Close ad

د.عايدى علي جمعة يكتب: رحلة البطل فى ملحمة الإلياذة

11-3-2018 | 12:14
دعايدى علي جمعة يكتب رحلة البطل فى ملحمة الإلياذة د.عايدى علي جمعة

يظهر أخيل، بطل الإلياذة، باعتباره أقوى المحاربين على الإطلاق في حرب طروادة. هذه الحرب التي قامت بين اليونانيين والطرواديين من أجل هيلين زوجة منيلاوس التى خطفها باريس بن بريام ملك طروادة، مما استدعى تجمع اليونانيين تحت قيادة أجا ممنون الأخ الأكبر لمنيلاوس.

موضوعات مقترحة

فتحرك الأسطول اليونانى عبر الأمواج المتلاطمة متوجهًا إلى طروادة ذات الأسوار المنيعة التي استعصت على كل المهاجمين من قبل. واستمر حصار طروادة عشرة أعوام كاملة. وقد رصدت ملحمة الإلياذة لصاحبها هوميروس العام الأخير لهذه الحرب.

في البداية، تظهر كفة اليونانيين على أعدائهم بفضل وجود أخيل السريع القدمين على حد وصف الإلياذة له.

ويبدو جسده محصنًا ضد أي سلاح بسبب أمه التي تنتمى إلى الآلهة، والتي تعرف ميراث أخيل البشرى فتخشى عليه الموت فتغطسه في نهر ستيكس المقدس، ولكنها تمسكه من كعبه فيصبح جسمه مستعصيًا على أى سلاح، ما عدا كعبه.

ومن هنا، فإن أخيل نصفه إله ونصفه بشر؛ لأن أباه من البشر وأمه من الآلهة. يموت أخيل وهو فى ريعان شبابه ميتة غير طبيعية حيث أصابه سهم باريس بتوجيه من أبولو في كعبه فيخر البطل صريعًا غريبًا عن موطنه. ولم تذكر الإلياذة ذلك؛ لأنها انتهت عند جنازة هيكتور الذي قتله آخيل.

كما يتميز أخيل بالغضب الحاد، فقد ترك المعارك مع الطرواديين غاضبًا بسبب أخذ أجا ممنون لسبيته برسيس، وذاق الجيش اليوناني الأمرين من سيف هكتور عندما اعتزل أخيل الحرب.

كما ظهر غضبه الحاد بصورة مرعبة حينما قتل هكتور صديقه باتروكلوس، وعاد بغضبه الهائج إلى المعارك الطاحنة وقتل هكتور بطل الطرواديين بلا منازع.

وظهر غضبه شديد الحدة عندما ربط جثة هكتور بعد أن صرعه بعربته الحربية، وظل يدور بها حول أسوار طروادة بلا رحمة اثني عشر يومًا، أمام زوجته وأبيه وأهل طروادة وجيشها. ومن هنا، فإن سمة الوحشية لا تبدو بعيدة عن هذا البطل الشهير.

كما يبدو من سماته شدة الميل إلى النساء، فقد ظهر ميله الشديد إلى أسيرته الطروادية برسيس.

المعين لأخيل

أخيل يقاتل على رأس جيش اليونانيين، ومن هنا فإن الجيش اليوناني كله يعد في دور المعين لهذا البطل. ومن سمات هذا المعين الكثرة والشجاعة والهجوم على الخصوم. ومنهم أسماء لامعة مثل أوديسيوس، ومعظمهم لم تذكر لهم الملحمة اسمًا.
ولكن يتحدد المعين النافع في أم أخيل نفسه التي تأتيه بسلاح فاتك ودرع فائق من السماء نفسها لا يوجد مثل هذا السلاح ومثل هذا الدرع لدى أحد من الشجعان، ويكون درع أخيل وسيفه علامة مميزة له يعرفه الجميع ويكون هذا السلاح خير معين له في حربه.

المضاد للبطل

يتحدد المضاد للبطل في هذه الملحمة من خلال ثلاث دوائر. الدائرة الأولى هي قومه الإغريق أنفسهم، حيث ظهر منهم أجاممنون نفسه قائد الجيش اليونانى الذي أغضب أخيل غضبًا جعله يعتزل الحرب الدائرة.

فقد أخذ سبيته التي أسرها من معبد أبولو، وكان اعتزال أخيل الحرب سببًا جوهريًا في رجحان كفة الطرواديين على اليونانيين. الدائرة الثانية تتحدد من خلال جيش الطرواديين نفسه، وهم كثرة كاثرة يدافعون عن أرضهم، ولكن أخيل يفعل بهم الأفاعيل فى حربه ضدهم. ولكن يظهر منهم أقوى بطل طروادى على الإطلاق وهو هكتور مروض الخيول على حد تعبير الإلياذة نفسها.

ولكن أخيل البطل اليونانى يذيقه الموت الزؤم. وتحسن المقارنة بين هذين البطلين الفائقين. فمن ناحية القوة، يعد أخيل أقوى المحاربين على الإطلاق، ولكن هكتور يكاد يقترب في قوته الفائقة من درجة أخيل نفسه. ومن ناحية الأصل، فإن أخيل نصف إله، أما هكتور فهو إنسان؛ لأن أباه بشر وأمه من البشر أيضًا. ومن ناحية المستوى الاجتماعى، فإن أخيل بن بيلوس ملك المرميديين وأمه من حوريات البحر. أما هكتور فأبوه هو الملك بريام ملك طروادة ذات الشهرة العريضة في مناعة أسوارها.

ومن ناحية المرحلة العمرية فقد كان الاثنان في شرخ الشباب. ومن ناحية المهارة القتالية فقد كان أخيل ماهرًا مهارة لا تضارع، في حين كان هكتور ماهرًا أيضًا مهارة لا تضارع. ومن ناحية مهارات القيادة، فقد كان أخيل قائدًا شديد المهارة يطيعه الجنود ويأتمرون بأمره، وكان هكتور شديد المهارة في القيادة يطيعه الجنود ويأتمرون بأمره.

ولكن أخيل لم يكن هو القائد العام لجيش اليونان، حيث كان أجا ممنون هو القائد العام لجيش اليونان، وظهر بسبب ذلك خلاف شديد بينهما كاد يتسبب في هزيمة اليونانيين هزيمة ساحقة على يد هكتور مروض الخيول. ولم تكن هناك صلة قرابة بين أخيل من ناحية وأجا ممنون من ناحية أخرى، وكانت العلاقة بينهما تتسم بالسوء والقلق.

في حين كان القائد العام لجيش الطرواديين هو الملك بريام العجوز والد هكتور، وكانت هذه العلاقة على ما يرام، ولم يحدث خلاف بينهما، حيث كان الوالد مفوضًا قيادة الجيش الطروادي إلى ابنه البطل الخارق هكتور. حيث كانت العلاقة بينهما على أحسن ما يرام.

كما يظهر الجانب النفسى في عملية المقارنة، فنجد أخيل يقاتل من أجل خلود الذكر والشهرة، في حين كان هكتور يقاتل من أجل الدفاع عن الأرض والأهل والشرف. ومن هنا، فإنه رغم تغلب أخيل على هكتور وقتله فى المعركة أمام أسوار طروادة، فإن بطولة هكتور تظل خالدة ولها غوايتها الخاصة وذلك بسبب من سماته النفسية الخاصة وما فيه من نبل فقد حياته بسببه.

ويبدو من سمات هكتور النفسية حبه لزوجته وأسرته وأرضه ودفاعه بروحه عن كل ذلك. ويظهر أيضًا من أعداء أخيل باريس الأخ الأصغر لهكتور ومشعل هذه الحرب باختطافه لهيلين الجميلة، وهو الذي يسقط أخيل على يديه فقد وجه سهمه المصيب إلى كعبه. فمات أخيل. وكان ذلك بإيعاز من أبولو.

الدائرة الثالثة تتحدد من خلال الآلهة الذين يقفون في جانب الطرواديين، خصوصا أبولو الذى يدل باريس على نقطة ضعف أخيل فيصوب لها سهمه فيسقط البطل.

الحب عند أخيل

يظهر الحب عند بطل ملحمة الإلياذة من خلال قصة العلاقة الشهيرة مع الأسيرة الطروادية التى أسرها أخيل في معبد أبولو، واطمأن إليها وعشقها. ولكن يحدث ما يغضب البطل. حين ينتزع قائد الجيش اليوناني أجاممنون هذه الأسيرة على غير رغبة من أخيل بطل اليونان. فيعتزل أخيل هذه الحرب فتعلو كفة الطرواديين على اليونانيين نتيجة لهذا الاعتزال. ومن هنا، فإن ثيمة الحب والحرب لا نعدمها في الملحمة اليونانية.

هذه الثيمة التي ظهرت ملامحها بصور مختلفة، فمنها حب أخيل لأسيرته الطروادية برسيس، وعلاقة العشق والاختطاف بين باريس وهيلين التي كانت السبب المباشر في الحرب الضروس.

أما علاقة هكتور بزوجته أندروماك فلها مذاق خاص؛ لأنها الحب العميق بين زوجين متفاهمين.

فضاء الرحلة

يتحدد فضاء رحلة أخيل في اليابس والماء، فهو قد انطلق من اليابس وهي مدينته منضمًا إلى الأسطول اليوناني مبحرًا عبر الأمواج المتلاطمة في البحر الأبيض عبر مسافات طويلة من بلاد اليونان حتى شاطئ مدينة طروادة في الأناضول.

ومن هنا، فإن رحلته تسير في هذا الاتجاه ولا تهبط عبر الأعماق، كما أنها أيضًا لم تصعد عبر الأعالى. ولذا، فإن رحلته أفقية من الغرب إلى الشرق. مليئة بحماس الانتقام من الطرواديين، وإثبات بطولته الفائقة.

صعوبات الرحلة

تبدو الصعوبات في رحلة بطل الإلياذة من خلال الأمواج المتلاطمة التي يجب عبورها كى يصل إلى أسوار طروادة، وهذه الصعوبة تغلب عليها البطل ومن معه بسهولة إلى حد ما من خلال السفن الشاهقة التي تحمل أبطال اليونانيين.

كما بدت صعوبة أخرى في مواجهة بطل الطرواديين هكتور مروض الخيول، الذى ذاق اليونانيون مرارة سيفه الفاتك. ولكن أخيل استطاع التغلب على هذا البطل الفذ بمعاونة من أثينا.

وتتمثل الصعوبة الثالثة فى جيش الطرواديين الجرار من أبطال يدافعون ببسالة عن وطنهم، لكن أخيل بذل فى ذلك أوفى نصيب وأذاقهم الأمرين.

أما أسوار طروادة الحصينة، فإنها تمثل صعوبة حقيقية واجهت اليونانيين جميعًا ومنهم البطل الفذ أخيل بطبيعة الحال. فقد ظلت هذه الأسوار عشر سنوات شامخة ومستعصية على الاختراق، حتى استطاع أوديسيوس الاهتداء إلى حيلة بارعة تتمثل في حصان طروادة الشهير، وكان ذلك بعد سقوط أخيل صريعًا بسهم باريس أمام أسوار طروادة الشامخة.

نبل الرحلة

تبدو قيم البطولة البدائية في هذه الرحلة البطولية لأخيل، فقد كان الدافع لها الغضب من اعتداء باريس على شرف ملك يوناني هو منيلاوس بخطف زوجته. كما أن الدافع النفسى للبطل في رحلته هو تسجيل اسمه في سجل الخالدين. فهو يعلم أن هذه الحرب من الضخامة بمكان، ويشترك فيها أبطال عظام فأراد أن يستوفى منها أوفى نصيب.

وهذه الغاية كانت شديدة النبل في الأزمنة القديمة، حيث كانت تمجد هذه الأزمنة قيم البطولة الحربية الفائقة وتمنح البطل الفذ كل تقدير وإعجاب، ولكن يبدو الانحسار الواضح لهذا النبل في عصرنا؛ لأن التركيز الشديد على الرغبة في حيازة المجد الحربى وخلود الذكر بإظهار البطولة الفائقة يقلل بصورة واضحة من نبل الغاية وشرف المقصد.

ولأن غايته كانت في الأساس ذات طابع شخصى، وهو حيازة الخلود لنفسه، فإنه سرعان ما يحيد عن الهدف الأعلى للحرب التى شنها اليونانيون، ويغضب لنفسه إذا ما مسه أحد، وذلك كما بدا من اعتزاله الحرب، وتركه اليونانيين لسيف هكتور وجنوده.

رحلة البطل من حيث الإجبار والاختيار

في رحلة أخيل مع الجنود اليونانيين عبر الأمواج المتلاطمة كانت سمة الاختيار الحر للبطل هي السمة المهيمنة على رحلته. فقد انطلق في رحلته الطويلة دون أن يجبره أحد عليها. وإنما تحرك بدافع من نفسه الراغبة في خلود الذكر.

وقد علمت أمه حورية البحر ثيتيس بأن ابنها سيلقى حتفه وهو في شرخ الشباب أمام أسوار طروادة فاجتهدت أن تبعده عن هذا المصير، وذلك بإلباسه ملابس بنت، ولكن ذلك لم يخدع أوديسيوس واسع الحيلة والدهاء، فقد كشف حقيقته حينما رآه يطرب للسلاح. واستطاع إقناعه بالذهاب مع اليونانيين إلى الحرب الطروادية.

نهاية البطل

لم تتحقق للبطل العودة من رحلته شديدة الخطورة، فقد مات على أرض طروادة ولم تكتب له النجاة. وقد كانت هذه النهاية تحقيقًا لنبوءة قدمتها أم البطل أخيل له. وقد اختار السير في رحلته رغم معرفته بمصيره فيه.

ويثار سؤال هنا: هل حقق البطل أخيل فى ملحمة الإلياذة الهدف من الرحلة؟

على الرغم من موته صريعًا بسهم باريس الذى لا يخطئ أمام أسوار طروادة، وعلى الرغم من عدم رؤيته هذه الأسوار، وهى تفتح أبوابها لليونانيين، فإن الهدف من الرحلة قد تحقق؛ لأن الهدف الأساسى لرحلة البطل أخيل هو شيوع الذكر في العالمين والحصول على الخلود أبد الدهر. وهذا ما تحقق بصورة هائلة ، فاسم أخيل يتردد فى جنبات المعمورة حتى الآن باعتباره البطل المفرد في هذه الحرب الطاحنة.

خلود البطل

يبدو خلود هذا البطل بصورة واضحة في الوجدان العالمى من خلال ما كتب عنه، وما تناول حياته ،وما صنعه الخيال. فهو يعد من أشهر الأسماء الإغريقية على الإطلاق، ولا يضارعه في القوة أو يفوقه غير هيرقليس فائق القوة. هذا على العموم، أما على الخصوص فهو أشهر بطل على الإطلاق في حرب طروادة.

وقراء إلياذة هوميروس الخالدة لا يحصون كثرة، وكان ذلك من أسباب شهرة هذا البطل في جنبات المعمورة. وقد ألهبت شخصيته الخيال، وجعلت السينما تتناولها في الكثير من أعمالها، ويعد أشهرها فيلمTroy ، وهناك روايات تناولت هذه الشخصية الشهيرة، مثل رواية أغنية أخيل.

أما دارسو الأدب القديم والمتخصصون في الملاحم فلهم حضورهم الفذ فى عالمنا المعاصر، وبالتالي، أسهم ذلك في حضور شخصية أخيل، وقد تحوّل كعب أخيل أو وتر أخيل إلى رمز يطلق على نقطة الضعف الموجودة في كل بطل مهما كان فائق القوة.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: