Close ad

د.محمود الضبع يكتب.. قراءة لضمير المخاطب في السرد العربي لخيري دومة

19-7-2018 | 13:49
دمحمود الضبع يكتب قراءة لضمير المخاطب في السرد العربي لخيري دومةمحمود الضبع

الأستاذ في أبسط مفاهيمه هو باحث أصيل، والباحث هو من يمتلك الأسئلة دائما، ويسعى عبر دراساته لأن يلتقط خيط البداية غير المألوف عادة، فعندما سئل سقراط: ما الفلسفة؟، أجاب: أن تنظر إلى الأشياء بدهشة... أي أن تعيد النظر في كل ما يراه الناس ويعبرونه للبحث عن رؤية جديدة.

موضوعات مقترحة

هكذا كان مدخل الباحث الدكتور خيري دومة في إعداد هذا الكتاب، إذ يتوقف مندهشا أمام كتابات أبي حيان التوحيدي، وطه حسين، ويوسف إدريس، وغيرهم، ليلتفت إلى ظاهرة قلما ينتبه لها القارئ، وهي استخدام ضمير المخاطب "أنت" على غير عادة الكتابة السردية في التراث العربي والعالمي، والتي كانت تعتمد ضمير المتكلم "أنا" أو ضمير الغائب "هو".

ومن هذه الزاوية يستتبع خيري دومة البحث وراء ضمير المخاطب "أنت" في السرد العربي الحديث، غير أنه لا يمضي في طريقه دون الانتباه إلى مصطلح تابع وهو "الحديث" الذي كانت تستخدمه العربية حتى عهد قريب للدلالة على مفهوم "القصة" والقص والحكي والرواية والحكاية .. وقد استخدم طه حسين مصطلح "الحديث" وعدَّ نفسه محدِّثا، وهو ما توارثه عنه تلميذه يوسف إدريس وأطلق عليه "فن الحديث".

من هنا يستقصي الكتاب مصطلح الحديث في التراث العربي شعره ونثره ومعجمه وصولا إلى السرد المعاصر، الذي هيمن فيه ضمير الخطاب "أنت" بتنويعاته المختلفة.

ولأن الموضوع ممتد في الكتابة العربية وفي نماذج رفيعة قديما وحديثا، كانت تنويعات فصول الكتاب بين دراسة نصوص من الأدب العربي القديم، وأخرى من الأدب الحديث، نصوص شفاهية (ليس لها مؤلف محدد)، وأخرى مكتوبة، لكن يجمعها جميعا مخاطبة الذات ومساءلتها.

يناقش الكتاب قضايا عدة في التراث لها علاقة بواقعنا الحاضر، مثل قضية الشفاهية والتدوين، واستمرار الشفاهية مجاورة للكتابية حتى مطلع القرن العشرين، وأثر هذه الشفاهية على النثر العربي بكل أنواعه، استجابة لرغبة "المحدِّث" في التأثير على المتلقين بشكل مباشر عن طريق العناصر الإيقاعية (مفردات علم البديع: السجع والجناس والطباق والمقابلة) والحرص على صدق الحديث (واقعية الحدث).

ويقف الكتاب أمام "ألف ليلة وليلة" بوصفها نموذجا للحديث المتصل (الأحاديث)، الذي تهيمن فيه مفردة "حديث" بديلا عن الحكي والرواية والراوي ، وبخاصة بدءا من الليلة العشرين وحتى نهاية الليالي... وهكذا يمكن التقاط الصلة بين كلمة "حديث" وكلمة "رواية" التي شاعت عن الترجمة الإنجليزية.

ويدرس الفصل الثاني من الكتاب موضوع "المناجاة" بوصفه نوعا أدبيا لم يتم الالتفات إليه كثيرا، مطبقا على كتاب "الإشارات الإلهية" لأبي حيان التوحيدي، باعتبارها نوعا من القول الصامت أو السري يقع في موقع بين الدين والأدب، لأن المناجاة تتجاوز الدين الذي يناجي فيه العبد ربه، إلى مناجاة الرب ومناجاة النفس والغير والصاحب والخليل والحبيب .. إلخ.

" والمناجاة في إشارات التوحيدي إذن ليست مجرد دعاء يسير في اتجاه واحد من المتكلم إلى المخاطب بل هي أقرب إلى تجاذب عنيف لأطراف الكلام بين متكلم ومخاطب يتبادلان الأدوار دون الوصول إلى نقطة ساكنة أو حل نهائي" ص٣٨.

وتنتقل الدراسة من التراثي إلى الحديث مع التأمل في سرد يوسف إدريس،في الفصل المعنون بـ "فن الحديث" ، في محاولة لكشف خصوصية السرد الإدريسي، التي منحته الفرادة من خلال استخدامه تقنية (راو يتحدث إلى مجموعة من المستمعين في بساطة وتلقائية مستخدما لغتهم العادية بما فيها من تشبيهات وعبارات محفوظة، ناهيك عن فتنة المطالع وتعميم النمط).

ولا يكتمل الكتاب قبل أن يحلل "صعود الضمير المخاطب في السرد المعاصر" والتحولات التي طرأت عليه بفعل الحضور المتعدد للذات المبدعة وفي تجليات متعددة.

ثم يختتم الكتاب بدراسة ضمير أنت بوصفه ضمير النقمة والسخرية والاحتجاج كما تجسده الآداب والفنون من حولنا، وبخاصة منذ مطلع الألفية الثالثة وانفتاح باب التجريب على مصراعيه مع انفجار الصحافة والمواقع الإلكترونية وكل الممارسات الكتابية عبر التكنولوجيا المعاصرة، وكذلك في الفنون والآداب الطليعية التي ما يزال بعضها في طور الاكتمال لم يصدر عليه حكم الثبات أو البقاء أو الديمومة أو الاستمرار بعد.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: