تنشر "بوابة الأهرام" صورًا نادرة لها من العمر 86 سنة للمكتشفات الأثرية الأولى لمنطقة تونا الجبل بمحافظة المنيا، في ثلاثينيات القرن الماضي، التي قام بها الدكتور سامي جبرة، من رواد علم الآثار المصريين.
وقال الباحث الأثري فرنسيس أمين، الذي يمتلك الأرشيف الخاص بالأثري سامي جبرة في تصريح لــ"بوابة الأهرام": "إن الصور تظهر الكثير من عوالم منطقة تونا الجبل وزيارات عميد الأدب العربي طه حسين لمنطقة تونا الجبل، والملك فاروق ورؤساء الدول الأوروبية وعمال الحفائر، بالإضافة للمكتشفات الأثرية الأولى للعالم الأثري سامي جبرة، التي تم إيداعها متحف ملوي الذي تعرض منذ سنوات للسرقة".
موضوعات مقترحة
كانت جامعة القاهرة أعلنت مساء أمس عن اكتشاف أثري بمنطقة تونة الجبل بمحافظة المنيا، الذي وصفته بغير المسبوق، حيث أوضح الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، أنه عبارة عن مقبرة ضخمة تتبع طراز الكاتا كومب، المقابر المنحوتة في الأرض أو في الصخر، التي أحيانًا تكون متعددة الطوابق وتتضمن آبارًا وحجرات ودهاليز متعددة كثيرة التعاريج.
وأضاف أن بعثة كلية الآثار تقوم بأعمال الحفر في هذه المنطقة منذ عام 1931 من خلال قسم الآثار بكلية الآداب، الذي أصبح كلية الآثار فيما بعد، وكان يرأسها الدكتور سامي جبرة، الذي اكتشفها ضمن حفائر جامعة القاهرة منذ 1931 حتى 1993.
والدكتور سامي جبرة ولد في مدينة أبنوب بمحافظة أسيوط في يوم 24 أبريل 1892، تعلم في مدارس الأمريكان بأسيوط، ثم غادر مصر إلى فرنسا لدراسة القانون بناء على رغبة أهله، وهناك حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون، ثم سافر مرة أخرى إلى إنجلترا، وهناك اتخذ قرارًا غير مسار حياته كلها وهو تحوله إلى دراسة الآثار بدلًا من القانون، فحصل على دبلوم الآثار من جامعة ليفربول، وكانت حول موضوع "العدالة عند قدماء المصريين".
ويضيف أمين أن كشف جامعة القاهرة الأخير جاء موافقًا لمرور 90 سنة على اكتشاف مقبرة بيتوزيريس وهي المقبرة التي تم اكتشافها قبل أن يرتحل الدكتور سامي جبرة لمنطقة تونا الجبل ويقوم باكتشافاته المهمة في ثلاثينيات القرن الماضي التي دونتها جريدة "الأهرام" في صفحة كاملة وقت اكتشافها.
في عام 1929م اكتشف جبرة حفائر بمنطقة دير تاسا (20 كم جنوب أسيوط)، وفي عام 1931، وافق عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "وكان وقتها يشغل منصب عميد كلية الآداب" على تخصيص مبلغ 500 جنيه للكشف عن جانب من آثار منطقة الأشمونين بمحافظة المنيا، فتوجه إلى منطقة تونا الجبل وظل يعمل في الحفائر بها لمدة أكثر من عشرين عامًا حتى تمكن من العثور على مدينة كاملة وسراديب تحت الأرض. كما كشف عن وثائق مهمة ونصوص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالإله تحوت.
وأوضح أمين أن علاقة الصداقة بين عميد الأدب العربي طه حسين وسامي جبرة جعلت الكثيرين يشيرون إلى صلة قرابة تجمع بين زوجة طه حسين وزوجة سامي جبرة، لافتًا إلى أن عميد الأدب العربي وسامي جبرا "كانا يصران على تقديم البخور لمقبرة العاشقة إيزادورا".
و"إيزادورا" ابنة أسرة إغريقية كانت تعيش في مصر في مدينة الشيخ عبادة حاليًا، وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف حاليًا بمحافظة المنيا، وكان قصره الكبير موجودًا في مدينه أنتنيوبولس، حيث يطل على النيل والحقول الخضراء، وقد وقعت في عشق الضابط المصري حابي الذي كان يعيش على الجانب الغربي من النيل في مدينة الأشمونين حاليًا، وماتت غريقة وقام أهلها بكتابة أشعار عنها باللغة اليونانية.
وأشار فرنسيس أمين إلى أن منطقة تونا الجبل كانت مدينة الإله جيحوتي إله الحكمة العظمى وإله اللغة المصرية القديمة، وهو الذي اختراع اللغة الهيروغليفية حسب اعتقادات المصريين القدماء، واعتبر في الأشمونيين الإله الخالق، لافتًا إلى أن دراسة تعاليم جحوتي القديمة ومنطقة تونا الجبل كانت تعطي لمن يدرسها الكثير من الروحانيات، مضيفًا أن المنطقة "تعج بالكثير من الآثار التي تظهر امتزاج الفن المصري القديم بالفن الإغريقي".
وأضاف أن بداية الاكتشافات كانت حين أخبر أحد العمال الدكتور سامي جبرة بظهور سقف حجري في المدينة، مما جعله يقوم بالحفر ليستخرج مئات الآثار والقطع وينفض عنها الغبار، لافتًا إلى أنه قام أيضًا بإنشاء منزل في المنطقة يطلق عليه السرايا، وحوله لمتحف صغير يروي تاريخ اكتشاف المدينة.
بعد الاكتشافات التي اكتشفها سامي جبرة في منطقة تونا الجبل شهدت المنطقة زيارات متعددة لملوك ورؤساء من كافة دول العالم، وهي التي جعلت أرشيفه يحمل صورًا نادرة لتاريخ المنطقة المرتبط بالعالم، ويقول أمين إنه رغم شهرة تونا الجبل فإن المدينة "تعاني تهميشًا"، مطالبًا بالتسويق والترويج السياحي لها؛ "لما تضمه من أروع الآثار المصرية".
واصل سامي جبرة اكتشافاته، وصار اسمه معروفًا في المحافل العلمية المصرية والعالمية لمجهوداته، وقبل بتأليف كتب عن منطقة تونا الجبل ونشر أبحاث علمية عنها في الدوريات العربية والأجنبية، ثم تم تكريمه قبل وفاته في سبعينيات القرن الماضي بمنحه جائزة الدولة التقديرية.