صدرت مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتور أنور مغيث، الطبعة العربية من كتاب "ناصر" من تأليف أناتولي أجاريشيف، وترجمة سامي عمارة، وتقديم هدى عبدالناصر، وذلك بمناسبة احتفال وزارة الثقافة بمئوية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي ولد في 15 يناير من عام 1918.
موضوعات مقترحة
الكتاب المترجم عن الروسية يتناول بدقة حياة الزعيم الراحل ويتعرض من خلال ذلك إلى وجهات نظر مهمة عن تحول مصر في عهده إلى عنصر فاعل وإيجابي في السياسة الدولية، بعد أن كانت مجرد عنصر من عناصر السياسة العالمية، وكيف أصبحت الثورة المصرية بضربها المثل للشعوب المضطهدة بشأن قدرتها على التصدي بشكل فاعل لسيطرة الإمبريالية، علامة مهمة على طريق الصحوة الهائلة لحركة التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، حيث صارت مصر دافعًا قويًا لعملية التحرر الوطني في البلدان العربية، مثل حرب التحرر في الجزائر، وحصول تونس والمغرب واليمن الجنوبية والسودان على الاستقلال، والثورة في العراق وليبيا والتحولات التقدمية في سوريا، كما يسرد الكتاب كيف لعب ناصر دورًا فذًا في خلق واستقرار حركة عدم الانحياز، وفي تعبئة البلدان العربية للتصدي لسياسات إسرائيل التوسعية.
وتوضح الدكتورة هدى عبد الناصر في مقدمة الكتاب: "هذا الكتاب بذل فيه أناتولي أجاريشيف مجهودًا كبيرًا في جمع المعلومات وتحليلها، ومحاولة الوصول إلى فلسفة كل مرحلة من حياة عبد الناصر في طفولته وشبابه، قبل الثورة، ثم بعد أن وصل إلى قمة السلطة لم يتوقف عند الأحداث، وإنما تعمق أكثر في الأسباب والدوافع، ثم النتائج بما تحويه من نجاح وإخفاق، فلقد نجح أجاريشيف في فهم التاريخ المصري المعاصر والمجتمع الذي نشأ فيه عبد الناصر، بل وعقلية العرب في القرن العشرين، وعبر عن ذلك كله بأسلوب شيق يدفع القارئ إلى الاستزادة حتى آخر الكتاب.
وتستطرد: "أعرف أن هذا قد تطلب مجهودًا كبيرًا في القراءة والمقابلات، ومما يجعل موضوع الكتاب صعبًا هو أن عبد الناصر ما زال موضع جدل دائر في مصر والعالم العربي حتى الآن، بل وإن الهجوم عليه أصبح رمزًا لمعاداة مبادئه الأساسية في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وأيضا اهتم المؤلف بتجربة تطبيق الاشتراكية في مصر، التي تختلف عن الماركسية -على الرغم من أن عبد الناصر قد قرأ مؤلفات ماركس ولينين- كما اهتم أجاريشيف بالماركسيين المصريين وأثرهم في برنامج ثورة 23 يوليو، ولكنه لم يتعرض للأزمة التي حدثت ما بين عبد الناصر والشيوعيين العرب عمومًا بعد الوحدة المصرية –السورية، واشتراط عبد الناصر إلغاء الأحزاب ومنها الحزب الشيوعي السوري.
وفي السياق نفسه يتعرض المؤلف للتغييرات التي حدثت بعد ثورة 23 يوليو، بخاصة بعد تحديد الملكية الزراعية في 9 سبتمبر 1952، وتعميم مجانية التعليم، وبرامج التصنيع. وتناول الكاتب موضوع تأميم قناة السويس والعدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر في العام 1956 بشيء من التفصيل، ثم تأميم القناة، ثم التحديات التي واجهها، ولقد أوضح المؤلف الكثير من التفاصيل الخاصة بالعدوان الثلاثي، وغيرها من اللحظات الدقيقة، والوثائق المهمة، ثم يسرد الزيارة الأولى لعبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي، وانطباعاته وحرارة استقبال السوفيت له، وأيضًا يوضح وقوف الاتحاد السوفيتي بجانب مصر بعد عدوان 1967، حيث ساندها طوال حرب الاستنزاف حتى استطاع الجيش المصري عبور قناة السويس في سيناء في السادس من أكتوبر 1973.
وتقول د.هدى عبد الناصر إن هذا الكتاب "يضيف كثيرًا إلى عبد الناصر، بخاصة من زاوية محايدة تستند باستمرار إلى الوثائق والمقابلات، ولا تنسى في الوقت نفسه النواحي الإنسانية".
المؤلف أناتولي أجاريشيف، صحفي سوفيتي شغل العديد من المناصب القيادية في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" إحدى أكبر الصحف السوفيتية الواسعة الانتشار التي أوفدته لاحقًا إلى القاهرة مراسلًا لها في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ارتبط بعلاقات واسعة مع مختلف رجال السياسة والثقافة في مصر والعديد من البلدان العربية.
أما مترجم الكتاب، الدكتور سامي عمارة، فهو خريج كلية الألسن، حاصل على دكتوراة في اللغة الروسية من كلية الآداب جامعة لينيجراد بالاتحاد السوفيتي، وهو أحد أفراد الألسن من المترجمين العاملين مع الخبراء السوفيت في المشاريع المختلفة،عمل بالسفارة المصرية بموسكو، وعمل ولا يزال بالصحافة اعتبارًا من مطلع ثمانينيات القرن الماضي مراسلًا من موسكو لعدد كبير من الصحف المصرية والعربية، كما عمل بعدد من القنوات التلفزيونية، وترجم ما يزيد عن 25 كتابًا من اللغة الروسية إلى العربية في التاريخ والأدب والسياسة.
.