Close ad

زينب عبد الرزّاق تكتب: هرم اللوفر

7-7-2019 | 19:52
زينب عبد الرزّاق تكتب هرم اللوفرمتحف اللوفر

عقب وفاة المهندس الصيني «آي – إم – بي» الذي صمّـم الهرم الزجاجي ليكون الواجهة لمتحف اللوفر، تجدد اهتمام العالم المتحضر بالحضارة المصرية، وكان السؤال الأكثر ترددًا في الميديا العالمية هو: لماذا كان شكل الهرم هو الرمز أمام متحف اللوفر؟

موضوعات مقترحة

وكان السؤال الثاني: من هو مصمم الهرم الزجاجي؟ أما السؤال الثالث فكان: من الذي اقترح فكرة الهرم؟

مُـصمّـم الهرم الزجاجي.. هو الذي قام كذلك بترميم وتجديد متحف اللوفر.. وهو صيني الجنسية، مات عن 102 سنة (في منتصف مايو2019)، وهيكل هذا الهرم الزجاجي مصنوع من الصلب.. ليكون بمثابة المدخل لمتحف اللوفر، وبجواره ثلاثة أهرامات أصغر.

ونظرًا لما تحظى به الحضارة المصرية من احترام وتقدير الشعوب الأوروبية، جاءتْ فكرة الهرم الزجاجي، ليتوسط ساحة المتحف، وكان ذلك باقتراح من الرئيس الفرنسي وقتئذ (فرانسوا ميتران) عام 1984..

وتم الافتتاح في اليوم الأول من شهر إبريل 1989.. فهل جاء اقتراح الرئيس الفرنسي عشوائيًّا؟ أم لأنه درس تاريخ حضارة مصر، وأصبح ضمن ملايين الأوروبيين، المُـنبهرين بحضارة جدودنا؟

وقد اهتمت معظم الدول الأوروبية بالحضارة المصرية حتى شاع مصطلح (الولع بمصر القديمة)، وحتى اعترف المثَّال العالمي (هنري مور) بأنه تأثر في إبداعه بالفن المصري القديم، وقال: «أعطي عمري كله لمن يعطيني دفء النبض في النحت المصري»، ولدرجة أنْ يكتب العالم باري. ج. كيمت أنّ «الديانة المصرية كانت نظامًا مفتوحًا من الفكر برز فيه التداعي الحر للأفكار بصورة كبيرة».

زينب عبد الرزّاق

وقد اختار (روبير سوليه) لكتابه عن مصر عنوان (مصر: ولع فرنسي)، حيث يبرز الكتاب اهتمام أوروبا وعشقها للحضارة المصرية.. وقد حرص المؤلف على إزالة اللبس حول اسمه فأكد أنه مصري بالمولد.. وإذا كان كثيرون يعتقدون أنّ الولع الفرنسي والأوروبي، بمصر ظاهرة حديثة، فإنّ المؤلف يعود بالجذور إلى القرن الـ 16 الميلادي؛ حيث ظهرتْ في فرنسا تماثيل (أبوالهول) لتزين الحدائق، أما إيطاليا فشهدتْ أوسع انتشار لهذه الظاهرة.. وكان الفرنسيون الزائرون لإيطاليا يحرصون على مشاهدة التماثيل المصرية التي تــُزيّن الكابيتول (مقر السلطة) في روما.. وأنّ الهوس بمصر انتشر في إيطاليا قبل ذلك بـ 14 قرنـًا.

ووصل العشق بمصر لدرجة أنّ نجارًا فرنسيًّا عرض في عام 1810 قطعة موبيليا فاخرة تحمل نقوشـًّا مصرية.. وتبعه صناع الأثاث الفرنسيون.. وقام رئيس دير سان بيير برسم نسخة من معبد دندرة وعلِّـقها في الدير من أجل «بثْ حب الشأن العلمى لدى رهبان الدير»، ثم انتشرتْ قطع الأثاث الفرنسية (ترابيزات، كراسي.. إلخ) التي تحمل روحًا مصرية، بالإضافة إلى أنواع أخرى من المنتجات مستوحاة من الفن المصري القديم، مثل أواني المائدة وبندول الساعات.. إلخ.. وظهر لون جديد أطلقوا عليه (أرض مصر).

وفى مدينة مارسيليا قام شاب بحفر (أبوالهول) مجنحًا.. وعندما ذهب نابليون إلى بلجيكا عام 1803 كانوا يستقبلونه في كل مكان بديكورات مصرية.. وفى مدينة (آنفر) أقاموا هرميْن من الجرانيت الأحمر عليهما كتابة هيروغليفية.. وفى بروكسل كان سلم إدارة الشرطة يشتمل على تمثال لأبي الهول.. ومن بين 15 نافورة تقرّر إقامتها يوم 2/5/1806 أُقيمتْ 6 منها مستلهمة الفن المصري.. وعلـّـق المؤلف قائلًا: «ليس للإمبراطورية الفرنسية ماضٍ.. ويجب أنْ تجد لنفسها طرازًا فنيًّا.. وذلك باستخدام الفن المصري».

المهندس الصيني آي – إم – بي

وبعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 اشتعل الهوس بمصر.. وظهر نسق جديد من الملابس المصرية، وفى عام 1993 أقام الأمريكان فندقـًا وكازينو في لاس فيجاس عبارة عن هرم من 30 طابقـًا مزودًا بتمثال لأبى الهول.. ويؤكد المؤلف أنّ الفرنسيين ينغمسون في الهوس بمصر منذ طفولتهم.. وكذلك السينما في أوروبا؛ حيث تم إخراج 40 فيلمًا في 20 سنة مستوحاة من الحضارة المصرية.. وقام فرنسيان بإنشاء علم (موسيقى مصرية قديمة) واجتذبتْ الحضارة المصرية عشرات الروائيين الأوروبيين، فكتبوا روايات مستوحاة من مصر القديمة.. لدرجة أنْ أصبح (علم المصريات) علمًا شعبيًّـا نتيجة عشق الشعوب الأوروبية لمصر.. وليس علمًا بين العلماء المتخصصين فقط.

يؤرخ لعلم المصريات يوم 14 /9 /1822 عندما قال شامبليون «المسألة في حوزتي»، فقد كان حل رموز اللغة المصرية القديمة هو البداية الحقيقية لعلم المصريات، ويشاء قانون المصادفة أنْ يقع حجر رشيد في يد الضابط «بوشار» فلم يفكر في تحطيمه أو استخدامه في البناء (كما فعل غزاة سابقون) وإنما سلــّمه لعلماء الحملة، وإذا كانت هناك بعض المحاولات السابقة مثل دور العالم توماس يونج وغيره، إلاّ أنّ علم المصريات وُلد على يد شامبليون.. الذي كان وهو في سن الـ 13 يدرس اللغات العربية والكلدانية والسريانية، بعد أنْ درس اللاتينية والعبرية، ثم تفرّغ لدراسة اللغة القبطية.. وكان حجر رشيد يشتمل على نص واحد ولكن بثلاث لغات: اليونانية والديموطيقية والهيروغليفية..

ولاحظ شامبليون أنّ اسم بطليموس تكرر في اللغات الثلاث في النص الواحد.. وتوصل إلى نتيجة مؤداها أنه لكي تكون الهيروغليفية قادرة على التعبير عن الأسماء اليونانية، فمعنى ذلك أنها لابد وأنْ تــُـصدر أصواتـًا. وأنّ إجادته للغة القبطية، كانت المدخل للهيروغليفية، حيث إنّ البنية structure واحدة.. وإنّ اللغة القبطية امتداد للهيروغليفية.. ولا جدال أنّ هذه اللغة منحته مفتاح المنظومة الهيروغليفية»، وفي عام 1828 زار مصر وقال أمام معبد الكرنك «لسِّنا في أوروبا سوى أقزام، لا يوجد شعب قديم أو حديث يصوّر الفن المعماري مثلما فعل المصريون» وكتب المؤلف عن حفر قناة السويس.. وعن الحملة الفرنسية بلغة العلماء الموضوعية.. فأشار إلى أنه في عهد سعيد باشا تم إسناد وظيفة حديثة إلى أوجست مارييت هي مدير الآثار المصرية.. ومنذ هذه اللحظة تغيّرتْ وجهة مارييت تمامًا إذْ أصبح المدافع الذي لا يلين عن التراث المصري.. ويناضل ضد لصوص الآثار والباحثين لحسابهم الخاص..

متحف اللوفر

أما العالم ماسبيرو فقد وصل إلى مصر يوم 5 /1 /1881 ومن أعماله الكشف عن خمسة أهرامات في جنوب سقارة.. وواصل ماسبيرو حفريات مارييت في معبدي إدفو وأبيدوس.. وأزال الركام عن أبي الهول مستعينـًا بتبرعات دولية.. وقام بإعادة تنظيم متحف بولاق.. ونشر دراسات عديدة من بينها كتاب «القصص الشعبية في مصر القديمة»، ونشط في نقل الآثار إلى متحف القاهرة الجديد الذي افتتح عام 1902.. ومن أهم أعماله قيامه بتوجيه ضربة قوية لتجار الآثار، بعدما اقترح بأنْ يكون كل صرح وكل أثر قديم ملكــًا للدولة المصرية..

ونقل المؤلف عن الكاتب الفرنسي (بيير لوتي) خوفه من إهمال الآثار المصرية فكتب «متى يستدرك المصريون خطأهم.. ومتى يـُـدركون أنّ الجدود تركوا لهم تراثـًا لا يجوز التصرف فيه من الفن والمعمار ومن الأناقة الرفيعة.. وأنه بإهمالهم لمدينة كانت من أكثر مدن الأرض روعة فإنها سوف تنهار وتموت»..

لماذا هذا الخوف على الآثار المصرية؟ السبب - كما قال مؤلف الكتاب - أنّ الحضارة وُلدتْ في مصر.. وانتقلتْ إلى اليونان حتى وصلت إلى أوروبا التي ورثتْ خصائصها.. وقال الأديب (أندريه مالرو) وزير الثقافة الفرنسي: «إنّ ما بحثتْ عنه مصر في الموت هو تحديدًا القضاء على الموت، إنني باسم فرنسا أشكر مصر التي كانت أول من ابتكر الخلود».

وكتب برستد «مصر أول دولة متحضرة كبيرة، في وقت كانت فيه أوروبا ومعظم غربي آسيا لا تزال مسكونة بجماعات مشتتة من صيادي العصر الحجري».

وكتبتْ عالمة المصريات نوبلكور «تروي لنا بعض الآثار التي حفظتها المصادفة روايات عجيبة تـُبرهن على المواهب الرفيعة التي تمتـّع بها المصريون القدماء، ذلك الشعب الذي أبدع حضارة متقدمة، في ذات الوقت الذي كان جدودنا في أوروبا قابعين في ظلمات الكهوف».

لعلّ ما سبق يؤكد أنّ اقتراح الرئيس الفرنسي الأسبق (فرانسوا ميتران) فكرة الهرم الزجاجي، كواجهة لمتحف اللوفر، لم يكن اقتراحـًا عشوائيًّا أومن قبيل المصادفة، وإنما كان تأصيلًا وتأكيدًا لعشق الأوروبيين للحضارة المصرية.

الكابيتول

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة