Close ad

"مئوية علي الراعي".. العلامة المسرحية الخالدة والمثقف الموسوعي الذي انحاز للشعب | صور

7-8-2020 | 14:18
مئوية علي الراعي العلامة المسرحية الخالدة والمثقف الموسوعي الذي انحاز للشعب | صورالناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"
مصطفى طاهر

علامة من علامات النقد المسرحي المصري عبر العصور، وحكاية خالدة في تاريخ الثقافة المصرية، تستعيدها "بوابة الأهرام" اليوم، في الذكرى المئوية لميلاد المفكر والناقد المصري الكبير د.علي الراعي، الذي نستعرض اليوم أبرز محطاته مع الثقافة العربية، وقراءة في منجزه الأدبي، تزامنًا مع ذكرى ميلاده، في مثل هذا اليوم 7 أغسطس، من عام 1920م.

موضوعات مقترحة

في الإسماعيلية المدينة الهادئة، وعلى ضفاف قناة السويس، أبصر الدكتور علي الراعي النور، كانت الإسماعيلية في ذلك الوقت يظللها الطابع الكوزمبوليتاني مع انفتاحها على جنسيات العالم المختلفة، بحكم موقعها الجغرافي على قناة السويس، أحد أهم المجاري الملاحية عالميا، فجاءت طفولة "الراعي" مُتفتحة على تنوع في الصداقات والثقافات التي كان يخالطها، وهو ما أنعكس على حياة المفكر الكبير، الذي كانت ثقافته ذات طابع موسوعي.

انتقل على الراعي إلى القاهرة قبل أن يتجاوز عمره الـ20، للالتحاق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة القاهرة عام 1939م، وتخرج بتفوق من أعرق الجامعات المصرية عام 1944م، ليحصل على منحة دراسية في "جامعة برمنجهام" حيث شق طريقه الأكاديمي، حتى حصل على درجة الدكتوراه في رسالته التي قدمها عن "برنارد شو".

وعن هذا يقول الراعى:"كانت محصلة دراستى لمسرح برنارد شو، أن الرجل بذل كل الجهد فى أن يترجم أراءه إلى أشكال فنية مقبولة، لا تدين إلى الرأى وحده، بل هى محصلة تفاعل خلاق بين الرأى والصنعة "

وتصف الهيئة العامة للاستعلامات في ملف "الأعلام والشخصيات المصرية الخالدة" الدكتور الراعي بأنه يُعد نموذجاً فذاً، ليس فقط للناقد الأدبي، ولكن للناقد الثقافي عموماً، الذي يُلم بالحقول المعرفية الواسعة، فهو إلى جوار موقفه الاجتماعي المُنحاز للشعب والموصول بالحرية والاستنارة والعقلانية كانت كتاباته كلها مثالاً على "البساطة العميقة" والرغبة العارمة في توسيع دائرة الثقافة إلى نطاق أبعد من دائرة النخبة الضيقة.

توسيع دائرة الثقافة هو النقطة المركزية التي قام عليها مشروع د.علي الراعي، الذي كان انحيازه لابناء الشعب المصري حقيقيا، فكانت كل خطواته في جميع المجالات التي قدم عطاءه من خلالها، ترتكز على معنى "تثقيف الشعب" بمنتهى الإخلاص والجدية.

بعد انتهائه من دراسة الدكتوراه والعودة إلى مصر، التحق الدكتور على الراعي بالإذاعة اللاسلكية المصرية، حيث عمل مقدما للبرامج في الإذاعة حتى وصل إلى منصب كبير المذيعين، كما قام بتدريس الأدب المعاصر في جامعة عين شمس، بعد ذلك تولى الدكتور "علي الراعي" رئاسة هيئة الموسيقى والمسرح التابعة لوزارة الثقافة المصرية، والتي كانت مسئولة عن المعاهد الفنية للوزارة، وقدم الدكتور الراعي العديد من الإسهامات داخل الهيئة، فقام بتأسيس أول فرقة شعبية، كما خرج للنور في عهده العديد من الفرق الموسيقية.

مارس 1959م كان أن أحد محطات التوهج والإزدهار في مسيرة الدكتور الراعي، وذلك عندما تولى رئاسة تحرير مجلة "المجلة"، حيث قاد ثورة تحريرية عبرت عن ثقافته الحدثية، فتطورت المجلة التابعة لوزارة الثقافة المصرية خلال سنوات قليلة، حتى أصبحت أحد إبرز الإصدارات الثقافية العربية، أهتم الدكتور الراعي في تجربته مع المجلة بالفنون الشعبية، وتضمن محتواها المقدم بشكل دائم كتابات عن فنون الشارع والفولكلور والتراث الشفاهي، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وكانت المجلة منفتحة على ثقافات العالم، كما اهتم الراعي بالتنوع في اختيارات الكتاب، فتحولت المجلة إلى قبلة لكل أصحاب الرؤى النقدية المتميزة، وتألق على صفحاتها عشرات الكتاب من أبرز المثقفين والمبدعين والنقاد المصريين، منهم عميد الأدب العربي د.طه حسين، ولويس عوض، وزكي نجيب محمود، ومحمد مندور، ورمسيس يونان، وأنور عبد الملك، ومحمد صدق الجباخانجي، وعثمان أمين وعلى أدهم وغيرهم، وقد استمرت تجربة الدكتور الراعي مع "المجلة" لمدة 3 سنوات حتى إبريل 1962م، عندما قرر الدكتور الراعي تقديم استقالته بعد خروج ثروت عكاشة من وزارة الثقافة، وتولى عبد القادر حاتم منصب الوزير.

كان عام 1968 عاما فاصلا في مسيرة الدكتور الراعي، عندما قرر الرجل صاحب الرؤية الثاقبة، التخلي عن جميع مناصبه الحكومية، وتقديم استقالته، حتى يتفرغ تماما لمهنة الكتابة، لم يكن عمر الدكتور الراعي قد تجاوز الخمسين عاما في ذلك الوقت، وكان ما فعله قرارا غير معتاد في المشهد الإجتماعي والثقافي المصري.

"إننى آمنت دائماً بأن لاشىء يبنى على واقع صلب يمكن أن يموت، مهما اشتدت الأنواء واستفحلت قوى أعداء الثقافة"

تستعيد الكاتبة الصحفية ليلى الراعي، ابنة المفكر الكبير الراحل ذكريات طفولتها مع أبيها، وتقول لـ "بوابة الأهرام": "كان أبى يحرص دوماً على الاستماع إلى رأينا، فلا يتخذ أى قرار مهم يخصنا دون أن يشاورنا، لم أكن أدرى وقتها وقد كنت طفلة صغيرة أن هذا الأسلوب فى التربية أتاح لى فيما بعد -حينما كبرت وصرت على أعتاب المراهقة - القدرة على التعبير والحديث بسهولة ويسر عن مشاكلى وكل ما يشغل بالى، وهكذا غرس أبى فى أسرتنا مبدأ "الديمقراطية" و"حرية" التعبير و"المشاركة "فى اتخاذ القرار، أذكر أننى حينما كنت أخطىء فى أمر ما، كان لا يفرض رأيه بشكل مباشر، بل ينبهنى قائلاً - راجعى نفسك- وحينها كنت بالفعل أعيد التفكير فى هدوء فى الأمر، فاكتشف خطأى بنفسى، و صار مبدأ مراجعة النفس وعدم التشبث بالرأى منهجاً مهماً فى حياتى، أيضاً تعلمت من أبى تنظيم وقتى، فهناك وقت للمذاكرة وأخر للعب والخروج، والإنسان الناجح هو الذى يعرف جيداً الاستفادة من ساعات يومه، كان هذا مبدأه فى الحياة، كل يوم يغلق على نفسه باب مكتبه ويظل يقرأ أو يكتب لمدة ساعتين على الأقل، هذا النظام الشديد وهذه الجدية فى العمل، جعلانى أدرك منذ سنواتى الأولى أهمية التركيز فى الدراسة، فالنجاح لا يأتى هكذا وحده، بل وراءه جهد وتعب ومثابرة، الأجواء الثقافية التى نشأت فى رحابها، أصدقاء أبى من المفكرين والمبدعين، المكتبة الهائلة التى تشغل مكاناً مميزاً فى بيتنا، كلها عوامل أسهمت فى تأسيس تكوينى الفكرى وجعلتنى أحب القراءة وأهتم بالأدب والإبداع".

مشروع الكاتب

بتلك التركيبة الشخصية الفريدة تخلى الدكتور الراعي عن المناصب مبكرا، وأنخرط في الكتابة، فقدم الدكتور الراعي للمسرح ما يزيد على 50 كتاباً، معتبرا أن النقد رسالة وطنية واجتماعية، كما قدم العديد من الترجمات التي أثرى بها المكتبة العربية لمشاهير الكتاب العالميين مثل تشيكوف وابسن وغيرهم، وعمل مشروع على الراعي النقدي على الانحياز للفن الجميل الذي يحمل الفكرة العميقة دون تجهم، وكما عمل على الحفاظ على الهوية الثقافية دون انغلاق على الذات، وكان الدكتور الراعي يرى ضرورة فتح الباب للتجريب، والانفتاح على ثقافات العالم المختلفة، حتى يستطيع الإنسان العربي مجاراة التطور الذي يدور حوله.

"أضاءت حياتى كتابات طه حسين ومسرحيات توفيق الحكيم، أحببت طه حسين حباً جماً واتخذته مثالاً وقدوة وجريت وراءه لاهثاً، أما توفيق الحكيم فقد فتننى حواره وفكره الدرامى، عشقت مسرحياته المتألقة بالفكر والفن معاً من أمثال "أهل الكهف" و " شهر زاد"، فلما كتب مع طه حسين كتابهما الأخاذ "القصر المسحور" اجتمع الحبيبان عندى فى ساحة الفن الذى أخذ يتسرب إلى روحى متخذاً مسارب بعيدة الغور "

في عام 1973م بدأ الدكتور الراعي محطة جديدة في مسيرته، عندما سافر إلى دولة الكويت الشقيقة لتدريس الدراما المعاصرة، وظل في مهمته الأكاديمية خارج مصر لمدة 9 سنوات، حتى عاد إلى مصرعام 1982م، التحق بعدها للكتابة بمجلة روزاليوسف وكان قد تجاوز الستين من عمره وقتها، ثم انتقل بعدها إلى مجلة المصور التابعة لمؤسسة دار الهلال، قبل أن يبدأ في الكتابة لجريدة "الأهرام".

في "الأهرام" ديوان الحياة المعاصرة، رسخ الدكتور الراعي لمشروعه بشكل جماهيري واسع، ونجح أن يجذب قراء أعرق صحيفة عربية إلى المواهب الجديدة التي يكتشفها، وكان مقاله الأسبوعي بالأهرام نافذة على الأعمال الأدبية المهمة، التي كان يطالعها قارئ الأهرام برؤية متطورة وعصرية، وكان انفتاح الراعي يجعل القارئ يستطيع أن يرى النص من زوايا متباينة، كانت كتابة الراعي في ذلك الوقت تصنع حالة تفاعلية غير معهودة في الكتابات النقدية العربية، تحول بها مقاله الأسبوعي لحديقة مفتوحة تساعد البراعم والزهور الأدبية على أن تتفتح.

"فى قلبى ركن دافىء ودائم لبسطاء الفنانين المسرحيين، الذين ضحوا بأعمارهم، وأحياناً بحياتهم فى سبيل أن تبقى شعلة المسرح مضيئة"

الناقد مصطفى عبد الله يقول في قراءته بمجلة "الشارقة الثقافية"، لمجلد "الرواية في الوطن العربي" ضمن الأعمال الكاملة للراعي، أن الدكتور علي الراعي من الأصوات الرصينة الهادئة في حياتنا الثقافية، وله تأثير كبير في جمهور المستمعين منذ كان أحد الأصوات الإذاعية المرموقة في الخمسينيات من القرن الفائت، وهو صاحب دور في النهضة المسرحية التي ظهرت في مصر مع أواخر الخمسينيات، سواء برئاسته للمؤسسة العامة لفنون المسرح والموسيقى، أو بممارساته النقدية والتعريفية بمستجدات المسرح في العالم. هذا فضلًا عن كونه أحد كتَّاب المقال النقدي الأدبي.، فهو صاحب مشروع كبير وطموح في شتى مجالات الإبداع الأدبي والثقافي.

الروائي إبراهيم فرغلي، قال عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك" تزامنا مع مئوية الدكتور الراعي:  "كتاب الرواية في الوطن العربي من الكتب التي قرأتها مرارا، وبأسلوب قراءة لا يهتم بالترتيب، أو بإعادة قراءة موضوع أكثر من مرة، من نهاية الكُتّاب قبل أوله والعكس، وتعرفت على كبار كتاب الرواية العرب والمصريين، لا زلت أذكر زمن وذكريات قراءة الكتاب مطلع التسعينيات في شقة بالمنيل بداية انتقالي للقاهرة، كنت مشغولا بالكتاب وبالبحث عن كل الروايات التي تناولها".

وقد حصد الدكتور على الراعي العديد من الجوائز طوال مسيرته الحافلة، من أبرزها جائزة الدولة التقديرية في مصر، وجائزة التقدم العلمي في دولة الكويت الشقيقة.

"أما الرضا فمبعثه أننى على يقين الآن من أن الجهود التى بذلناها جميعاً منذ أواسط الخمسينيات قد أثمرت الثمرة المرجوة، ووضعت المسرح واللعبة المسرحية بالذات فى وجدان الناس، وحفرت لنفسها فى هذا الوجدان أخاديد عميقة يصعب سدها أو تجاوزها أو تجاهلها"


الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"

الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"الناقد المصري الكبير "د.علي الراعي"
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: