Close ad

الراحل طلعت الشايب.. الترجمة كـ"خيانة خلاقة" وخوض للمستحيل

2-4-2017 | 20:58
الراحل طلعت الشايب الترجمة كـخيانة خلاقة وخوض للمستحيلالكاتب والمترجم طلعت الشايب
محمد فايز جاد

كعادتها هي التي تطغى على كل شيء، طغت السياسة على مسيرة المترجم الراحل، طلعت الشايب (1942 – 2017)، الذي رحل عن عالمنا الجمعة، 1 أبريل الجاري، عن عمر يناهز 75 عامًا.

لذلك لم يكن غريبًا أن يلحق باسمه دائمًا لقب "مترجم صراع الحضارات"؛ وذلك بعد الشهرة الكبيرة التي حققها كتاب المفكر الأمريكي، صمويل هينتنجتون، والذي صار مرجعًا لدارسي الاجتماع والعلوم السياسية على حد سواء.

كتب أخرى ترجمها الشايب في الإطار نفسه، من بينها: "الاستشراق الأمريكي" للكاتب الأمريكي، دوجلاس ليتل، "انحسار القوة الأمريكية"، للكاتب إيمانويل فالرشتاين، وغيرها.

بيد أن نظرة سريعة على ترجماته الأدبية، ربما تخبر القارئ بأن السياسة ليست الركن الأهم في مكتبة الشايب، بل لعل ربط اسمه بترجماته السياسية ظلم هذه الأعمال الأدبية، التي، وكما هو معروف عن الشايب، انتقاها بدقة، وفق رؤية واضحة لوظيفته ورسالته كمترجم.

وبالرغم من أن عدد ترجماته ليس كبيرًا للغاية، مقارنة بغيره من المترجمين، فإن الشايب الذي يرى أن الترجمة تمثل "جسرًا للتواصل ونقل المعارف"، وذلك في حوار أجري معه عام 2005، قرر أن ينتقي أعماله من ثقافات مختلفة، ليقدم "بقايا اليوم" للياباني كازو إيشيجيرو، "مكتوب" للبرازيلي باولو كويلو، "الحمامة" للألماني باتريك سيزكوند، و"عاريًا أمام الآلهة" للهندي شيف ك كومار، وغيرها.

في حواره المذكور آنفًا، يضع إصبعه على مشكلتين تعانيهما الترجمة من وجهة نظره، وهما: إهمال المؤسسات الرسمية للترجمة، وعدم وجود خطة واضحة للترجمة، وتواصل بين هذه المؤسسات، وضعف اللغة العربية لدى المترجمين، وعدم إلمامهم بالموضوعات التي يترجمون فيها، وهو الذي، حسبما يقول، يتجلى في غياب تقديمهم لهذه الترجمات، لأنهم لو قدموا لها "ستكشف جهلهم وفقر ثقافتهم، وعدم تطوير قدراتهم بالقراءة والاطلاع المتنوع".

لذلك تأتي مقدمات الشايب لأعماله، وكأنه أراد أن يصب فيها مفهومه عن الترجمة، أو كأنها تحدٍ، ربما لمترجم خاض في المجال نفسه دون وعي.

الترجمة عند صاحب "أصوات الضمير" فعل إبداعي وخلقي، وليست عملًا آليًا، أو حسب قوله في مقدمة الديوان المذكور "فعل تواصل وعملية فهم وإفهام، فإن تصرُّف المترجم لن يكون إطارًا لغويًّا فحسب، بل إنه دائمًا ما يكون إطارًا فنيًّا لأداء اللغة".

فالكتابة إذن ليست نقلًا حرفيًا، أمينًا تمامًا، إنما هي إبداع جديد، ربما يكون نصًا موازيًا تمامًا للنص الأصلي، وليس صورة منه، لذلك فهي تتطلب "مستوى متقدِّمًا من مستويات الكتابة".

هذا المستوى من الكتابة هو الذي دفعه لترجمة رواية كـ"عاريًا أمام الآلهة" لكومار، وهي الرواية التي تصور عقيدة هندوسية تؤمن بتناسخ الأرواح، والوجود في صورة أخرى بعد الموت، رواية تحفل بصور ثقافية مختلفة تمامًا عن ثقافة المتلقي، وتحظى بلغة شاعرية مكثفة، تجعل من نقل العمل إلى العربية أمرًا يتطلب مد جسر بين الثقافتين، دون إشعار القارئ بالغربة، أو بأن هناك مترجمًا يقف بينه وبين النص.

ومن الهند إلى الصين، حيث يترجم "أنا القمر.. مختارات من الخرافة الصينية"، وهو الذي يضم بعضًا من القصص والخرافات الشعبية الصينية، التي استخدم فيها آلية الاختيار أو الانتقاء من نصوص مطروحة متعددة، وليست نصًا واحدًا، ليس عليه سوى أن يشرع في ترجمته.

هذه الآلية في الترجمة التي تعتمد على انتقائه بعضًا من النصوص التي يراها تؤدي غرضه في الترجمة، وتتفق مع رؤيته لها بصفتها "جسرًا للتواصل"، هي التي دفعت البعض لتلقيبه بـ"المترجم الانتقائي"، الذي يرى في نفسه مبدعًا و"لا يرضى بالقيام بدور الخادم لمؤلف العمل الأصلي، فهو يعي دائمًا أنه يقوم بعمل إبداعي في لغته الجديدة".

في ديوان "أصوات الضمير" الذي انتقى قصائده من أعمال لشعراء من بلدان وثقافات مختلفة، يشتركون في شيء واحد، وهو الوقوع في براثن الديكتاتورية، والتعرض للبطش والتنكيل من قبل سلطات أوتوقراطية، في هذا الديوان، تأتي مقدمة طلعت الشايب أشبه ببحث مصغر حول رؤيته للترجمة، وترجمة الشعر بشكل خاص.

يعلم الشايب، أنه ما إن يقرر ترجمة عمل شعري، فإنه يخوض تجربة محفوفة بالمخاطر، بل ذهب البعض إلى استحالتها؛ ذلك أن "للشعر روحًا غير ظاهرة تختفي في أثناء عملية سبكه من لغة إلى أخرى، ودون إضافة روح جديدة لن نكون سوى أمام جثَّة هامدة، ومحاولة لا تنجح سوى في إخراج الميت من الحي، إن ترجمة الشعر عملية إبداعية بالغة التعقيد، وهي أكبر من مجرد عملية نقل تترجم كلامًا إلى كلام".

ودون أن يحدث القارئ في المقدمة عن الصعوبات التي واجهها في الترجمة، أو ضرورة بحثه في عدة قواميس، أو الوقت المستغرق في مهمته، فإنه يقدم بشكل أقرب للبحثي ما اطلع عليه من نظريات في الترجمة – وترجمة الشعر بالتحديد- فيطرح أمام القارئ النظريات القائلة باستحالة ترجمة الشعر، كالجاحظ الذي يرى أن "الشعر لا يستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوِّلَ تقطُّع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب منه، وصار كالكلام المنثور".

كما يطرح نظريات أخرى لمن قرروا ترجمة الشعر وخوض المغامرة، كستانلي بيرنشو، المهدي أخريف، الذي خاض مهمة صعبة لترجمة أشعار البرتغالي فرناندو بيسوا، بديع الرمادي، وفيتزجيرالد، الذي خاض مهمة لا تقل صعوبة عن الرمادي ليترجم بعضًا من أشعار الشاعر الفارسي عمر الخيام.

ولكن الشايب يخوض المغامرة، مؤمنًا بأن ترجمة الشعر "خيانة خلاقة"، لابد أن تكون خيانة للنص، ولكن ليس بالمعنى الضيق والتقليدي، بل بالمعنى الذي يعني إبداعًا جديدًا لابد منه، وإلا ضاعت روح الشعر الخفية أثناء نقله.

"الصغير"
لو سألك طفل أن تصف له
كيف هي حياة السجين..
قل له أولاً
إنَّ هناك أشياء أخرى أكثر جمالًا،
مثل الزهور في الربيع
عندما يكتسي ألف لون ولون.
أرِه السماء، الفراشة، النورس
وسترة ريشه الثلجية على سطح الموج.
لو بكى الطفل،
لو سألك فيما بعد أن تصف له
كيف هي حياة السجين
قل له إن هناك أشياء أكثر جمالًا،
الوردة البيضاء.. النجمة البيضاء..

وألوان علم البلاد!
لو سألك طفل أن تصف له

موضوعات مقترحة

كيف هي حياة السجين،
غنِّ له أغنية...
العب معه..
ولا تصف له حياة السجين!

(القصيدة للشاعر اليوناني إرنستو ديازي رودريجوس من ديوان "أصوات الضمير")

كلمات البحث
اقرأ ايضا: