اكتشف الأثري حسن عبدالوهاب عدة اكتشافات مهمة عام 1935م، قدمها في مجلة الهندسة، وقت قيام لجنة حفظ الآثار العربية بعمل ترميمات لمسجد ومدرسة أبو بكر مزهر في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث اكتشف من هو صانع منبر أبوبكر مزهر ومن هو النقاش وصانع الرخام الذي اشترك في بناء المسجد والمدرسة.
موضوعات مقترحة
ويتواجد مسجد ومدرسة أبوبكر مزهر في نهاية شارع النحاسين وأول شارع أمير الجيوش حيث توجد بوابة متصلة بمسجد السلحدار وهي مدخل حارة برجوان وهي حارة ذات تعاريج تري بها الواجهة الشرقية للمدرسة وبها الباب العمومي تعلوه المنارة الرشيقة ذات الثلاث دورات .
وحارة برجوان بالقاهرة منسوبة لأبوالفتوح برجوان الذي كان خادما للعزيز بالله الخليفة الفاطمي ومن مديري دولته وكان له نفوذ كبير قتل في عام 390 في القصر بالقاهرة بأمر الحاكم بسبب تقصيره في خدمته وتشاغله بملذاته وقد ترك ثروة كبيرة مابين مال وعقار وأمتعة .
وقدمت الدراسة النادرة التي تنشرها "بوابة الأهرام" الكثير من المعلومات المهمة عن المسجد والمدرسة التي تشغل الرأي العام وكافة الأثريين بسبب نقل منبر أبوبكر مزهر وتفكيكه ووضعه في مخازن الآثار لحمايته من السرقة بناء علي تأكيدات الآثار .
واستهلت الدراسة النادرة الإشادة العظيمة التي أشادها الأثري الأجنبي هرتس باشا الذي وصف مهندس المدرسة والمسجد بالعظيم والمدهش، حيث قال هرتس باشا " إن هذا الأثر كان إعداده غريبا وأن المهندس الذي عمله كان من الماهرين لأن الأرض التي وضعت تحت يده كانت غير مطابقة لمقتضيات العادة بالنسبة لمحورها وجعلها موجهة توجيها حسنا إلي الاتجاهات الأربعة مع أن وضع الأرض كان غير مطابق ".
من يزر المدرسة يشعر بالمجهود الذي بذله المهندس حيث يري سمك جدران الأيوان الشرقي بعضها سميك جدا بينما هو في نقطة آخري رفيع مع تفاوت كبير بينهما والمدرسة مرتفعة علي مستوي الشارع يرقي إليها بخمس درجات تنتهي لطرقة مربعة بها باب يوصل لطرقة تؤدي إلي باب آخر علي الصحن المغطي بشخشيخة لطيفة مثمنة بخلاف دورة المياه التي تتواجد في في الجهة الغربية وهي منخفضة عن أرض المسجد بمقدار أربعة أمتار وهي ميزة لا توجد في كثير من المساجد.
أما تصميمها من الداخل فقد أقيمت أبنية الأيوان الشرقي علي عمودين يحملان ثلاثة عقود ولعل المهندس اقتبس هذه الفكرة من مدرسة قلاوون وتوضح الدراسة الأثرية النادرة أن الباب الشرقي من المدرسة من الأبواب الفخمة وبه نماذج جميلة من الحفر في الحجر والرخام وهو مرتفع مع تناسب في أجزائه ومركب عليه مصراعين من الخشب المكسي بالنحاس المنفرد بتقاسيمه الهندسية البديعة يعلو ذلك منارة من الحجر ذات ثلاث دورات حافلة بالنقوش وتلك التفاصيل هي أهم ما اشتملت عليه من الواجهة الشرقية وهي علي جانب عظيم من الدقة والرشاقة.
أما المحراب فهو من الرخام الدقيق يعلو ذلك شبابيك دقيقة من الجبس والرخام الملون ويضيف الأثري حسن عبدالوهاب لقد "هدانا حسن الحظ إلي العثور علي اسم صانع الرخام أو نقاش المسجد الذي تولي عمل النقوش به من الحجر والرخام والأسقف حيث جازف وكتب لنا اسمه بشكل زخرفي في الشباك الشرقي البحري علي يسار المحراب بما نصه عمل عبدالقادر النقاش وقد قرأها علي مبارك صاحب الخطط التوفيقية باسم عبدالعال وهو خطأ وهي تحفة لطيفة أن نعثر علي اسم صانع ممتاز مثل هذا خصوصا وأن أسماء الصناع علي الآثار قليلة.
ومما هو جدير أن ذلك النقاش هو الذي قام بالعمل بمسجد قجماس الإسحاقي سنة 1480م ودون اسمه هناك، وجميع الأرضية مفروشة بالرخام الخردة وقد تفنن فيه الصانع حيث صنع الإيوان الشرقي يخالف الإيوان الغربي والصحن أما صناعة الإيوانيين البحري والقبلي واحد .
ومما يلفت النظر في مدرسة ومسجد أبوبكر مزهر هي صناعة النجارة فإنها بلغت مبلغاً عظيماً من الدقة والإتقان وهي منحصرة في المنبر الأبواب الدواليب المزيرة جميعها شغل جمعية بحشوات من السن بعضها مدقوق والبعض سادة وبعضها حشوات من الأبنوس والزردشان وعليها المنشئ وهو يمثل محبرة إشارة إلي وظيفته ناظر ديوان الإنشاء .
ويجاور هذا الباب سبيل يعلوه كتاب وأرضية هذا السبيل مفروشة بالرخام الخردة الملون وله سقف برطوم مدهون بالألوان والذهب ومكتوب عليه مانصه " أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك العبد الفقير المقر الأشرف العالي القاضوي الأصيلي العريفي الفاضلي العالمي العاملي المخدومي الكبيري أبوبكر مزهر الأنصاري الشافعي ناظر ديوان الإنشاء الشريف المالكي الأشرفي غفر الله له بتاريخ جمادي عام أربع وثمانين وثمان مائة حيث يكون تاريخ الإنشاء موافق أعوام 1497م 1480ميلادية .
وأبوبكر مزهر مؤسس المدرسة والمسجد هو أبوبكر بن محمد بن محمد الأنصاري المعروف بابن مزهر ولد في رجب سنة 831 هجرية وتوفي والده وهو صغير وتلقي دروسه علي أفاضل العلماء ومن أساتذته العلامة البلقيني وهو الذي أذن له بالتدريس والإفتاء ومن مؤلفاته أنه أخرج 40 حديثاً من أربعين شيخاً ممن ينسب إلي أربعين بلداً عن أربعين صحابياً في أربعين باباً من أربعين تصنيفاً وهذا يدل علي كثرة اطلاعه وتضلعه في علوم الحديث والتاريخ.
تولى مزهر وظائف مهمة منها نظر الاصطبل ثم أضيف إليه الجوالي المصرية والشامية ثم خانقاه سعيد السعداء ووكالة بيت المال ثم نظر الجيش ولي كتابة السر واستمر بها حتي مات وهو ناظر لديوان الإنشاء للسلطان الأشرف قايتباي .
ومن منشأته الآخري مدرسة بيت المقدس وهي كانت باقية إلي الآن في عام 1935م ومستعملة كمسكن وسبيلين في مكة ورباطاً ومدرسة بالمدينة المنورة وله تربة كبيرة بمصر غير أن مقبرته التي أنشأها اندثرت وقد جاء في الخطط التوفيقية أثناء الكلام علي مسجد قايتباي بالصحراء أنه بجواره تربة المقر الزيني ابن مزهر وهو ناظر ديوان الإنشاء وكان مثالا للأخلاق الفاضلة محمود السيرة في جميع الوظائف وقد توفي يوم الخميس سادس أيام رمضان سنة 893هجرية ودفن ليلة الجمعة في تربته التي أنشأها.
وعن صانع المنبر المدهش في المسجد يسرد الأثري حسن عبدالوهاب اكتشافه المهم قائلاً " أتحفنا السخاوي بترجمة أحد النجارين يدعي أحمد الدمياطي القاهري ووصفه بأنه ممن تميز في صناعته وقام بأشغال هامة ورأي حظاً وافراً في أيام الجمالي ناظر الخواص وهو الذي عمل المنبر المكي ثم منبر المزهرية وجامع الغمري وتوفي في عام 1491م .
وبالرجوع إلي تاريخ الانتهاء من صناعة المنبر 1480م 1485م نستطيع أن نؤكد أن هذا النجار هو الذي قام ببناء منبر المسجد وبذلك نضيف إلي سجل أسماء الصناع في الآثار العربية اسمين جديدين عبدالقادر النقاش وأحمد الدمياطي القاهري النجار .
. . . .