شكلت ثورة 23 يوليو 1952، نقطة تحول عميق في تاريخ مصر على كافة الأصعدة، سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وكانت محور مهم في حياة المصريين، وعلى الصعيد الثقافي، وضعت الثورة حجر أساس للعمل الثقافي المؤسسي، فكانت وزارة الثقافة المصرية والمؤسسات الثقافية الوطنية من أبرز مكتسبات الثورة، إذ أراد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن تصبح الثقافة والفنون الراقية فى متناول الجماهير العريضة كما ذكر الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك في مذكراته الشهيرة.
موضوعات مقترحة
في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، قال الكاتب يوسف القعيد، عضو مجلس النواب، إن ثورة ٢٣ يوليو حققت مكتسبات عدة ترضي الثقافة والمثقفين في مصر، إذ انشأت لأول في تاريخ مصر وزارة للثقافة كان وزيرها الأول فتحي رضوان، ثم تولاها المؤسس الكبير لها الدكتور ثروت عكاشة، واعتبرت الثورة أيضًا أن الكتاب مسألة مهمة وقضية كبرى، فانشأت صناعة للسينما والمسرح بمعناه الحديث المتقدم، ووضعت أساس لكل المباني والصروح الثقافية الكبرى.
ورأى "القعيد" أن الثورة منذ بداية عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم تتخذ أي موقف عدائي مع الكُتّاب والمثقفين بل ووقفت بجانب الأدباء المصريين حتى الذين اختلفوا مع الثورة، وعلى سبيل المثال الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي كان متخذًا موقفًا من عبدالناصر، كتب أعظم رواياته وأنتجت أعماله المهمة سينمائيًا في مناخ حر رغم كل خلافه مع الثورة.
وقال "لولا ثورة يوليو ما نُشر كتاب بهذا الدعم، كما كان للثورة بعدًا ثقافيًا عالميًا، إذ توطدت علاقة مصر بإفريقيا بفضل القوى الناعمة ودعم الثقافة هنا وهناك".
وأكد الكاتب الصحفي حلمى النمنم، وزير الثقافة السابق أن ثورة 23 يوليو ثورة مجيدة بكل ما تحمله الكلمة، بدأها مجموعة من الشبان فى الجيش المصري وكانت نقطة تحول مهمة فى التاريخ المصري، كما اعتبر أن ثورة 23 يوليو جاءت متممة لمطالب ثورة 19، وهى الاستقلال الوطني، والحرية والكرامة الإنسانية والسياسية، والعدالة الاجتماعية.
ويرى الناقد الدكتور صلاح فضل، أستاذ النقد بجامعة عين شمس، إنه للوهلة الأولى يبدو لثورة ٢٣ يوليو أثرًا بالغًا في شهود نهضة ثقافية عالية الموجة جدًا، لكن سرعان ما يعذوها بعض المحللين إلى المد الليبرالي الذي كان سابقًا عليها، فمن انتجوا إبداعاتهم في الخمسينات والستينيات وحتى السبعينيات لم يكونوا من مواليد الثورة لكنهم جيل ما بعد ثورة ١٩١٩ المشهور بالأمل والتطلع والرغبة في إحداث نهضة حقيقية وصياغة مستقبل عظيم لمصر.
لكنه يضيف إلى ذلك، اكتشاف عبدالناصر للعروبة وتوظيفه لها، وشحنه للهمم المصرية ومناصرته للفقراء وزعامته للعالم العربي، وقدرته الخارقة على تعبئة الجماهير، وزرع الأمل فيهم، كل ذلك اسهم بشدة في رفع موجات الإنتاج الثقافي، والإبداعي في الموسيقى والغناء والشعر والرواية والمسرح والفنون التشكيلية، والرقص، والرسم وبقية الفنون، مشيرًا إلى ما قدمته ثورة 23 يوليو للحياة الثقافية في مصر كثيرًا ومهمًا ويسجله التاريخ.
بدأ عبدالناصر - كما يرى "فضل" - بتشكيل وعي ثقافي جديد من خلال رؤيته الشمولية القومية، ويضيف "صحيح أن نكسة ١٩٦٧ كانت كفيلة وحدها لانكسار الروح المعنوية لكل المصريين كما لم يحدث في التاريخ المعاصر، لكن ما اثرت عنه من تدارك سريع في حرب الاستنزاف ونصر عاجل بعد ٦ سنوات في 1973، كان كفيلًا أيضًا بتضميد الجروح، ولو ان السادات الذي نقض كل غزل عبدالناصر واحبط جميع مشروعاته سواء المجتمعية في عودة رأسمالية متوحشة قضت علي الأمل الاشتراكي أو السياسة الدولية، كل ذلك كان محوًا منظمًا لموجات عبدالناصر الصاعدة".
واعتبر أن سياسات الرئيس الراحل محمد أنور السادات التي محت ما قدمه عبدالناصر ثقافيا للحياة في مصر، الأمر الذي تسبب في خيبة أمل مريرة جعل كل المبدعين يتخلون عن الشأن العام ويبحثون عن طرق خاصة بهم يعبرون فيها عن عذاباتهم بين النارين والعهدين.
وكان الخمول المزمن والإحباط المستمر عبر ثلاثة عقود من عهد مبارك هو التجميد والتفريغ الكامل لشحنات الثورة الصاعدة في بدايتها الناصرية والثورة المضادة في نكستها الساداتية بحسب تعبيره.
ويرى صلاح فضل أن فصول الرواية لم تتم بعد ومازالت الثقافة المصرية تنتظر التئام جراحها حتي نتطلق إلى مستقبل يشبع طموحاتها في الحرية والرخاء والتحول الديموقراطي المنشود.