عام 1856م تم تعيين الشاب محمد دياب من مدينة الإسكندرية في مصلحة السكة الحديد ليكون من أوائل المصريين الذين عملوا كسائق قطار في مصلحة سيطر عليها الأجانب في مصر.
موضوعات مقترحة
استمر محمد دياب يعمل في مهنته كسائق قطار يجوب المدن والقري التي امتدت عليها خطوط السكك الحديدية بتفان منقطع النظير منذ استلم عمله في مصلحة السكة الحديد، ومن محطة الإسكندرية حتى محطة باب الحديد، ذلك المكان الذي تم إطلاق باب الحديد عليه بسبب وجود باب حديد بالقرب من أولاد عنان أحد أبواب مدينة القاهرة الذي خرب واندثر ليعرف به حتى وقتنا الحالي.
كان دياب يقود قطار "وابور الإكسبريس" الذي كان يصل بين مدينتي الإسكندرية والقاهرة والذي تم وصفه في كتاب إرشاد الألبا في محاسن أوربا، "حيث إنه يصل القاهرة بالإسكندرية في مدة 4 ساعات ، فلما نشأت السكة الحديد هانت الأسفار وزالت الأخطار وتدانت الأوطان وصارت الدنيا كأنها دار".
"كان أول نشأة للسكك الحديد بمصر والسفر بآلات البخار كان في زمن عباس الأول"، كما يقول المؤرخون حيث "الإنجليز عرضوا على محمد علي باشا بعد إتمام سكة حديد ليفربول مد خط سكة حديد يمتد من القاهرة إلى السويس لتسهيل نقل البضائع بين الهند وإنجلترا، ولكن حالت دون ذلك موانع منها اعتراض فرنسا على مد خط السكة الحديد مما جعل القضبان التي تم جلبها باقية حتى تم استعمالها في خط سكة حديد بين طرة والنيل لنقل الأحجار والدبش".
"في عهد عباس باشا صدر الأمر العالي بالعمل في مد خطوط السكك الحديدية بمصر الذي طلب التوسع في خطوط السكك الحديدية ورفض المقترح الإنجليزي بأن تكون قاصرة على مد خطوط في الصحراء الشرقية تربط بين القاهرة والسويس، حيث قرر عباس الأول أن تمد خطوط السكك الحديدية في وسط البلاد أولًا من القاهرة إلى الإسكندرية، ثم من القاهرة إلى السويس؛ ".
استمر دياب يعمل في السكة الحديد لمدة عشرات السنين حتى جاءت أحداث الثورة العرابية عام 1882م حيث قام الإنجليز بضرب مدينته ومسقط رأسه الإسكندرية بالمدافع وعاشت الإسكندرية قبلها في مذبحة عنيفة بين الأهالي الوطنيين والأجانب، لتنقلب حياة محمد دياب رأساً علي عقب حيث كان مجبراً علي إخماد حرائق مدينته بعد أن دمرها الإنجليز ونقلتها عدسات المصورين الأجانب لترصد المأساة الحقيقية لأهل مصر وكان عليه أن يكون منساقاً لثورة أحمد عرابي الوطنية في الحرية والكرامة والعدل
الصحفي الروسي سكالوفسكي وهو شاهد عيان علي أحداث ثورة أحمد عرابي 1882م قال "إن 10 آلاف من عمال السكة الحديد المصريين كانوا يعانون من سوء الإدارة الفرنسية والإنجليزية التي تولت تسيير إدارة شئون المصلحة مثل المواطنين مؤكداً أن النظام المالي المريع ينهب السكان المصريين ،وأضاف الصحفي الروسي في الدراسة التي أعدها " الدكتور جينادي جورياتشكين في مجلة مصر الحديثة الصادرة من دار الكتب والوثائق القومية " أن عمال السكة الحديد قاموا بإجلاء السكان من الإسكندرية بالمجان ورفضوا التعاون مع الإنجليز بينما حدثت سلسلة تفجيرات حدثت في السكة الحديد عام 1882م سبتمبر 1882م وتدمير 108م من مقطورات محملة بالذخائر ومصرع العشرات وحاولوا بشتى الطرق منع توغل الإنجليز للأقاليم مما حدا بقوات الاحتلال الإنجليزي باستقدام قطارات من لندن.
محمد دياب بعد انكسار ثورة أحمد عرابي وحالة الفوضى العارمة التي عاشتها مصر بسبب قيام قوات الاحتلال الإنجليزي بتسريح قوات الجيش والشرطة فوجئ عام 1886م أنه بدون معاش حقيقي لخدمته التي قضاها لمدة 30 عاماً كسائق قطار وطني بحجج أنه رفض قيادة قطار، وحجة أنه قام بمساعدة مهجري الثورة في ركوب القطار مجاناً بعد أن قامت مصلحة السكة الحديد برفته من وظيفته ليقوم برفع قضية في القضاء دونتها صحف القرن التاسع عشر ومن بينها القسم القضائي بالحقوق .
حملت القضية التي رفعها محمد دياب سائق القطار الشجاع رقم 592 بينما كان محاميه نقولا أفندي عبيد الذي دافع عن محمد دياب وعن تفانيه في العمل وعن مثاليته وشجاعته ،مؤكداً أن محمد دياب رغم أنه يستحق معاش بمقدار الثلثين بسبب قيامه بالخدمة والعمل لمدة 30 سنة إلا إنه فوجئ أن المالية تقلص من مدة خدمته لأسباب غريبة.
كان دياب يقود قطارات مصر في وقت كانت تسير بالفحم، لذا حدد قانون "البوليس القديم" أنه متى حدث حريق بالمزروعات في الحقول المجاورة لخط السكك الحديدية، وكانت النار مسببة عن الشرار المتطاير من القطار (الوابور)، وجب علي عمدة البلد أن يبادر فورًا بتبليغ ناظر محطة السكك الحديد، الأقرب لمحل الواقعة، وعند حضور الناظر يجب علي العمدة أن يساعد ناظر المحطة علي عمل التحريات اللازمة للوصول إلي معرفة أصل النار، وأن يقدم له كافة المعلومات الممكنة لدرجها في محضر الشرطة.
وزارة المالية وممثلها قسطندي بك رد أمام القضاء أن هناك أسباب توجب حرمان محمد دياب من معاشه ورفته لانقطاعه عن العمل في فترة من الفترات ولرفضه قيادة قطار وقبوله أن يقود قطار يحمل 4 أشخاص من مهجري الثورة مجانا.
أجاب محمد دياب أنه انقطع عن العمل بسبب كسر في ذراعه أثناء تأديته لخدمته وكان يقبع في الإستبالية " المستشفي "بإذن من السكة الحديد أما المرة الثانية فقد رفض قيادة القطار لأن الوابور غير مستعد للسفر وخوفاً علي أرواح الركاب أما أنه حمل مهجري الثورة مجاناً فهو يعمل كسائق قطار وليس كمساري.
محامي محمد دياب، نقولا أفندي، طلب أن يرتب معاش بمبلغ 390 قرشاً شهرياً وهي قيمة ثلثي ماهيته باعتباره عمل لمدة 30 سنة منذ عام 1856م وان تدفع المالية مبلغ 23114 قرش متأخر عن المعاش وفائدة لهذا المبلغ الذي حرمته منه وزارة المالية مؤكداً أن محمد دياب لم يصدر ضده أي حكم من القضاء ويمتاز بحسن السير والسلوك.
كان علي محكمة مصر أن تتداول في شأن محمد دياب ذلك السائق العجوز الذي رفتته المصلحة من وظيفته وحرمته من معاشه المستحق ولأن وزارة المالية لم تقدم ما يثبت رفتها للموظف محمد دياب لاشتراكه في ثورة أحمد عرابي فقد كان علي المحكمة برئاسة أحمد بليغ أن تصدر حكما منصفا له وهو صرف معاش له وإلزام المالية بمصاريف القضية .
تاريخ باب الحديد وقصة سائق قطار أنقذ الركاب تاريخ باب الحديد وقصة سائق قطار أنقذ الركاب