ينتمي الشيخ أحمد عبدالله، المداح المعتزل بصعيد مصر، لمدرسة الفنان البارع "أحمد أبرين"، الذي عاش ضريراً مثله، فهو يستخدم حباله الصوتية العذبة في الإنشاد فقط.
موضوعات مقترحة
يؤكد أحمد عبدالله، أيقونة المديح المعتزل بالصعيد، في حديثه لــ"بوابة الأهرام": أنه لم يذهب لكتاب في قريته التي ولد بها، ولم يتعلم القراءة ولا الكتابة، ورغم ذلك هو أكثر مقدرة علي الإنشاد باللغة العربية الفصحي، والتي تعلمها من خلال "رواتب الصوفية" التي سلكها كابن طريق، في قريته القناوية بنجع حمادي بقنا، والتي كانت تقام أسبوعياً يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع.
الرجل الكفيف، الذي اختار أن يعتزل فن المديح بمحض إرادته، سلك الطريقة الأحمدية منذ صغره، وصار من أحد اتباعها، وأختار أن يكون من المنشدين الصوفيين المحرم عليه أن يتقاضي أجوراً بعينها في الحفلات، وما يأخذه من أموال ماهو إلا
"نفحة" يمنحها صاحب الحضرة.
كان الفنان الراحل أبرين، الذي ينتمي لمدرسته الشيخ أحمد عبدالله، يعي ما يقوله، خلاف الآخرين الذين كانوا يستخدمون حلاوة أصواتهم، فقط استطاع أن يكون أول منشد يجعل من فمه آلة الكمان، ومن أصابعه آلة التشيلو، ليكون جسدًا موسيقيًا وفمًا موسيقيًا، كي يدخل الجميع معه في حلقة الإنشاد، يقلد صوت اليمام حين يغني لنوح اليمام، ويستجمع وهو الضرير القوالب الموسيقية العربية كمقام الصبا والنهاوند، فيدخل الجميع في حالة الانتشاء والطرب.
تدرب أحمد عبدالله، علي إيقاعات الحضرة "الحسيني" والحضرة "الليثي"، فلكل حضرة طريقة في الإنشاد، وطريقة في المقامات الموسيقية، فالحضرة الحسيني تعرف بأنها الفوضي بلا نظام، وهي تأخذ عدة حركات أو طبقات كما يطلقون عليها، وهي الحركات، التي تكون بعد قراءة التلاوة، ولا بد أن تذكر الأوراد فيها، أسماء أقطاب مصر، من مرسي مطروح حتي أسوان، وتبدأ الحسيني غالباً بحركة الصعود والهبوط من الذين يدخلون غمارها، ثم حركة اللف بالصدر والجسم، وفي النهاية يقوم الذاكر بدب الأرض برجله، في حركة خفيفة، للإعلان عن انتهائها منسجماً مع المنشد.
في الحضرة" الليثي" تعتمد علي حركتين "ثني الجسم" ولف الجسم"، والحركة الثانية هي حركة العصا، حيث الأقدام تكون مثنية، وفي الليثي لاتوجد موسيقي لصعوبة "الليثي"، ولا يدخلها إلا المخضرمون، ولفظ الجلالة يكون خارجا من الأعماق كهديل الحمام، وهناك الحضرة التي تكون فيها أكتاف من يدخلون غمار الحضرة، أمام المنشد مباشرة، ويكون بها تصفيق.
يتذكر المنشد عبدالله "83 سنة"، كافة المتصوفة الذين يدخلون غمار الحضرة الليثي، والذين عاصرهم في بداية دخوله فن الإنشاد، مثل أحمد حسن يوسف، الذي كان يدخل غمار الحضرة ويقوم بضبط حركاتها، فالحضرة الليثي التي صارت نادرة في عصرنا الحالي، تملك الكثير من الإيقاعات التي تجبر من يدخل غمارها أن ينسجم مع حركاتها بدون فوضي، مضيفاً أن المنشد عليه أن يمتاز بذاكرة قوية، كي يحفظ المئات من عشاق الحضرة، ولكي لا ينسى كل من دخلوا غمار الحضرة، فعليه أن يتذكر مجهوداتهم.
تعلم عبدالله المقامات الموسيقية، مثل مقام الرصد والنهاوند شفاهة، وربما هذا السبب الذي جعله يمثل المقامات الموسيقية بحركات من جسده حينًا، مثل فمه وأحباله الصوتية، أو بإستخدام آلات مثل الدف، وربما هذا ما جعله يصمم علي الاحتفاظ بمدرسته الفريدة في فن الإنشاد الصوفي القديم، المختلف اختلافا جوهرياً عن فن الإنشاد والمديح في عصرنا الحالي.
وللحديث بقية مع أيقونة المديح المعتزل بالصعيد.