قصيدة التحدّي هذه كجمرات نار تتساقط في أعين الأعداء، ولا أظنها ستنطفئ، فقد رحلَ الشاعرُ وبقيَ الشعرُ حيًّا متدفّقًا في الزمن، ولو لم يكتب القاسم سوى هذه الفريدة لأبقته شاعرًا كبيرًا، وسوف يظلُّ كبيرًا بكلّ ما كتب ، وما ترك لنا.

من جهته، يقول الشاعر والروائي سمير الفيل: سميح القاسم، مثل مع محمود درويش وتوفيق زياد ثالوثا أدبيا للمقاومة الفلسطينية عبر سنوات المعاناة. خرج محمود درويش من محيط الأرض المحتلة فكتب عن التجربة عبر أبعاد جديدة.

مثلت الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم درسًا بليغًا في الحوار الديمقراطي القائم على المصارحة والشفافية وتبادل الأفكار بوعي وثقة.

ربما يكون صعود نجم محمود درويش قد ارتبط بكونه الأكثر شاعرية على المحك العربي، كما تميز بإشرافه لفترة على مجلة "الكرمل"، وهو ما منحه أفقًا ثقافيًا أكثر اتساقا مع المد الثوري، فيما ظل سميح القاسم مرتبطًا بالداخل ارتباطًا حميمًا.

في النهاية فسميح القاسم واحد من أبرز أصوات الحداثة في القصيدة العربية، وقد حافظ على الأبعاد الجمالية التي أرساها جيله لنقض الخطاب الأصولي الجامد، بانفتاح واع على حركة التحرر العالمي وفي القلب منها القضية الفلسطينية.

قيض لي أن ألتقي مع سميح القاسم عدة مرات خلال اشتراكه في الأمسيات الشعرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقد أجريت معه حوارًا مطولًا، نشرته في مجلة "رواد" التي تصدر من قصر ثقافة دمياط، منذ سنوات بعيدة ربما في التسعينيات من القرن الماضي، وفيها يكشف الشاعر المعروف عن معتقده الفني والفكري.

ويقول الفيل: هناك سؤال طرحته عليه يدور حول العلاقة بين الشعر ومعتقده السياسي، أذكر أنه قد أجاب باستفاضة بالرأي التالي: " أبدأ من الموقع السهل والبسيط في السؤال حول دور الشعر أو جدواه، ببساطة أزعم أن دور الشعر ملازم للحياة وللوجود البشري علي وجه الأرض. فالشعر قد يختلف عن الفنون الأخرى في أنه تعبير يبدأ بالتلقائية ولا يقوم في أساسه علي المكتسبات الثقافية و السياسية. بكلمات أخرى الإنسان – حتى الأمي – يجد نفسه شاعرًا في لحظات معينة، وهو يقول الشعر علي الفطرة وبالسليقة".

أتصور أن سميح القاسم واحد من الأصوات التي ارتبطت بفكرة المقاومة، لكنه لم يسجن نفسه في قالب ضيق بل انفتح لتناول قضايا إنسانية بمنطق جمالي يتضاد مع المألوف والسائد، وظل يحفر بدأب في جيولوجيا النسق الشعري العربي المتوائم مع فكرة التخطي والتجاوز.

ويقول الناقد والأديب أحمد حسن: سميح القاسم واحد من أهم شعراء المقاومة الفلسطينية على اﻹطﻻق إذ يشكل هو وزميله الشاعر الكبير محمود درويش ثنائيًا شعريًا ذا مذاق شعري خاص، وقد بزغ نجمهما الشعري مع صعود حركة المقاومة الفلسطينية مرة أخرى بعد موجة الشعراء اﻷوائل عبدالرحيم محمود وأبو سلمى وإبراهيم طوقان، لكن الذي يميز سميح القاسم شعريًا وإنسانيًا هو ذلك التشابه الكبير بين الشاعر وشعره وبين الرجل وقضيته، إذ ظل سميح القاسم يناضل من موقعه بين فلسطينيي الداخل متحملا العناء اليومي والحصار الدائم دون أن تلين عريكته أو تخمد نار مقاومته فكانت قصيدته هي طلقته المندفعة التي يصوبها دائمًا إلى صدر عدوه الغاشم.

ويتميز شعر سميح القاسم بسلاسة الصياغة وقرب الدﻻﻻت وهيمنة نبرة اﻻحتجاج الغاصب على نبرة اﻻحتجاج الساخر ﻻسيما في دواوينه اﻷولى، وهو أمر يختلف فيه عن صنوه محمود درويش الذي كان يحكم نبرة السخرية العميقة، ويلجأ كثيرا إلى تجاوز الدﻻﻻت اﻷولى والمباشرة للمعاني وربما يرجع ذلك ﻷن سميح اهتم بشعر القضية أكثر من اهتمامه بقضية الشعر، بعكس درويش في تحوﻻته اﻷخيرة.

وتعد قصيدة "تقدموا" إحدى أهم قصائد سميح القاسم وأشهرها إلى جانب قصيدة "منتصب القامة أمشي"، التي لحنها مارسيل خليفة، وتكمن براعة قصيدة "تقدموا" في قدرتها على امتصاص الوجدان الجمعي الفلسطيني المقاوم وصياغته بطريقة السهل الممتنع وتفريغ فعل العدوان الصهيوني من محتواه عبر التعالي الواثق من النصر اﻷصيل المحتم على العدو الدخيل الطارئ.
كلمات البحث