Close ad

محمد الحديني.. يكتب: "الميمات" الأربع في أشباح بروكسل لمحمد بركة

27-4-2019 | 17:39
محمد الحديني يكتب الميمات الأربع في أشباح بروكسل لمحمد بركةمحمد الحديني

"يا ربي، كم "آخر" علينا اكتشافه في هذا العالم نحن الذين فشلنا في فهم أقرب "آخر" إلينا، نفسنا التي بين جنبينا؟".

موضوعات مقترحة

يبدو أن محمد بركة أوجز ولخص الكثير والكثير في هذا المقتطف من روايته الجديدة "أشباح بروكسل.. ربيع القتلة"، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأظن ألا جواب حتى تاريخه لهذا التساؤل القابع في نفس آدم الحائر التائه في متاهة الكون.

(المدينة، المرأة، المُناخ) ميمات ثلاثة تتلاقى مع ميم رابعة هي اسم بطل الرواية (مكاوي) ليظهر لنا مربع تكوِن هذه الميمات رؤوسه أو بالأحرى أضلاعه الأربعة التي تحتضن أحداث الرواية.

تدور الرواية في معظمها في العاصمة البلچيكية بروكسل التي يُبعث إليها بطل الرواية (مكاوي) ليعمل مراسلا صحافيا لجريدة قررت التخلص بأناقة من كاتب لديها أصبح مصدر " صداع " لا ينتهي، ومن ثم أضحت بروكسل منفى إجباري لم يبد مكاوي اعتراضا على الذهاب إليه.

ومع ذلك يقع المشهد الأول من النص في العاصمة روما في أحد المتنزهات التي يرتادها البطل بصحبة حبيبته كارلا، أراد الكاتب أن يجعل من روما دفقة الأكسجين وقبلة الحياة التي يلجأ إليها البطل كلما ضاقت نفسه بسماء بروكسل وبمناخها الكئيب وبإيقاع حياتها الرتيب المناقض تماما لحياة صاخبة مليئة باللون والطعم والرائحة كان يحياها في القاهرة.. ومن ثم كانت الحبيبة كارلا التي انتقلت للعيش معه في بروكسل بمرحها وجمالها وغيرتها وشبقها الحسي والعاطفي هي المدينة البشرية المفعمة باللون التي يلتجأ إليه البطل للتحايل على حياة رمادية مملة يحياها في بروكسل.

ومع كل موقف يتعرض له البطل، يحيلنا الكاتب بتقنية الاستدعاء والفلاش باك إلى موقف مشابه حدث له في إما في مسقط رأسه أو في القاهرة وكأنه (البطل) يرفض ويأبى أن ينتزع من جذوره على عكس أشخاص آخرين من جنسيات أخرى أتوا إلى بلچيكا في صورة مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين مثل هيثم العراقي وخديجة المغربية.

يسلط الكاتب الضوء على حياة اللاجئين والعرب في بروكسل وكيف يتحايل بعضهم على السلطات ومنظمات الإغاثة للحصول على الإعانات والمساعدات الشهرية.. كما يبرز لنا الكاتب كيف تطور الأمر مع بعض المهاجرين العرب وتحولوا إلى قتلة وإرهابيين وكأن الحضارة الغربية بكل صورها ونصاعتها لم تفلح في انتشال هؤلاء من براثن العنف والأصولية الدينية رغم الحضارة التي تبدو لنا مع تدفق أحداث الرواية مزيفة أو مخادعة.

" يقول الراوي: "عندما تخبئ امرأة قلبك الصغير الأخضر في حقيبة يدها وتمضى بعيداً، ماذا يمكنك أن تفعل وأنت وحيد تواجه حقيقة أنها لم تعد هنا؟ المرأة مدينة يتوه في شوارعها طواعية شريد أعمى، هكذا كانت علاقة مكاوي (آدم) الباحث عن الأمان في حضن حبيبته، مكاوي الذي كان يمارس فعل الحب مع من كانت زوجته في مصر ولم يستسيغه أو يتذوق طعمه ويرى لونه إلا مع كارلا.

في فصل " مفاجأة تضيء القلب " نستمع للراوي وهو يناجي نفسه، قائلا: "لماذا نخدع أنفسنا"؟

المشاعر الحارة هي بالنهاية عصفور ملول لا تأمن وجهته، اليوم يحط على شجرتك وغدا تبحث عنه، فلا تجد له أثرا بالغابة كلها. ساعتها لا يجب أن يشعر أحد الطرفين بالذنب أو يلوم الطرف الآخر، فالأمر ببساطة أن قانون الطبيعة أخذ مجراه، يقال إن الحب نبات تتعهده بالرعاية حتى لا يذبل و يموت، ويتجاهلون أن الموت الحقيقي قد بدأ بالفعل في اللحظة التي ندرك فيها أن فوهة البركان خبت وعليك أن تفعل شيئاً لتبعث الحرارة في الحمم التي استحالت صخوراً باردة على جانبيها".

ورغم تعرض علاقة مكاوي مع كارلا إلى بعض الفتور سببه نفسه المتقلبة الكارهة للروتين، كانت كارلا الحبيبة المخلصة التي تحفظ في حقيبة يدها علب البهارات اللازمة لإضفاء نكهات مختلفة على حياتهما.. حتى عندما تعرضت بروكسل لعمليات إرهابية دفعت السلطات إلى عمل مداهمات وضبط وإحضار لمشتبه بهم وكان هو أحدهم بعد أن وشت به سكرتيرته خديجة بالاشتراك مع مساعده منصور، ومثلما بدأت الرواية بكارلا، انتهت بها أيضا، حيث كانت كارلا هي رفيقته في رحلة الهروب من جحيم بروكسل المحتمل وأشباحها المُستترة خلف سحبها.

رواية (أشباح بروكسل.. ربيع القتلة) رواية متوسطة الطول نجح كاتبها جدا في توظيف تقنيات الإحالة والفلاش باك والاستدعاء والإيقاع اللاهث في التنقل بين الأزمنة والأمكنة والشخوص مما جعل أحداثها تحفل بالتدفق والإثارة وتبعد عن الإيقاع في فخ الترهل والملل اللذان يصيبان بعض الروايات الأكثر طولا.


رواية أشباح بروكسل لمحمد بركةرواية أشباح بروكسل لمحمد بركة
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة