لم يجد أهالي الصعيد أي حلول في الوباء الذي حل بالحيوانات في عام 1864م خلال القرن التاسع عشر، فقد كان المزارع مجبرا علي أن يقوم بالعمل في الساقية بدلاً من الثيران، التي انقرضت بفعل الطاعون البقري.
موضوعات مقترحة
لايشبه الوباء الذي حل بمحافظات الصعيد الوباء الحالي، الذي جعل الحيوانات تمرح في المدن والقري وفي الشوارع وسط اختفاء الناس في المنازل، فقد كان الوباء يحل بالحيوانات فقط، وخاصة الطاعون البقري، المعروف بطاعون الماشية، وهو مرض فيروسي شديد العدوى يؤثر على الحيوانات، وقد عُرف الطاعون البقري منذ بداية استئناس الماشية كما يؤكد المؤرخون، وقد كان له في الماضي عواقب وخيمة على الأمن الغذائي.
في عصر محمد علي باشا كانت الحيوانات ملكاً لأصحابها، بخلاف الأطيان الخراجية، كما يؤكد المؤرخ أحمد الحتة في كتابه "تاريخ الزراعة"، مضيفاً أن الحكومة كانت تشتري من الأهالي الحيوانات مع فرض ضريبة على كل حيوان، ففي عام 1835 كانت 20 قرشًا ضريبة على كل رأس من البقر والجاموس و70 قرشًا إذا بيعت للجزار، وفي تلك الحالة يكون جلدها للحكومة أما الجمال والنعاج فكانت الضريبة 4 قروش وكانت الضرائب تجبى سنويًا، كما كان الطبيب البيطري يعاقب بالجلد إذا حدث منه تقصير في رعاية الحيوانات وخاصة التي كانت ملكاً للحكومة .
"لوسى دف جوردن" التي ارتحلت لصعيد مصر في عصر الخديو إسماعيل كي تشفي من مرض السل، كانت شاهدة علي هذا الوباء الذي انتشر في الصعيد، فأدي لاختفاء الحيوانات وموتها، وخاصة في الأقصر، في منطقة المطاعنة التابعة لمركز إسنا في وقتنا الحالي، وقد أرسلت مجموعة رسائل منها إلى إسرتها فى بريطانيا فى الفترة من 1862- 1869م، ونشرت هذه الرسائل على يد حفيدها، مستر "جوردن ووترفيلد" وهو صحفى عاش فى مصر، وكان رئيسا لتحرير " الأجبشيان جازيت ".
في عام 1852، أصيبت لوسي بداء السل، ونصحها الأطباء أن تسافر إلى جنوب أفريقيا حتى تجد جو معتدلً دافئً يناسب صحتها، كما يقول الباحث التاريخي "أحمد الجارد" لــ"بوابة الأهرام"، لافتًا أنها أمضت عامًا فى كيب تاون تستشفى، ولكن علاجها هناك لم يكن ميسورًا، وارتحلت إلى مصر في أكتوبر 1862.بجثاً عن العلاج من مرض السل.
يضيف "الجارد"، أن "لوسي دف جوردن" استقرت في الأقصر في 12 يناير 1864م، في بيت اسمه بيت فرنسا، الذي كان يقابل مسجد أبوالحجاج الأقصري، والذي سكنه فيما بعد العالم الأثري الفرنسي شامبليون، وقالت جوردن عن منزلها في الأقصر: "إن شرفتة كانت برج مراقبة التى تراقب منه الحوادث التي تجري"، وقد وتوفت في يوليو عام 1869م بعد معاناة شديدة من المرض، في مقابر البروتستانت بالقاهرة، إذ كان أبوها جون أستون من رجال الفقة القانوني، مؤكداً أن رسائل لوسى دف جوردن ستظل وثائق هامة فى تاريخ مصر الحديث.
عاشت "لوسى دف جوردن" فى الأقصر وكانت تصف الأحداث التى تقع فى هذه القرية . وتحكى لوسى دف جوردن فى رسائلها : " بدأ طاعون الماشية أو الطاعون البقرى من الشمال ورأت لوسى فى ربيع سنة 1864 جيف المواشى تطفو وترد إلى الصعيد ، وقيل إنها غير ذات خطر على الصعيد لانها كانت تطفو على سطح النيل من القاهرة ، وما أقبل شهر مايو حتى ظهر الطاعون فى المنيا ، وما ينتصف هذا الشهر حتى تكتب الى والدتها عشية عيد الأضحى ما رأته من هذا الوباء. ".
قالت "لوسي داف جوردن" إن زحف هذا البلاء إلى الصعيد سيتحول الآن إلى كارثة رهيبة، ففى غضون ستة أسابيع نفقت كل ماشيتنا ، والحمير الآن هى التى تذور القمح والرجال هم الذين يديرون السواقى ، ويجرون المحاريث ، ويموتون بالعشرات فى أماكن كثيرة زهقا وجوعا "إن الزراعة جميعها تقوم على الثيران ، وقد ماتت جميعا ".
وفى المطاعنة والقرى التى تقوم حول مزرعة حليم باشا بالأقصر، أكدت لوسي دف جوردن أنها شهدت نفوق نحو 24000 رأس من الماشية، وقد غادرنا المطاعنة ولم يكن قد خلف الطاعون فيها الا أربعة رءوس فقط.
كما سردت لوسي داف جوردن علاقات الصعايدة وخوفهم من الطب الحديث حيث تكتب رسالة في سنة 1864 تحكى قصة البدراوى قائلة "جاءنى مصطفى بالأمس برجل كان يرتعد ذعرا ، لأن ولده قد انتابه مرض مفاجئ. وتوسل الى الرجل أن أبذل قصارى جهدى فى علاج ولده . وقد علمت منه أن الولد وهو صبى يبلغ الخامسة عشرة قد أصابتة الحمى وهو فى قنا ، لكن الوالد البدراوي أثر الأ يعرضه على أحد أطباء الحكومة ، لأن هؤلاء بزعمه كانوا يقتلون المرضى بتسميمهم.
يذكر أن رسائل "جوردن"، قد صدرت كاملة حديثا مترجمة في طبعتها العربية، عن دار بيت الياسمين بالقاهرة، وقام بنقل الرسائل إلى العربية الروائي الكبير "إبراهيم عبد المجيد"، تحت عنوان "رسائل من مصر"
أهوال الوباء في الصعيد قديما أهوال الوباء في الصعيد قديما