أيام قليلة تفصلنا عن معركة انتخابات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" على مقعد المدير العام، التي من المقرر انطلاقها في التاسع من أكتوبر المقبل بباريس، إذ يتنافس تسعة مرشحين، منهم أربعة عرب، وهم: فولاد بلبل أوغلو (أذربيجان)، وفام سان شاو (فيتنام)، ومشيرة خطاب (مصر)، وحمد بن عبدالعزيز الكواري (قطر)، كيان تانغ (الصين)، وجوان ألفونسو فونتسوريا (جواتيملا)، وصالح الحسناوي (العراق)، فيرا خورى لاكويه (لبنان)، وأخيرًا أودريه أزولاي (فرنسا).
موضوعات مقترحة
ينتخب المؤتمر العام، المدير العام لليونسكو لولاية أربع سنوات ويمكن إعادة انتخابه لولاية ثانية مرة واحدة. أما في السابق فكانت مدة ولاية المدير العام ست سنوات ويمكن تجديدها لست سنوات أخرى. وعلى الأمانة أن تقوم، تحت سلطة المدير العام، بتنفيذ البرامج التي يعتمدها المؤتمر العام. والمديرة العامة الحالية لليونسكو هي إيرينا بوكوفا، من بلغاريا، وقد انتخبت في عام 2009، في ولايتها الأولى.
يُعد مقعد المدير العام لمنظمة اليونسكو، من أهم المقاعد التي يمكن أن يتقلدها شخصية ثقافية، وللأسف لم يتول أي عربي هذا المنصب مُنذ تدشين المنظمة، وقد دفعت مصر بمرشحين من قبل لكنهما لم يحظيا بالفوز، وهما؛ الفنان فاروق حسني، والدكتور إسماعيل سراج الدين.
يُشكّل ترشيح السفيرة مشيرة خطاب التي حظيت بدعم الرئاسة والخارجية المصرية، وعدد كبير من الدول الإفريقية والآسيوية، نقطة مهمة وفارقة في تاريخ السياسة المصرية على الصعيد العربي والدولي في ظل المرحلة الراهنة التي تعيشها مصر، إذ تعتبر ثاني امرأة وأول عربية في تاريخ المنظمة تجلس على مقعد مدير عام اليونسكو في حالة الفوز.
وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقبل إغلاق باب الترشح على مقعد المدير العام، فاجأت فرنسا الجميع، وقامت بترشيح وزيرة الثقافة الفرنسية أودريه أزولاي، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من المثقفين العرب أن يصدروا بيانًا يُنددون فيه بدفع فرنسا مرشحا، وجاء فيه: "نعلن احتجاجنا على تلك الخطوة الاستفزازية التي قام بها الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا هولاند قبيل مغادرته قصر الإليزيه، بترشيحه لوزيرة ثقافته أودرى أزولاى لموقع المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، دون مراعاة لعلاقات الصداقة الوطيدة التي طالما جمعت فرنسا بالعالم العربي، ودون احترام للمبدأ المتوافق عليه دوليا بعدم جواز أن تستحوذ دولة واحدة على رئاسة أكثر من منظمة دولية كبرى في نفس الوقت".
في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، يؤكد السفير محمد العرابي، رئيس اللجنة الاستشارية لحملة دعم السفيرة مشيرة خطاب، أن اللجنة ومن يدعمها يسيرون بعقيدة النصر، وفرصة فوز السفيرة مشيرة تخضع لحسابات دقيقة، لأن الانتخابات سرية، وفي النهاية نتوقع أيّ مفاجآت سواء إيجابية أو سلبية، "لكننا مصرون على أن نفوز"، بحد قوله.
الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق – أحد الذين وقعوا على بيان رفض ترشيح الوزيرة الفرنسية لليونسكو - يرى أن مصر لديها جوانب قوة، وجوانب ضعف، إذ تتمثل جوانب القوى في أن مشيرة خطاب، ليست مرشحة مصر فحسب بل تحظى بتأييد إفريقي وعدد من الدول الآسيوية، كذلك تأييد الرئاسة المصرية، إذ لا يتوانَى الرئيس السيسي عن دعمها ومساندتها، وهو ما يدفع بمكانة مصر وحضورها عالميًا.
لكن جوانب الضعف – كما يتصورها "عصفور" – الأساسية، تتمثل في ترشيح فرنسا لوزيرة الثقافة الفرنسية، لأن فرصة دولة المقر (باريس) في الفوز تكون دائمًا الأقوى ومن ثم تجذب عددا كبيرا من الأصوات.
ويعتقد "عصفور" أننا في منطقة حاسمة، فمن الأفضل ألا نتفاءل وفي نفس الوقت ألا نتشاءم، وعلى وزارة الخارجية أن تبذل جهودها على أعلى مستوى، كالاتصال بالدول التي لها حق التصويت، البالغ عددها 58 دولة، كذلك محاولة الضغط لسحب ترشيح الوزيرة الفرنسية حتى بعد اقتراب موعد الانتخابات.
الروائي وعضو مجلس النواب يوسف القعيد، ليست لديه توقعات بشأن فوز المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب، لكن لديه أمنية أن تجلس مصر لأول مرة على هذا المقعد، لأن مصر هي التي اخترعت للبشرية القانون والضمير وتستحق أن تتقلد أهم منصب ثقافي دولي.
يحلل الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، خلال حديثه لـ"بوابة الأهرام"، موقف مصر من معركة اليونسكو، إذ يقول "مشيرة خطاب تقود حربًا حقيقية ومنافسة عاتية، وبالتأكيد مصر تستحق أن تجلس على هذا المقعد، والسفيرة مشيرة خطاب شخصية معروفة ولها دور ثقافي كبير، لكن هناك اعتبارات كثيرة في عملية الانتخاب والتصويت".
ولا يتوقف "فهمي" أمام مرشح أذربيجان، ولا المرشح القطري، وبخاصة قطر التي تتقلص فرصتها في الفوز وتكاد تنعدم بسبب سمعتها في المحافل الدولية، لكن المفاجأة التي قامت بها فرنسا، بدفعها مرشحًا فرنسيًا، قلبت الموازين، لأن فرنسا هي دولة المقر، وذلك مصدر قوة بالنسبة لها، وكذلك تعتمد على الدول الفرنكفونية والاتحاد الأوروبي، في حشد الأصوات، فقد حازت فرنسا أرضية كُبرى خصوصًا أنها قامت بالتحركات منذ أربعة شهور.
ولا يتصور "فهمي" أن الوقت قد داهمنا، فما زال لدينا وقت لتشكيل لجنة طرق أبواب ثقافية، على غرار اللجان الاقتصادية لعدد من الدول المهمة، الأمر الثاني؛ الاعتماد على دبلوماسية الرئاسة، وبناء عليه يكون لدينا مبعوث رئاسي يتحرك في عدد من الدول المؤثرة، يقوم بهذه الجولة، كذلك تحرك الهيئة العامة للاستعلامات والقيام بجهود أخرى على مستوى السفارات والقنصليات.## ## ## ## ##