في صباح أحد أيام الصيف، وهو خارج لعمله كالمعتاد، كل صباح، فإذ به يجد باقة من الورد على عتبة المنزل .. التقطها بيده، فوجد بطاقة مثبتة بها بدون اسم، ومدونًا عليها كلمة واحدة (أعشقك) .. تبسم وهو يضعها بالداخل، و يغلق الباب، و ينصرف بدون اهتمام ، فقد كان يعلم جيدًا مدى جاذبيته ووسامته، التي تجعل له الكثير من المعجبات، و يفخر بذلك.
موضوعات مقترحة
استقل سيارته، وتوجه لعمله، وانخرط في تصميماته، فهو يعمل في مجال الديكورات، حتى انقضى اليوم، وهو في طريق العودة لبيته .. تذكر فجأة باقة الورد كلمحة عابرة دون اهتمام خاص ..
تكرر وضع باقة الورد على عتبة المنزل في اليوم التالي، ولأيام كثيرة تالية له، حتى إن الموضوع بأكمله صار يشغل حيِّزًا بتفكيره ..عجز عن التغاضي عنه، أو إهماله .. بدأ يلتفت إلى أنه من نوع واحد، هو جلاديولس أبيض، وهو فعليًّا يعشق هذا النوع بلونه الأبيض طوال حياته .. ولكن من يرسله ؟! ومن يعرف تلك المعلومة عنه ؟! وإن كانت إحدى معجباته ..فلماذا لا تكتب اسمها ؟!
تساؤلات عديدة باتت تزاحمه كل ليلة على وسادة نومه .. تؤرقه وتشغله .. حتى يتسلل النوم لعينيه فيغمضها، ويستسلم للنوم، وعندما فاضت أفكاره عن الحد، بدأ الحديث عن الموضوع مع أصدقائه المقربين .. يبحث معهم عن إجابات ..
وكان أول اقتراح أن يصحو باكرًا، و ينتظر حتى يرى من تضع الورد، وهو اقتراح بديهي جدًا، رغم أنه لم يفكر به من قبل، وهذا في حد ذاته أمر غريب ..
غريبة جدا النفس البشرية عندما تستغرق بشيء، فتنظر لأبعد نقطة، و تنسى أول نقطة أمام عينيها .. الفكرة مع الترقب سرق النوم من عينيه، وطار به، ينتظر من فوق سحابة أثيرية بيضاء، حتى لاح الفجر .. وبدأ الضوء يفرض سطوته على الكون كله، وهو ينتظر حتى رآها من خلف زجاج النافذة .. تتهادى، وبيدها باقة الورد ..
فتاة بمقتبل العمر ترتدي فستانًا باللون الأسود المزخرف بورد أحمر، و تمشي بتؤدة، فرضها حذاؤها ذو الكعب العالي .. جمال ملامحها يغلفها بهالة، وكأنها خرجت من إحدى الأساطير، و خصلات شعرها تتطاير مع الهواء، وكأنها تصاحبه ..
همت أن تضعها على عتبة المنزل، فبادرها، وهو يفتح الباب فجأة، قائلا : أنتِ صاحبة الورد إذن .. فمن تكونين؟
رفعت يدها بالباقة، لتضعها بيده، بدلًا من عتبة المنزل، ونظرت له نظرة ثاقبة، بها شيء من اللوم والعتاب، رغم احتفاظها بابتسامة تغزو وجهها بالضياء، ثم قالت له : "توقعت أن تعرف، و أن تقرأ رسالة الورد وتتذكرني !! فمنذ سنوات بعيدة .. كنا طفلين، لا نلعب إلا معًا، وكنا بالمدرسة معًا، لا نفترق، وعندما تفوقت، و حصلت على المركز الأول، أهديت إليك وردة بيضاء من الجلاديولس، وقلت لي يومها إنك تعشق هذا النوع بلونه الأبيض " ..
وقف مشدوهًا، و قد تذكرها جيدًا، فقد كانت ابنة جيرانه، وكانت العائلتان على صلة وثيقة ببعضيهما، حتى قررت عائلتها الهجرة للولايات المتحدة الأميريكية، و انقطعت أخبارهم ..
قال لها : "دعيني آخذك في جولة، و تسردين لي القصة كاملة، فكنت أنتظر إجابة واحدة، فإذا بي أجد نفسي أمام دوامة من التساؤلات التي تبحث عن إجابات !" ..
بدأت تحكي له عن حياتها هناك، وكيف أكملت دراستها، و بدأت حياتها العملية بنجاح باهر، حتى جاء وقت الارتباط، فلم تجد أحدًا غيره ليحل مكانه بقلبها، وروحها، فقررت المجئ، لتعرض عليه حبها، من أجل أن يتزوجا، و يكملا حياتهما هناك معا ..
تلعثمت الكلمات على شفاهه، وهو يرى طفلة الأمس، البريئة الخجول، وقد صارت اليوم شابة جريئة .. أتت من أقاصي البلاد لتطلب يده للزواج ..
تركها، و الأفكار تتزاحم، حتى أثقلت رأسه.. ظل طيلة ليلته يفكر .. كيف أربكه منطقها ؟! فهو يعرفها جيدًا لسنوات، والفكرة جيدة، و ينتظره مستقبل واعد معها هناك .. ولكن ..
أطبق جفونه، حتى نام، و أيقظته أشعة الشمس المتسللة من النافذة، تخط طريقها داخل غرفته، فاستيقظ صافي الذهن، متخذًا قراره ..
التقيا على الغداء ظهرًا، و بدأ يتكلم معها بثبات، وكل كلمة ينطقها تمثل يقينًا بداخله، نشأ، و تربى عليه ..
قال لها : "أنا رجل شرقي، لا أقبل سوى أدوار البطولة بقصص الحياة .. أفكارك الغربية التي غلفت شخصيتك لا أستطيع التعايش معها .. أحترم عمليتك جدا .. لذا كان يجب أن أتعامل معك بالصراحة المطلقة ..
قولي إنها رجعية ذكورية، ولكنها المعطيات التي شكلت وجداني، و ليس من السهل أن تمحيها بجرة قلم، بل أستطيع أن أجزم بأنها تصل للاستحالة، مهما كانت المغريات .. آسف أرفض طلبك .. ليس لعيب بك، ولكنها شرقيتي" !!!