Close ad

د.عايدي علي جمعة يكتب: استدعاء التاريخ في رواية "حلم نماتزي"

25-2-2018 | 13:55
دعايدي علي جمعة يكتب استدعاء التاريخ في رواية حلم نماتزيرواية «حلم نماتزي» للكاتب مصطفى سليمان

وقعت رواية "حلم نماتزي" للكاتب مصطفى سليمان في 171 صفحة، ونشرتها "دار غراب" عام 2016، وهي رواية تتجلى بنيتها الكبرى في رحلة إبراهيم (الشخصية الرئيسة) إلى منابع النيل، ولقائه الفتاة الإفريقية "نماتزي"، وإنقاذه لها من خاطفيها، وإنقاذها له من موت محقق على يد أخيه، ومغامرات تدور في هذا الإطار.

موضوعات مقترحة

كان السارد بالضمير الأول (أنا) هو المهيمن على هذه الرواية، وكانت الذكورية المتجلية في "إبراهيم" هي صاحبة الهيمنة السردية فيها، في مقابل سرد الأنثى الذي جاء على لسان "نماتزي".

وبذلك، فإن هذه الرواية بها ساردان، وكل سارد له منظوره ورؤيته للعالم.

وكان السارد المهيمن على هذه الرواية هو السارد بالضمير الأول أنا، سواء في حالة الرجل أم المرأة، وإذا نظرنا إلى السارد الرجل، فإن بعض الصفات تطل علينا، مثل انتمائه لعنصر الرجال، وهو يبدو في شرخ الشباب، لديه القدرة على قطع المسافات الطويلة عبر الصحراء وغاباتها، وما فيها من مخاطر محدقة. كما أنه يستطيع أن يحمل بندقيتين في وقت واحد ويقطع بهما المسافات الطويلة.

وهو سارد تعرض لأزمة حادة، حيث خانته زوجته مع أخيه، وحينما رآهما في وضع مخل كانت النتيجة تآمرهما عليه وإصابته إصابات بالغة كادت تودي بحياته، حيث حملاه إلى الصحراء، تنزف جراحه إثر اعتدائهما عليه، كي يموت فيها بعيدًا، ولكن "نماتزي" الفتاة الإفريقية، التي تقاسمه السرد، تنقذه من الموت المحقق، ويمضي في رحلته إلى الجنوب بعيدًا عن قبيلته، وهو محمل بجراح القلب والروح.

وهذه الحادثة تتراسل مع النماذج الأصيلة في منطقتنا، ومنذ قابيل وهابيل، وحكاية غدر الأخوة تتجلى بأشكال مختلفة، على نحو ما نجد في الأدب الفرعوني، وفي قصة سيدنا يوسف عليه السلام. كما يظهر لهذا السارد اسم محدد هو "إبراهيم".

أما الساردة، التي أخذت سلطة الحكي في بعض الكتل السردية لهذه الرواية، فهي "نماتزي"، التى أخذت سلطة الحكي وهي على قيد الحياة، وأخذت هذه السلطة أيضًا وهي في العالم الآخر، حيث أنقذت إبراهيم وسحرته من خلال ثلاث ليال يكتمل البدر فيها، وتظهر على جسمه آثار البقع والدمامل، ويشعر بآلام حادة في جسده، ورغم موتها، فإن هذا السحر يظل فاعلًا ويمارس سلطته على جسد "إبراهيم"، وفي هذه الفترة تأخذ "نماتزي" سلطة الحكي وهي في العالم الآخر بعد موتها.

وهنا يبدو ملمح من ملامح الذكورية، التي تناسب هذه الفترة وتناسب المنطقة، فالمرأة في هذه الرواية ما لبثت أن أصبحت محجوبة، لا تملك قدرة الظهور على مدى كتل الرواية السردية، وظهرت عملية الاعتداء الصارخ على حقوقها، فـ"نماتزي" الشخصية النسوية الرئيسة في الرواية خطفت وذبح أولادها وبيعت وماتت، ولكنها رغم كل ما لحق بها ظلت حاضرة رغم موتها، بل ان حضورها من القوة بحيث استأثر بعنوان الرواية.

وإذا نظرنا إليها، فإننا سنجد بعض الصفات التي ذكرتها الرواية لها، فهي لها اسم يتكرر بصور مختلفة، فهي مرة "نماتزي"، ومرة أخرى ذات الجدايل، ومرة ثالثة "جنات".

وظهر لقبها "ذات الجدايل" على لسان "إبراهيم" السارد المركزي في هذا العمل، وكان ذلك بسبب طبيعة شعرها اللافت وجدائله الكثيرة، وعدم معرفته باسمها الحقيقي في البداية.

وهي فتاة إفريقية سمراء ذات شعر كثيف مجدول، تعرضت لأزمات حادة فائقة في عنفها، حيث تم خطفها حتى وقعت في يد ساحر لا يرحم، تركها حتى تنجب، ثم أخذ وليدها وهي نائمة وذبحه قربانا من أجل السحر، ثم حملت منه، ولكنه ذبح وليدها أيضًا، فما كان منها إلا أن احتالت عليه حتى قتلته، وفرت سرًا خوفًا من قبيلته، ولكن فرارها كان على عكس المتوقع، لأنها بدلًا من أن تفر إلى الجنوب، حيث قبيلتها، فرت إلى الشمال، وذلك رغبة في خداع من يتعقبها.

ثم التقت الأفندي الذي عاملها معاملة حسنة وأحبته، ورغبت في الزواج منه، ولكنه رفض الارتباط بأية امرأة بعد وفاة زوجته التي عاملته أحسن معاملة، وبعد موت الأفندي التقت "إبراهيم" وهو ينزف وحيدًا في الصحراء الممتدة، بعد اعتداء زوجته وأخيه عليه، وأنقذت حياته.

تبدو ثيمة الرحلة ذات حضور واضح في هذه الرواية، وهي ثيمة عدها كارل جوستاف يونج من النماذج الأصلية في النفس الإنسانية.

وعلى عكس الرحلات الشهيرة في الرواية العربية، نجد الرحلة هنا إلى الجنوب، بعدما كانت الرحلة إلى الشمال (أوروبا) ذات غواية خاصة لكثير من مبدعينا على نحو ما نجد في "موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح، وفي أعمال طه حسين، خصوصًا "الأيام"، و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم.

وكان للرحلة إلى منابع النيل في إفريقيا دور واضح في استدعاءات خاصة تتواءم مع طبيعة البيئة المكانية.

وكانت رحلة "إبراهيم" - وهو مصري من عامة الشعب - إلى منابع النيل، واكتشاف هذه المنابع، هي الرسالة الحقيقية من وراء هذه الرواية، لأن ما تم التكريس له - خصوصًا لدى الغربيين- أن بيكر هو الذي اكتشف منابع النيل، ولكن هذه الرواية تأتي لتدعم حقيقة تاريخية لم يتم إلقاء الضوء عليها بصورة كافية، ومضمونها يتحدد في أن المصري البسيط هو الذي اكتشف هذه المنابع، وهو من بذل الجهد مضاعفًا وتحلى بالشجاعة الفائقة في اكتشاف هذه المنابع.

كما تبدو الرسالة أيضًا في إلقاء الضوء على حدود مصر الجنوبية التي كانت تمتد إلى أوغندا.

كما تبدو الرسالة واضحة في الإشارة بأصابع الاتهام إلى المستعمر، وذلك من خلال بث الإيحاء بقتل الذي يحكم منابع النيل بطريقة خفية، تشير إلى الاستعمار وما يمارسه من تآمر في الخفاء، ولذا وجدنا الشخصيات الغربية في الرواية شخصيات تتحرك في الخفاء، ولم تأخذ سلطة الحكي أبدًا فيها، وإنما كانت حاضرة وهي في صورة الغياب، مما يتواءم مع طبيعة الرسالة فيها، التي ترى أن الاستعمار يمارس دوره في الخفاء أكثر كثيرا من العلن، ومن هنا تبدو أهمية الرحلة في هذا العمل.

وكانت الرحلة ليست جوًا، وهذا يتناسب مع طبيعة الفترة الزمنية التي تعالجها الرواية، وهي الفترة من 1860 إلى 1874، حيث لم تكن البشرية قد عرفت بعد الرحلات الجوية.

وكانت البنية الزمنية في هذه الرواية لها وضع خاص، فبنيتها الزمنية الخارجية تتحدد في نحو أربعة عشر عامًا، من 1860 إلى 1874.

وكان للإرباكات الزمنية حضور واضح في هذه الرواية، لأن السرد فيها لا يعتمد على "الخطية"، وما تستتبعه من كتل سردية متواصلة ومحكمة، وإنما اعتمدت الرواية على "الخلخلة الزمنية" على مدى كتلها السردية المتنوعة، واستتبع ذلك بالتالي "الخلخلة المكانية"، حيث ظهر السرد السينمائي مهيمنًا، ورأينا في كل كتلة سردية عنوانًا يحدد المكان والزمان قبل الانطلاق في عملية الحكي.

وهنا كانت البنية الزمنية القديمة ذات دور تفاعلي مع البنية المكانية في جذب معطيات روائية تتماشى معها، فظهرت سمات الأدب الطبيعي بوضوح، فليست هناك عمارات ولا سيارات ولا ما يشير إلى المدنية الحديثة، عدا البندقية التي تكرر ذكرها كثيرًا في هذه الرواية، والتي كانت تمثل صورة عصرية في تلك الفترة.

ومن هنا، فقد ظهرت الحيوانات التي تختص بها الطبيعة في هذا المكان، مثل الأسود والقرود، وهي حيوانات تنتمي للغابة، والحيوانات النهرية كالتماسيح، والأشجار والجبال وغير ذلك.

وكانت الجملة الفعلية لها الهيمنة في السرد، وهي تبدأ بالفعل المضارع، وتتميز بالقصر، بينما تنحسر أدوات الربط اللغوية.

وقد ظهرت عمليات الاستدعاءات للتاريخ الفرعوني والديني، حيث وجدنا محاولة قتل الأخ لأخيه، كي يستأثر بزوجته، وفكرة قتل الأخ موجودة منذ ابني آدم (قابيل وهابيل)، ومحاولة إخوة يوسف التخلص منه بإلقائه في الجب تطل بوضوح كخلفية فنية لهذه الرواية لمصطفى سليمان.

ومن هنا فقد كانت الاستدعاءات التاريخية المتنوعة ذات حضور لافت في رواية "حلم نماتزي".

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة