شهدت فعاليات "مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي" في دورته الرابعة، التي اختتمت مؤخرًا بالشارقة، العرض المصري "الرجال لهم رءوس"، من تأليف محمود دياب وإخراج سماح السعيد، وبطولة علاء قوقة وإيناس المصري.
موضوعات مقترحة
وحول هذا العرض، الذي نال استحسان الحضور في الإمارات، توضح الناقدة المسرحية داليا همام أنه في إطار ديكور تقليدي لمنزل مصري بسيط تبدأ الأحداث في نوع من الرتابة التي تعكس عدم التواصل بين الزوجين، إلى جوار تلك الحوارات المتكررة التي تعكس شخصية الزوج، وهو شخصية تبدو بلا كلمة لا تملك قرارا، يسكنها التردد، تقابل الإهانة بالتبرير على الدوام، فهو شخصية غير قادرة على اتخاذ الفعل، مما يجعل الزوجة تتعامل معه بنوع من الإهانة والانشغال.
وتقول داليا همام لـ"بوابة الأهرام" مستعرضة قراءتها التحليلية للعرض: تظل الأحداث على هذا المنوال، وصولًا للحظة الذروة التي تؤدي إلى التحول الجذري في أحداث العر ض، وتتجسد تلك اللحظة في وصول الطرد "صندوق به جثة بلا رأس"، ويمكن إحالة ذلك المعنى إلى عدد كبير من التفسيرات، فيمكن أن نراها الجسد العربي بلا رأس في خضم الأحداث السياسية والثورات الشعبية، أو ما كان لحظة كتابة النص ذاته من أحداث سياسية، وهذه الجثة بلا رأس التي ألحق بها الرأس من خلال طرد آخر صغير، وجدت بلا مبرر مفهوم فى منزل الزوجين، ذلك الموقف به نوع من "التناص" مع مسرحية "أميديه أو كيف تتخلص منه" ليونسكو، حيث تلك الجثة التي تظل تتضخم مهددة الزوج والزوجة بأنها ستشغل حيز المنزل طاردة إياهم منه.
ويمكن هنا، في ظل مسرح العبث أن نرد جثة مسرحية يونسكو إلى كونها ترمز لفشل العلاقة بين الزوجين، بينما في "الرجال لهم رءوس" لمحمود دياب، نراها سبب ذلك التحول الجوهرى فى شخصية الزوج، الذى قرر لأول مرة فى حياته القيام بالفعل والمقاومة، فهو هنا قرر أن يواجه الجميع مؤكدا أن فعل الانسحاب والانزواء الذى كان ينتهجه لم يعد يشغل حيزًا من تفكيره، وهكذا سيدافع عن حقه فى الحياة وفى كل شيء كأنه رمز للشعب نفسه.
وعلى ذلك، تضيف داليا همام، لم يعد الخوف ملجأه كما كان، بل إنه قادر الآن على القيام بالفعل، وسيذهب لقسم الشرطة مُبلغًا عن الجثة بنفسه. وإذا كانت الجثة فى مسرحية يونسكو دلالة على فشل العلاقة الزوجية، وتضخم المشاكل الأسرية بين الزوجين، وبالتالى ستتسبب فى إزاحتهما من بيتهما، فإنها سبب جوهرى فى رجوع الزوجين لبعضهما البعض فى مسرحية محمود دياب، وهكذا تؤكد الزوجة فى النهاية أنه لم تعد ثمة جثث فى منزلها، فى إشارة إلى أنها كانت تعد الزوج نفسه مجرد جثة لايمكنها فعل شيء.
تميز الأداء التمثيلى بشكل ملحوظ جدا فى دور الزوج الذى قدمه علاء قوقة، فقد عبر عن اللحظات الدرامية المختلفة وفق ما يتطلبه الموقف بشكل واضح، مما ساهم فى إضفاء الجو العام على العرض المسرحى وجعل الجمهور فى حالة من التفاعل ملحوظة.
وقدمت إيناس المصري دور الزوجة بشكل كوميدى فى حالة من التوافق مع الزوج، ومن اللافت للنظر فى هذا العرض اتخاذه من "كوميديا الموقف" أسلوبًا مميزًا للتعبير عن ما يعتمل بداخل الشخصيات، مما جعل تلك النسخة من عرض "الرجال لهم رءوس" مميزة بشكل واضح، ذلك أن تقديم هذا العرض دائمًا ما ينتهج "التراجيديا" وسيلة للتعبير عن الأفكار فى النص، بينما شر البلية ما يضحك، فما إن تجسد الأداء الكوميدى من قبل الزوج علاء قوقة حتى أصبح التفاعل واضحًا بين المتلقى والعرض المسرحى، إلى جوار أن الكوميديا قادرة على إثارة الذهن بالتفكير، بخلاف التراجيديا التى تسعى فى الأغلب إلى حالة "التطهير"الأرسطية والتخلص من المشاعر السلبية المختلفة.
الناقدة داليا همام