Close ad

د.محمود الضبع يكتب.. قراءة في رواية "حسن الختام" لصفاء النجار

3-7-2018 | 00:49
دمحمود الضبع يكتب قراءة في رواية حسن الختام لصفاء النجار د.محمود الضبع ورواية "حسن الختام"

ما الذي يمكن للرواية أن تصنعه الآن بعد أن تجاوز الواقع حدود الخيال؟

موضوعات مقترحة

كانت الحكاية في الرواية هي الأساس الذي بنت عليه الرواية منجزها عبر سنوات، وكان التمايز بين رواية وأخرى يكمن في القدرة على حبك الحكاية والخيال الذي يستطيع نقل الواقعي إلى المتخيل، ماركيز في "سرد أحداث موت معلن" يلتقط حادثة حقيقية لينقلها إلى الخيال كما أشار إلى ذلك كتابه "عشت لأروي"، ونجيب محفوظ في كثير من أعماله يعتمد الواقعي وينقله إلى الخيال الروائي كما في اللص والكلاب، والثلاثية، وغيرها، وإن كان التطابق بين الشخصية الروائية والشخصية الواقعية متطابقًا تمامًا، وإنما تكون هناك دومًا عمليات من التخليق والتكوين بفعل الخيال.

ولكن، ماذا يمكن أن تفعل الرواية الآن بعد أن فاق الواقع حدود الخيال؟

أدرك السرد الروائي هذه الأزمة مبكرًا، فاتجهت الرواية إلى التكنيك الفني والتجريب في الأبنية والشخصيات والزمان والوعي والبناء المعماري، واعتمدت الرواية في ذلك تقنيات سنيمائية ومسرحية وموسيقية، ثم حاولت محاكاة التكنولوجيا في اعتماد تقنيات تعدد الروابط أو إثراء النص، أو حتى اعتماد التكنولوجيا وتقنياتها موضوعا للرواية... إلخ.

لماذا هذه المقدمة الطويلة؟

لأن رواية "حسن الختام" لصفاء النجار واحدة من الروايات التي تعي هذه الإشكالات، ومن ثم تقف على أبعادها وتحاول تقديم تجربة تمزج بين الموضوع والتكنيك.

تقف الحكاية في منطقة التقاطع بين المعقول واللامعقول، وتزيح جانبا القضايا والإشكالات التقليدية المتوقعة عن الحكاية.

تجربة "حبيبة" العلمية في استنساخ خلية ذاتية يتم حقنها في رحمها للإنجاب، تجربة علمية تعلن عنها إحدى المؤسسات في "أدنبره" بإسكتلندا عبر أحد مواقع الإنترنت، وتتقدم إليها حبيبة المصرية الفنانة الرسامة الراصدة لواقع المجتمع العربي، السلفي الفكر.

تجربة تثير العديد من التساؤلات التي تعالجها الرواية بمنطق علمي ووعي فكري.

سيتوجه توقع أفق التلقي في الغالب الأعم نحو البيئة الاجتماعية، وسيتأسس غالبا على حالة الرفض الأسري المرتبط بمنظومة القيم السائدة في المجتمعات العربية، نحو نسب المولود والأحكام الأخلاقية والشرف والعار وإهانة مكانة الأهل وما شابه مما يرتبط بقضايا الزواج في الوعي العربي، لكن الرواية تزيح ذلك كله جانبا وتنتقل لما هو أهم من قضايا جوهرية خفية ، مثل: مناقشة رؤية كل من الرجل والمرأة للآخر، فالرجل يرى المرأة – كما تطرح الرواية- وعاء يتركز دوره في الحمل والإنجاب، والمرأة تبحث عن محاولة للانعتاق والاكتفاء بذاتها. ما الذي سيتبقى للرجل (حين تكتفي المرأة بذاتها في الإنجاب) ليفرض من خلاله هيمنته عليها؟ وما الرابط الذي سيكون بينهما حينها؟ وكيف ستكون النظرة الدينية؟ 

ألن تنحصر الرؤية في إطار: "هذه مسألة أراد بها الغرب هدم الإسلام، وهدم الأسرة المسلمة" ص١٠٤، وأن: "الرجال يصورون الله وكأنه وكيل أعمالهم الذي لا هم لهم سوى إبعاد أي أذى أو تجربة عنهم" ص١٦٣، وأن: "الرجال العاديون سيقلقهم دورهم ومن سيورثونه" ص١٠٤، وأن النساء ستتغير، والشرع ذاته سيتغير، وتبقى عبر ذلك كله المشكلة الحقيقية المتمثلة في الوعي بالذات، في مفهوم الرجل الذي يستمد ذاته من الخارج، من ممتلكاته، لا من قيمته المجردة.

وإن كانت الرواية تنتصر لتجربة "حبيبة" ويتحول الحديث عن الاستنساخ (على مستوى الحكي الروائي) من جريمة إلى أمر واقع دون تحبيذ أو ذم، غير أن الواقع الفعلي للحياة سيحتاج لإعادة التفكير في عشرات القضايا الأخرى التي تفتح الرواية الباب أمامها، وأولها الوعي بما نفعل وما نفكر وما نتصوره عن الحياة وما يستقر في أذهاننا، وكما تقول الرواية:

"هل يحتاج المرء للذهاب بعيدا كيف يكتشف ما هو قريب؟ للتعرف على نفسه والنظر إلى ما بداخله؟ هل يحتاج إلى أرض جديدة بمعايير مختلفة كي يوازن على ضوئها معاييره؟ ص٣٧

أما عن التكنيك المستخدم في الرواية، فقد لجأت الكاتبة للعديد من تقنيات السرد الروائي المعاصر المنتمية جميعها إلى ما يصطلح عليه الرواية الجديدة، سواء على مستوى البناء المعماري بتقسيم الرواية إلى أشهر تسعة بدلا عن فكرة الفصول أو العناوين الفرعية، في إشارة إلى أشهر الحمل التسعة، وما يفتحه ذلك من أفق تأويلات قد تحتمل النظر إليها بمنطق علم النفس وما يصاحب المرأة من تغيرات نفسية، والعلاقة التي تنمو يوما بعد يوم بين الجنين وأمه، وتلك المشاعر التي يجهلها كل رجال العالم.

أو على مستوى طريقة الحكي التي تعتمد السرد المتقاطع بالانتقال زمانيا ليس في مسار واحد، وإنما القفز إلى الأمام أو العودة إلى الوراء تبعا لاستدعاء "حبيبة" للأحداث، مما يسمح بالتقاطع مع عالم الفنون والرسم واللوحات العالمية، وعالم الطب والتخدير والجراحة، والسياقات الاجتماعية لبنية الأسرة المصرية، واستدعاء ذاكرة الطفولة، والحكي عن نماذج من قهر النساء البسطاء وأحلامهن، وكذلك التقاطع مع كثير من عوالم المعرفة والتاريخ والأسطورة، استجابة لما يدور في عقل بطلة الرواية بوصفها شخصية مثقفة قارئة تمتلك وعيها الذي يعمل في اتجاهات متعددة في الآن نفسه.

ولعله من الواضح أن الرواية لم تكن فقط نتيجة حكاية يتم تقديمها بطريقة أو بأخرى، وإنما كانت وراءها مجهودات بحثية في علوم ومعارف مختلفة لا تنتمي إلى تخصص واحد، وإن كان الإبداع الجاد المتميز هو الذي يستطيع صياغتها على هذا النحو، وهي سمة قلما تتحقق إلا في الأعمال الإبداعية التي تتسم بالعالمية.


 رواية حسن الختام رواية حسن الختام
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة