تثير رواية "نجمة الصباح" للروائي الإنجليزي هنري رايد هاجارد، ترجمة مختار السويفي، العديد من التساؤلات حول انتساب العمل الأدبي عمومًا. ومن هذه التساؤلات: هل العمل الأدبي يُنسب إلى اللغة التي يكتب بها؟ أم يُنسب إلى الأحداث والشخصيات التي يدور حولها؟
موضوعات مقترحة
أمامنا الآن عمل روائي مكتوب باللغة الإنجليزية، ومؤلفه إنجليزي المولد والممات (نورفولك بإنجلترا 22 يونية 1856 ــ لندن 14 مايو 1925) وله العديد من الروايات الشهيرة، ولكن الرواية التي نحن بصددها تدور أحداثها كلها في مصر الفرعونية، وجميع شخصياتها من هذا العصر الفرعوني، فهل نعتبرها بذلك رواية إنجليزية، أم رواية مصرية فرعونية؟ وهل بذلك تعتبر من الأدب الإنجليزي أم من الأدب المصري الفرعوني؟
لقد قرأتُ من قبل رواية بعنوان "إنسان" ــ صدرت عن روايات الهلال العدد 500 ــ للكاتبة الإيطالية أوريانا فالاتشي، وكانت معظم أحداثها تدور في اليونان، كما أن بطلها الرئيس يوناني، ولكن اعتبر النقاد أن هذه الرواية إيطالية، لأنها كتبت بالإيطالية، ولأن مؤلفتها أيضًا إيطالية، بغض النظر عن مكان الأحداث. إذن فالعبرة ــ عند النقاد ــ بلغة العمل الأدبي، وأيضًا جنسية مؤلفه حتى ينسب هذا العمل إلى بلد ما أو أدب ما .
ولكن إذا أخذنا في الاعتبار الآن أن بعض الأدباء العرب ــ وبخاصة في المغرب العربي ــ يكتبون أعمالهم بلغة أجنبية مثل الفرنسية، فهل لنا أن نتساءل عن نسبة عملهم الأدبي، هل يحسب على الأدب الفرنسي، لأنه مكتوب باللغة الفرنسية؟ أم يحسب على الأدب العربي لأن مؤلفه عربي المولد والنشأة؟
ويبدو أن مسألة اللغة المكتوب بها العمل الأدبي سوف تكون مسألة ثانوية أمام جنسية الأديب صاحب العمل، ويدلنا على هذا الأدب الأمريكي، فكما نعرف فإن الأدب الأمريكي يكتب باللغة الإنجليزية ــ حيث لا توجد لغة تسمى اللغة الأمريكية ــ ولكنه رغم ذلك يسمى أدبًا أمريكيًّا لأن جنسية صاحبه أمريكية .
هذه إحدى القضايا التي يثيرها هذا العمل الروائي الذي نتحدث عنه وهو "نجمة الصباح"، والرواية نفسها تثير سؤالًا آخر يتعلق بمدى قدرة الروائي أو الأديب على التعبير عن العالم الذي يتحدث عنه ــ أو يغرق فيه ــ بأماكنه وأحداثه وشخصياته والتركيبة النفسية أو الاجتماعية أو السياسية لتلك الشخصيات، فضلا عن العادات والتقاليد التي تتمتع بها المناطق التي يتحدث عنها الروائي في عمله... إلخ .
فما قدرة الأديب في هذا الشأن عندما يتحدث أو يصور مجتمعًا غير مجتمعه وزمنًا غير زمنه ولغة غير لغته؟ إن رواية "نجمة الصباح" لهنري رايدر هاجارد كتبها مؤلفها الإنجليزي عن أحداث وأزمان وشخصيات فرعونية تعود إلى ما قبل الميلاد بقرون عديدة، فهل اطلع هاجارد على الأدب الفرعوني أو على الأساطير الفرعونية، وعلى العالم الروحي وتعدد العبادات وطرائقها المختلفة في مصر الفرعونية، وهل عرف السر الروحي الذي يستمده فرعون مصر سواء من الشمس أو النيل أو الأهرامات إلى آخر هذه الرموز والأسرار الفرعونية؟
والإجابة لا بد أن تكون بالإيجاب، وكما تقول مقدمة الأستاذ مختار السويفي ص 5 "سيلمس قاريء الرواية على الفور أن مؤلفها كان على دراية واسعة بمعالم الحضارة المصرية القديمة، وبطرق الحياة اليومية التي كان يعيشها المصريون القدماء، بل وعلى علم أيضًا بالديانات والعقائد التي كان يعتنقها قدماء المصريين وفلسفتهم في دراسة النفس الإنسانية ومقوماتها، والتي اعتقدوا فيها أن لكل إنسان "قرين" روحي يماثله تماما في كل شيء ويسمى الـكا".
وليس معنى ذلك أن المؤلف استطاع أن يضع يده على أشياء أو حوادث تاريخية وقعت بالفعل، وأن يحول هذه الحوادث أو الوقائع إلى عمل روائي، وإنما أعتقدُ أن هذه الرواية ما هي إلا مجرد إبداع خيالي بحت لروائي قدير رأى أن يتخذ من الركن الشمالي الشرقي لقارة أفريقيا مسرحًا لروايته "نجمة الصباح" التي تدور أحداثها وسط حياة حافلة بكل ألوان السحر والمغامرات المثيرة والمؤامرات التي كان يدبرها بعض حكام الأقاليم وأعضاء البلاط الفرعوني في سبيل الاستيلاء على عرش مصر ولو بمخالفة القوانين والقواعد التقليدية التي كانت تحكم نظاما توارث الحكم في مصر القديمة.