لم يكن الطبيب محمد علي أفندي يدري أنه سيكون شاهد عيان علي حدث غريب ومثير وقع في قرية النخلة البحرية التابعة لمركز أبوحمص بالبحيرة منذ أكثر من مائة عام، وبالتحديد في شهر يونيو من عام 1911م، حين فوجئ أهالي القرية وهم يعملون في حقول الزراعة، بأصوات انفجار ضخمة تشبه أصوات الرصاص حول قريتهم، وارتطام صخور من السماء شاهدوها علي بعد 7 كيلو مترات، مما أصابهم بالفزع والخوف والهلع.
موضوعات مقترحة
صوت الارتطام العنيف الذي لم تشهده مصر في تاريخها الحديث، دعا المواطنين للاطمئنان علي أنفسهم ومنازلهم أولًا، والبحث عن الطبيب محمد علي أفندي، الذي كان مثلهم خائفاَ ومرتعشا ولا يجد تفسيرا لتلك الإنفجارات المتتالية، التي أفقدت بعض الناس وعيهم من قوتها، وربما أوقعت ضحايا ولم يتم سردها في الصحف الورقية.
كان علي الطبيب محمد علي أفندي أن يجد حلا، وهو الاتجاه إلي الصحافة، فهي الوحيدة القادرة علي تفسير ماحدث، لذلك قام بإبلاغ جريدة الأهالي المستقلة التي كانت تصدر آنذاك في مصر، ووضعت الخبر في مانشيت كبير، وهو الأمر الذي جعل الحكومة المصرية ترسل وفدا لجمع الأحجار التي هبطت علي القرية من السماء، بل قام باحثون أجانب من دول أوربية بزيارة القرية.
الصحف المصرية التي غطت الحدث الفريد بعد اتجاه الطبيب محمد علي أفندي لها، قدمت عدة أسئلة، هل هي أحجار هبطت من السماء؟، أم كانت أحجارا قذفها بركان خامد؟، بل إن بعض المقالات التي تناولت الحادث أرجعت سقوط الأحجار نتيجة آثار بركان قذفت علي الأرض علي هذه القرية من مسافة كبيرة، إلا أن المستر هيوم رئيس المساحة الجيولوجية في مصر، كان عليه أن ينبه علي موظفي المساحة الجيولوجية بجمع أكبر عدد من الأحجار، التي أحدثت ارتطاما عنيفا، بل كتب بنفسه تقريرا عن رؤية المزارعين للنيازك التي سقطت من السماء.
أرسلت مصلحة المساحة الجيولوجية الموظف أفندي حسن، كما أوردت الصحف والمجلات المصرية الصادرة آنذاك اسمه، حيث فوجئ أفندي حسن بقيام المزارعين ببيع الأحجار، فقام بشراء 20 حجرا منهم، وأكد أفندي حسن في تقريره الذي قدمه لمصلحة المساحة الجيولوجية أنه لم يستطع سوي جمع هذه الأحجار من الأهالي، الذين قاموا ببيعها.
وقالت الصحف التي نشرت الحدث الفريد إنه يؤخذ من أقوال الشهود وأغلبهم من الفلاحين في القرية، إن الأحجار سقطت في مساحة أرض قطرها 4 كيلومترات ونصف الكيلو متر، وأنها كلها من انفجار نيزك واحد انفجر علي علو شاهق، وأنه كان قادما من جهة الشمال الغربي، وتسبب في خط من الدخان الأبيض، ولم تكن زاوية ميله أكثر من 30 درجة مئوية، ولم ينفجر مرة واحدة، بل مرات متتالية، وكان صوت انفجاره كصوت طلقات الرصاص، وسمع صوته في القرى المجاورة، مثل قرية بركة غطاس التي تبعد حوالي 7 كيلو مترات من قرية النخلة البحرية.
أحد الفلاحين أكد أنه شاهد الصخور قادمة من السماء علي بعد 50 مترا، ولكنه لم يسمع الانفجار، وإنما شاهد الغبار خارجا من الأرض حيث وقع، كما أكد تقرير هيئة المساحة الجيولوجية التي قامت بعرضه الصحف والمجلات المصرية، أن الأحجار غارت في الأرض ما بين عمق 10 و30 سنتيمترا، وكانت الثقوب التي ثقبتها مائلة وليست عمودية، وحين تم استخراجها من الأرض لم تكن بحرارة مرتفعة.
بعد مرور عام علي الواقعة، قامت مجلة المقتطف بنشر بحث لجون بول، أحد الباحثين الأجانب في الجيولوجيا، والذي أرسلته الحكومة المصرية لعمل بحث عن نيازك قرية النخلة البحرية، وقام بنشر بحثه باللغة الانجليزية، حيث أكد جون بول أن الحجارة التي تم جمعها من القرية بلغت نحو 40 حجرا ووزنها 10 كيلو جرامات، ونصفها مغطي بطلاء أسود من مادة مصهورة، وبعضها طلاؤه غير تام، وبعض الأحجار متبلور ولونه رمادي مخضر.
وأكد جون بول أنه حدث أكثر من انفجار واحد في القرية نتيجة سقوط النيازك وأن الانفجار الأول نتج عنه حجارة مختلفة الألوان والأشكال وبلغ ثقل هذه الحجارة نحو 1813 كيلو جراما، بينما بلغ أصغرها 20 جراما، كما وصل أصغر حجر سطوحه مصهورة كلها نحو 34 جراما، حيث تم حفظ بعض الأحجار في المعرض الجيولوجي بالقاهرة، كما تم إرسال بعض أحجار من النيازك في عواصم لندن وباريس وواشنطن وفينا وروما وبطرسبرج، حيث رحبت بها معارض العواصم الأوروبية والأمريكية لأنها أول نيازك شوهدت ساقطة علي القطر المصري، كما تم فحص الأحجار وإجراء تجارب عليها فوجدت مكونة من حديد مشع وسيليكون مشع وألمونيوم مشع وغيرها من المواد.
الدكتور مصطفي إسماعيل زيان، استشاري العلوم الجيولوجية والبيئية، أكد في تصريحات لــ"بوابة الأهرام، أن هناك مناطق مشهورة في مصر تساقطت فيها النيازك ولكن في العصور القديمة وليست الحديثة، مثل جبل النيزك في الوادي الجديد والذي تم اعتمادها كمحمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 271 عام 2012.
وأضاف الأثري والباحث في الفلك هاني ظريق في تصريحات لــ"بوابة الأهرام" أن النيازك ليس لها وقت محدد للنزول، لافتا إلى أن مصر شهدت في العهد الفرعوني سقوط نيازك ولكن لم يتم تسجيله، مضيفا أن هناك عددا من التماثيل والخناجر تم صنعها بأحجار نيزكية مثل خنجر توت عنخ آمون وهرم بن بن بعين شمس.
وأضاف أن سقوط النيازك علي قرية النخلة البحرية بمركز أبوحمص بالبحيرة، كان أول سقوط للنيازك يتم مشاهدتها في العصر الحديث داخل مصر، ورغم ذلك هي صفحة مجهولة في تاريخنا، لافتا إلى أن النيزك يخلف ضحايا، وأن سقوطه يكون مدويا، وهناك فرق بين الشهاب الذي يحترق في السماء وبين النيزك الذي يسقط علي الأرض مخلفا ضحايا، مثلما حدث في إحدي مناطق روسيا في عام 2013م، حيث أدى تساقط نيزك لإصابة ألف شخص بإصابات خطرة.
نيازك البحيرة عام 1911م نيازك البحيرة عام 1911م