Close ad

معاوية عبد المجيد لـ«بوابة الأهرام»: الإيطاليون يعتبرون «الرسائل الأخيرة» لحظة مفصلية في تاريخهم

10-2-2021 | 16:24
معاوية عبد المجيد لـ«بوابة الأهرام الإيطاليون يعتبرون «الرسائل الأخيرة لحظة مفصلية في تاريخهمرواية الرسائل الأخيرة لياكوبو أورتيس ترجمة معاوية عبد المجيد
مصطفى طاهر

ضمن أبرز وأحدث الإصدارات الأدبية المترجمة إلى اللغة العربية منذ بداية العام الجاري، جاءت رواية «الرسائل الأخيرة لياكوبو أورتيس»، من تأليف الشاعر الإيطالي أوجو فوسكولو، وترجمة معاوية عبد المجيد.

موضوعات مقترحة

مترجم الرواية السوري معاوية عبد المجيد، قال لـ«بوابة الأهرام» إن أوجو فوسكولو يعد رائد الحركة الرومانسيّة في الأدب الإيطاليّ، وواحدًا من أوائل المتأثّرين بالمجريات التاريخيّة للثورة الفرنسيّة وعواقبها. كما تُعَدُّ روايته هذه أوّلَ ما كُتِب من أدب الرسائل باللغة الإيطاليّة، فضلًا عن كونها عملًا مشحونًا بعناصر الوطنيّة والرومانسيّة. ففي هذه الصفحات سيتمعّن القارئُ بطوايا النفس وما يعتصرها من ألمٍ منسوبٍ إلى الخيبات السياسيّة والغراميّة، وسيتبيّن العلاقة التي يصيغها الشاعر - الإنسان مع محيطه بموضوعاتٍ فنيّةٍ تتطرّق إلى الطبيعة، والحبّ، والوطن، والمجتمع، والفضيلة، والحريّة والخلاص، إذ أُلِّفت الروايةُ بأسلوبٍ شاعريٍّ متأجّجٍ وغاضب، أرادها راويها صرخةً تعبِّر عن وجع الخديعة النازف وحسرةً على يقظة الوعي بعد فوات الأوان. وهي تجسّد لعنة النفي التي لازمته على الدوام، وجعلته يقتدي بالشاعر الأعظم دانتي الذي ما كان ليُنضِجَ فكره ويؤلّفَ رائعته الخالدة لولا النفي والإقصاء والخذلان والصدمة بمظاهر الإنسان وبواطنه.

وأضاف معاوية عبد المجيد: «الإيطاليّين يعتبرون تلك الرواية خيرَ تعبيرٍ عن لحظةٍ مفصليّة في تاريخ الأمّة، وطنيًّا وأدبيًّا؛ فما زالوا يقرؤونها ويستذكرونها ويبحثون فيها وعنها ويتعلّمون منها ويدرِّسونها في مناهجهم إلى يومنا هذا. وإنّ تقديمها للقارئ العربيّ فرصةٌ ثمينةٌ للتعرُّف على أحد أبرز الأدباء الإيطاليّين وما قدَّمه من روائع خالدة تعرّي هشاشة الإنسان وتفضح غطرسة الطغيان.

وقال مترجم «الرسائل الأخيرة» إن فوسكولو كتب هذه الرواية متأثّرًا بالأديب الألمانيّ الكبير جوته، لاسيّما روايته الأشهر «آلام الفتى فرتر» التي اتّخذت نمط الرسائل ناهيك بالمصير المأساويّ الذي ينتظر البطل، حتّى إنّ كثيرًا من النقّاد والدارسين أطلقوا عليها اسم «فرتر البندقيّة». وكان فوسكولو ذاته قد أرسل منها نسخة إلى غوته مرفقةً برسالة، وردَّ بالمقابل على مآخذ بعض معاصريه الذين اتّهموه بالتناصّ مؤكّدًا أنّه باشر كتابة الرواية ووضع لبنتها الأساسيّة قبل أن يطّلع على رواية جوته، وأشار إلى فروقاتٍ جوهريّة بين النصّين تشمل الشخصيّات والأحداث جميعها، واختتم كلامه قائلًا: «يبدو لي أنّ فرتر يملأ قلب مَن يقرأه، بينما أورتس يملأ العقل». من جهةٍ أخرى، شهدت الرواية إقبالًا ملحوظًا في الأوساط الثقافيّة الأوروبيّة، فقد تُرجِمت إلى الفرنسيّة وحدَها أكثر من خمس مرّات، وكانت إحدى تلك الترجمات من صنع الأديب الفرنسيّ الكبير ألكسندر دوما الذي أشاد بها وبلغة فوسكولو وأسلوبه الرفيعين.

معاوية عبد المجيد قال في مقدمته للطبعة العربية للرواية، التي كتبها تحت عنوان «أوجو فوسكولو.. شاعر الحريّة المغدورة»: أن الرواية تضع قالبها على المحكّ، وتُعدُّ ظاهرةً فريدةً من نوعها من حيث البنية الهيكليّة والتقنيّة السرديّة، فهي لا تنتمي إلى أدب المراسلات بل إلى أدب الرسائل، أي ليس هناك شخصيّتان تتراسلان وتتناقشان لتتطوّر الحبكةُ بناءً على وجهتي نظر أو أكثر؛ إنّما تعتمد كلّيًّا على مُرسِلٍ واحد وهو ياكوبو أورتس، الذي يكتب ما يعايشه ويشعر به ويتذكّره إلى صديقه لورنزو. يبقى الأخيرُ شخصيّةً غامضةً تحتمل تأويلاتٍ متعدّدة، لا نقرأ رسائله بل نستقرئ ردوده على تساؤلات أورتس من خلال كتابات أورتس نفسه. فالرسالة بهذا المعنى هي أقرَب إلى المونولوج منها إلى المراسلة، وبنيتُها تتبع فنّ اليوميّات. وبالفعل فإنّ القوّة العاطفيّة والكثافة البلاغيّة للنصّ تذكِّران بالبوح العاصف الذي يؤدّيه الممثّل على خشبة المسرح بأداءٍ حيٍّ ومتوقّدٍ ليس غريبًا على ثقافة فوسكولو؛ في حين أنّ أسلوب اليوميّات يذكِّرنا بأنّ للرواية بُعدًا ذاتيًّا يوازي ما عاناه الكاتب الحقيقيّ ويتقاطع مع سيرته وطموحاته وانكساراته. غير أنّ فوسكولو في لحظاتٍ معيّنة يبعث الحياة في قلب لورنزو، فيتحرّك طيفُه ويقوم بالمهمّة المنوطة إليه من تعليقٍ على بعض النقاط وافتتاح الرواية واختتامها. الأمر الذي يوهم القارئ بدخول حكايةٍ في قلبها حكاية.

يذكر أن الشاعر الإيطاليّ أوجو فوسكولو (Ugo Foscolo) في السادس من فبراير عام 1778 في جزيرة زاكينثوس اليونانيّة، التي كانت آنذاك تابعةً لجمهورية البندقيّة. والده أندريا فوسكولو طبيبٌ بحريّ متحدّر من مدينة البندقيّة، ووالدته ديامانتينا سباثيس يونانيّة الأصل. وكان الشاعر هو الابن البكر وقد سُمّي على اسم جدّه نيكّولو، لكنّه فضّلَ اسم أوغو منذ ريعان الصبا، تيمُّنًا باسم جدّه الأكبر – وفقًا لما تتناقله أسطورة العائلة – الذي هاجر من روما إلى البندقيّة إبّان غزوات البرابرة. إلّا أنّ بعض النقّاد يؤكّدون أنّ الشاعر اختار هذا اللقب تقديرًا منه لذكرى أوغو دوباسفيل الكاتب والسياسيّ الثوريّ الفرنسيّ، الذي لقي مصرعه على أيدي الرعاع في روما بسبب مواقفه المناهضة للإكليروس عام 1793.

في حين كان فوسكولو واحدًا من أشدّ المتأثّرين بالمبادئ الجمهوريّة التي كانت فرنسا تنشرها في الأراضي الإيطاليّة، وتنقّل في طفولته نظرًا إلى ضرورات عمل والده، وتلقّى دراساته الأولى في المعاهد الأبرشيّة وتعلَّمَ اللغة اليونانيّة القديمة وشعر الإغريق. وبعد وفاة أبيه، انتقل إلى البندقيّة عام 1792، ودخل مدارسها ليتتلمذ على أيدي كبار المفكّرين والأدباء مثل جاسبارو جوتزي وأوبالدو بريجوليني وغيرهما. وكان منذ ذلك الحين يمرِّس طبعًا متمرّدًا وحسًّا عاطفيًّا متأجّجًا يدفعانه للنقاش في شؤون السياسة والأدب والنشاط فيهما.

كانت إيطاليا دويلاتٍ متفرّقةً وإماراتٍ متناحرةً تمرّ في ظروفٍ صعبة جعلت مفكّريها يتطلّعون إلى التحرّر والاستقلال والخلاص الوطنيّ من تجاذبات القوى الأوروبيّة العظمى التي تتنازع على أرضها، والمتمثّلة بنفوذ الإمبراطوريّة النمساويّة من جهة وأطماع تلك الإسبانيّة من جهة أخرى، واستبداد الإمبراطوريّة البابويّة أيضًا، ناهيك بمناورات الفرنسيّين الذين دخلوا على الخطّ بمعطىً جديد، ألا وهو قيم الجمهوريّة والثورة الوليدة.

وكان فوسكولو في الأثناء يوسِّع قراءاته في شتّى المجالات الأدبيّة والفكر السياسيّ داخل المكتبة العامّة التي يقضي فيها ساعاتٍ طويلة. وهكذا إلى أن نظم قصائده الأولى المتأثّرة بالوزن الإغريقيّ وأساليبه الشعريّة، ومضى يتعرّف على الأوساط الثقافيّة، وبات يُدعى إلى صالونات الحسناوات النبيلات مثل إيزابيلا تيوتوكي ألبريتزي التي أصبحت ولعه الغراميّ الأوّل.

وظلّ يتردّد على تلك المنتديات، ويلتقي بأصدقاء من مدن أخرى، لتبادل الآراء حول الثورة الفرنسيّة التي كانت شاغلة الدنيا في تلك الآونة، حتّى تولّى مهام إداريّة وتعليميّة في البلديّة. ألّف مسرحيّته الأولى «ثيستيس» مستوحيًا من الميثولوجيا الإغريقيّة مأساةً تصلح لإسقاطات فكره السياسيّ التحرّري. حاز العرض الأوّل عام 1797 على نجاحٍ باهر زاد من صيت المؤلّف شهرةً حتّى وصل إلى مسامع الشاعر والمسرحيّ الكبير فيتّوريو ألفييري الذي أثنى على عبقريّة الفتى فوسكولو وتنبّأ له بمجدٍ أدبيٍّ زاهر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة