في عام 1906م تم التنبيه على العمد والمشايخ بالسيرعلى قانون إزالة التعديات على المنافع العمومية وأملاك الدولة في المديريات "المحافظات حاليًا"، خاصة في ظل قيام المواطنين بالبناء حول حرم السكة الحديد وبالقرب من القضبان التي امتدت من القاهرة حتى أسوان، وغيرها من المنافع العمومية، مثل الترع، ومنافع النيل، وأيضًا الحارات والشوارع.
موضوعات مقترحة
في هذا الوقت لم يكن متاحًا للعمدة وشيخ الناحية أو الإدارات المحلية في المدن والقرى المصرية آلات حديثة كالبلدوزر والونش وغيرها من المعدات الحديثة لهدم المباني التي زحفت بالقرب من القضبان ونهر النيل والمنافع العمومية، إلا أن القانون كان واضحًا في حتمية الهدم الفوري وإزالة التعديات بأي أسلوب ممكن للحفاظ على أملاك الدولة.
وحدد القانون الذي صدر منذ 116 سنة وتم نشره في قانون البوليس المصري أن للعمد والمشايخ أولًا الحق في إزالة التعديات، وإن لم يستطع العمدة أو شيخ البلد أو شيخ الحارة تنفيذ الإزالة، تتم الاستعانة بقوات الشرطة، وتنفيذ الإزالة بالقوة، ولكن كانت المشكلة التي واجهت الحكومة هي التعدي على المنافع العمومية التي لم يكن بها تنظيم أي إدارات محلية في ذلك الوقت.
القانون وجد مخرجًا وهو أنه حين يقوم المواطن بالتعدي على المنافع العمومية بالجهات التي ليس فيها تنظيم، وهي الأماكن التي لا تقوم بعمل رسوم أو خرائط، يحدد بإرسال بلاغ إلى مصلحة المساحة موضحة تفصيلات موقع الأرض التي تم الاعتداء عليها، وينبغي مرافقة مندوب لمعاونة الإدارة لإجراء التحقيقات اللازمة في عمل الخرائط والرسومات.
ويسرد "إمام بك شعبان" في محاضرة نادرة له تنشرها «بوابة الأهرام» تاريخ خرائط المساحة التي كان يتم الاعتماد عليها في تنفيذ إزالة التعديات، مؤكدًا أنه كانت هناك عدة خرائط جغرافية تم وضعها للقطر المصري، منها خريطة 1813م في عهد محمد علي باشا، وخريطة بهجت باشا 1858م، وخريطة لحصر أملاك الدولة تم وضعها عام 1892م، ثم خريطة أعدتها مصلحة المساحة عام 1907م أي بعد أن وضع القانون خريطة المساحة لتنفيذ التعديات في القري والنجوع على أملاك الدولة.
وحدد القانون الأشياء التي يجب إزالتها فورًا، وهي: ملحقات السكك الحديدية الأميرية، وهي الخنادق التي على جانبي الخط المعروف بـ "الجنابيات"، أو الجسور، أو الأرصفة الممتدة على هذه الجنابيات، وكذا نهر النيل، والترع، كما حدد القانون أن يكتب رقم القضية واسم المتهم وموضوع المخالفة وتاريخ ارتكابها واسم البلدة الواقع عليها التعدي، كما يكتب مساحة الجزء المغتصب ونوع البناء الذي تم فيه ومادة البناء إن كانت من الطوب الأخضر أو الأحمر أو الحجر، إلخ، كما يكتب مقدار التعويض الذي يمكن المطالبة به من المتهم نظير إشغاله الطريق العمومي في مدة اغتصابه للمكان.
ويوضح "إمام شعبان" في محاضرته النادرة أنه يحسب للمصريين القدماء تقسيمهم الأراضي إلى فئات وتقسيمهم المديريات ووضع حدود، مؤكدًا أن علامات التحديد للمديريات كانت متواجدة على الحائطين الصحراوين على جانبي الوادي، كما كتبت على مقبرة حامحتب الثاني ببني سويف، فقد حدث ذات مرة أن قامت إحدى المديريات بالتعدي على الأراضي المجاورة فأمر الملك بالرجوع إلى السجلات وحسم النزاع، وقام ببناء علامات وحدود على المديريات يسمى فصل الحد في القوانين الزراعية.
وقال القانون إن الأملاك الميرية "الحكومية" المخصصة للمنافع العمومية لا يجوز للأفراد امتلاكها بوضع اليد، ويجوز للحكومة استعمال القوة لمنع التعدي عليها. كما يجب إبلاغ مصلحة المساحة بأي تعد مضى عليه أكثر من 6 أشهر، وتقوم مصلحة المساحة باستجواب مغتصب، الأرض ويقوم بعمل رسم جديد للحكومة ويبعث بأوراق التحقيقات لوزارة الداخلية".
كما يجب على العمد والمشايخ إيقاف العمل واستعمال القوة عند الاحتياج، ويجب عليهم أن يردموا الحفر ويزيلوا الحواجز ويهدموا البناء حال الشروع في إقامته إن لم يمتثل المتعدي لإجراء ذلك بنفسه كما يجب تسليم الأنقاض إلى صاحبها وتوقيعه بتسلمها إن كان حاضرًا، وإن كان غائبًا وامتنع عن تسلم الأنقاض تنقل إلى مكان آخر، ويعلن صاحبها أنها متروكة على ذمته في ذلك المكان".
ويؤكد "شعبان بك" في محاضرته التي ألقاها بـ "جمعية المهندسين الملكية" عام 1938م أن أعمال المساحة في القرن الثامن عشر كانت مجرد مقاس فقط وليست خريطة، مضيفًا أن هناك الكثير من القضايا المرفوعة من أشخاص بأحقيتهم في أراضي تم البناء عليها منذ 400 عام، فلو كانت هناك خرائط مساحة قديمة في هذا الزمن لكان من السهل الفصل في هذه القضايا، فالخريطة هي إثبات الملكية، ويجب إرفاق كل عقد بخريطة المساحة، التي يحتاجها مهندس التنظيم والمرافق في تخطيط المدن ووضع المرافق والمشروعات.
خرائط المساحة خرائط المساحة خرائط المساحة