Close ad

"انتظار" قصة قصيرة لـ"علاء صديق"

19-12-2019 | 19:30
انتظار قصة قصيرة لـعلاء صديقصورة تعبيرية

 اعتدت أن أسهر فى محل الورد الخاص بى، والمقابل لشاطئ البحر حتى الصباح من أجل أن أرى لحظة شروق الشمس، منذ اليوم الأول وهو يأتينى كل صباح يشترى وردة حمراء، هذا الرجل العجوز الذى شغل المدينة كلها بحديثه يداول الناس سيرته بروايات مختلفة لعله مجنون، يقول أشياء غير معقولة، يتصرف كأنه شاب، يجلس مدعيا أنه ينتظر فتاة اتصلت به البارحة. يأخذ الوردة منى ثم يدلف إلى الجهة المقابلة ليجلس على صخرته المفضلة أمام البحر حتى تلفحه الشمس ولا يتركها إلا للذهاب إلى المحل الذى يجاورنى ليشترى لقيمات ليأكلها وهو يراقب الصخرة فاقدا تركيزه الكامل لكل ما يفعل، ثم يجلس على المقهى المجاور لذات المحل، ويتحدث مع الحاضرين: ستأتي اليوم اتصلت بى البارحة ثم يخاطب صاحب المقهى: ضع لى فيروز واطلب لى فنجانَ قهوة.

موضوعات مقترحة

 وكما قيل: إنه فقد عقله يتخيل أشياء لم ولن تحدث وأحدهم قال: إنه يعتقد البارحة منذ ما يقرب من أربعين عاما، صدق من قال:"فى داخل كل إنسان حياة أخرى، عالم آخر بعيد عن عالمه المحيط به طبعت به ذكريات.أحلام.أوجاع.والألم والأمل معا".

 أترقبه، أتابع نظراته.ألمه البعيد وأنا عاجز عن كتابة كلمة تصفه، أذهب وأجىء لأجلس ساعات مقابلة له لا أستطيع أن أقترب، هل هو شجاع لهذه الدرجة من العظمة ليجلس وحده ساعات وساعات يراقب هذا الشريط من الذكريات؟ ومن ينتظر؟ أيعقل أنه فقد عقله؟ أم أن فَقَدَ امرأة يعنى فَقَدَ حياة بأكملها؟

 ها هو يجلس وحده وهو يراقب الناس من حوله ولا يمل الانتظار ولا يقطع الأمل.فى الفترة الأخيرة قررت أن أقترب منه لألتقط طرف خيط لأبدأ روايتى الجديدة، ها هو صباحى العاشر وفضولى يدفعنى إليه اقتربت طلبت منه أن يسمح لى بالجلوس، لم يرفض كعادته لكنه لم يتكلم وبابتسامة خفيفة نظر إلىّ وحرك رأسه بنعم، سحبت الكرسى وجلست وهو يراقب الصخرة البعيدة وفى عينيه ألف دمعة وابتسامة جلست صامتا على الرغم من قدرتى أن أصطنع عبارات أبدأ منها حديثا لا أعرف ماذا سأقول فيه، قلت: أخيرا أجلس مقابل وحدتك لكننا لم نتكلم.نظر نحوى باستغراب ثم قال: حقا لم ألاحظ، ابتسم لماذا تأتى إلى هنا؟هل رأيتها؟ ابتسمت هذا المكان يروق لى صغير وقديم ويشعرنى بالأمان، أدار وجهه عن عينى، وأخذ الشرود، قلت منذ عشرة أيام وأنا أراقب وحدتك، أراقب هذه الوردة التى تحملها يدك وأتساءل هل تنتظر أحدا؟نظر مجددا باستغراب يختلط بألم نحوى وقال أنتظر شبابى الضائع يابنى، زرعتها غصنا يرتوى من دمى، ويكبر ببطء فى داخلى حتى سيطرت على كامل قواى، كثيرا رددت أمامها لن أنساكِ ما دمت حيا، وكيف أنساكِ وأنت فى داخلى وبالفعل لم أنسها، لا تزال تزهر وتزهر وترتوى من شبابى، كنت أكلمها وأقول لها هل تعيشين بسعادة داخلى؟ كنت أخاف أن تضايقها نبضات قلبي، يا بني، منذ ما يقرب من أربعين عاما وأنا أنتظرها، مر العمر.ضاع الشباب، تعايشت مع الانتظار وما زلت أضبط المنبه على السابعة صباحا كما وعدتنى أن نلتقى ونجلس هنا، أعلم أنك تتساءل كيف لم أيأس؟

 فى كل صباح يأتى صوت المنبه مع كلماتها أنتظرنى فى السابعة صباحا اشتر لى وردة فأنا أعشق الورد ولا تنس فنجان القهوة ومع صوت فيروز، فأستيقظ بلهفة الحب التى لم تختلف منذ سنين أتعكز على حلمى وأذهب، أنتظر وأنتظر أطلب من صاحب القهوة أن يضع لى فيروز لعلها تحن كحنينى وتأتى.

 - أفعل ذلك منذ أعوام طويلة ولم تأت لكنها لم تخلف موعدها قالت لى ستأتي صباحا أو مساء لا يهم، سيطر الاندهاش على كلماتي وغلب البكاء على قلبي. عجوز مسن ونبضه لا يزال بعمر الشباب ينتظر ويعتقد أنها ستأتي ماذا يجب على أن أقول له؟.

 - هل ستبقى بانتظارها؟

 - سأبقى بانتظارها ما دمت أستطيع أن أتعكز وآتى إلى هنا

 - ألن تيأس؟

 - عمرى مضى ولم أيأس.

 - آتى وكأنها المرة الأولى، ثم أعود إلى منزلي مساء بخيبة وحرقة والسؤال يجيبني يا ترى لماذا لم تأتي؟

 - اتصلت بى البارحة وقالت: إنها ستأتي، أيعقل أنها لن تأتى؟

 التفت وكأنه يرانى للمرة الأولى وقال من أنت؟

 - لماذا تجلس معى هنا؟

 -هل رأيتها؟

 - هيا ابتعد من هنا، لعلك أخذت كرسيها دعنى أنتظرها وحدى وارحل.

ابتعدت رويدا رويدا، لم أنطق، لم أبك، ولم يدخل اليأس قلبى، لعله فقد عقله لكن قلبه ملىء بها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة