عام 1918م، وقبل نشوب ثورة 1919 بعام واحد، كان على الطبيب "سمعان بطرس نجار" أن يستقل مواصلة وحيدة للوصول لعمله في الواحات، حيث كانت المواصلة الوحيدة يطلق عليها القطار الغريب، ويصل للواحات في مدة 20 ساعة متصلة، حيث لم تكن قد انتشرت آنذاك مواصلات السيارات والنقل العام.
موضوعات مقترحة
وقد كان القطار الغريب الذي يحمل الركاب والماء يتحرك من اتجاهين للوصول للواحات حيث يقوم قطار صغير، من محطة المواصلة بالقرب من فرشوط بمحافظة قنا بصعيد مصر، ليقطع مسافة 197 ك م في ثمان ساعات، حتى الوصول لمدينة الخارجة، أما القطار الذي يتحرك من القاهرة فقد كان يقطع المسافة في مدة 20 ساعة بعد كفاح مرير بين القطار والتضاريس في الصحراء.
وكان من قدر سمعان بطرس نجار الطبيب بمصلحة أقسام الحدود المصرية أن يكون شاهد عيان علي الواحات المصرية الداخلة والخارجة عام 1918م ، حيث أورد في مذكراته التي نشرها بمجلة المقتطف ذكرياته ونضاله في مواجهة الصحة المنعدمة في الواحات، وتفشي التيفود ولدغات العقارب والرمد بين سكانها، وكان مجبرا على استقلال القطار الذي نشرت له عدة صور في الصحف والألبومات النادرة القديمة.
ويقول الباحث التاريخي محمود عبدربه أحمد في تصريحات لــ"بوابة الأهرام"، إن الواحة قديمًا كانت تعتمد علي الحجامة والكي، والتداوي ببعض الأعشاب، حيث لم تكن بالواحات حينها مستشفيات، أو وحدات طبية، ولا صيدليات، سوى حلاق الصحة، وطبيب بواحة الخارجة، وآخر بواحة موط الداخلة، تم تعيينهم من قبل الحكومة مطلع القرن العشرين، حيث لم يوجد طاقم تمريض أو إسعاف في الواحات.
كتب الطبيب سمعان بطرس في إحدي مقالاته، إن الوفيات من لسعات العقارب المنتشرة في الواحات قليلة جدا، وذلك لسرعة الأطباء الذين يعالجون الأهالي حتى في الليل حيث نقوم بغسل التشريط بالبوتاس أو النشادر، ونعطي لهم حقنة المضادة للسم ومزيجا يحوي النشادر والأثير فيذهب ألم اللسعة بعد مرور 12 ساعة، مؤكدا أن موسم العقارب هو شهر إبريل من كل عام، وينتهي في أغسطس علي الغالب.
ويؤكد الباحث محمود عبد ربه، أن الخارجة التي كان يعيش فيها الطبيب سمعان لم تكن منعزلة جغرافيا بالمعنى المفهوم عن بقية المحافظات، بل كانت محطة هامة على طريق درب الأربعين منذ قرون، إلا أنها لم تستمد ثقافتها وعلومها الطبية إلا من خلال الموروثات الشعبية عبر الأجيال، ونتيجة كل ذلك فقد كانت بعض الأمراض والأوبئة منتشرة في الواحات ويذهب ضحيتـها الكثيرين من السكـان، بالإضافة لبعض الأمراض ومنها مرض الرمد الذي كان يسبب العمي.
يؤكد الطبيب سمعان، أن الحقنة المضادة للدغات العقارب لا تؤدي لمضاعفات في القلب والدم من سم العقرب، مضيفًا أن أغلب الوفيات التي كانت تحدث من لدغات العقارب كانت في العزب والنجوع المتطرفة من الواحة والبعيدة عن مكاتب الصحة مطالبا بإعطاء كل حلاق من الحلاقين بالصحة في القرى المصرية حقنة ضد سم العقارب، حيث إن الوفيات التي تسببها العقارب تزيد عن 12 مصابًا أغلبهم من الأطفال.
وقام سمعان الطبيب بفحص كافة الدفاتر الطبية القديمة في الواحات والتي رصدت الحالات المرضية، كما يسرد الطبيب مشاهداته في الواحات حيث شاهد مريضا من اليونان يشكو من تورم أصابعه بسبب لدغات الحشرات والبعوض ومنها الناموس التي سبب تورما ملتهبا لليوناني، مما أجبر سمعان علي إجراء جراحة عاجلة له، مؤكدا أنه ممنوع كطبيب إجراء الكشف على النساء بسبب التقاليد في الواحات.
ويؤكد عبد الربه أن خط السكة الحديد الذي كان يستقله الموظفون قديما ومنهم الأطباء تأسس منذ عام 1906م حيث بدأ العمل فيه في 31 مارس سنة 1906، كما يؤكد المؤرخون واستغرق إنشاؤه عامين وثمانية أشهر حتى إذا ما حل يوم 2 ديسمبر سنة 1908 افتتح الخط لأول مرة، وقد استمر القطار الغريب والعجيب باقيا حتي خمسينات القرن الماضي، حيث القطار حاصرته السيول لعارمة وقد رصدت جريدة الأهرام آنذاك مجهودات الحكومة في إنقاذ الركاب من السيول، العارمة التي أدت إلى إزاحة بعض القضبان الحديدية من مكانها.
قصة الطبيب سمعان بطرس نجار قصة الطبيب سمعان بطرس نجار قصة الطبيب سمعان بطرس نجار