قال الكاتب محمد عبدالهادي علام، رئيس تحرير جريدة الأهرام، إن لقب الأستاذ الذي لُقب به الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، يُعد تلخيصًا وترجمة لمواقفه وأرائه وتعامله مع الناس، مشيرًا إلى الملمح الأساسي الذي لمسه في الأستاذ هيكل، مُنذ أول لقاء به بالأهرام عام ١٩٨٧، وكانت أبرز السمات الشخصية الحاكمة في كثير من مواقفه وآرائه، التي التقتها فيه "عبدالهادي" خلال اقترانه به، وهما؛ الكبرياء والعزة والثقة والاعتزاز بالنفس، وكان مصدر هذه السمات، سعة اطلاعه المتنوع والغزير، فكان يدعم مواقفه وأحاديثه، بالوقائع التاريخية والشعر والحقائق العلمية أيضًا.
وأضاف "عبدالهادي": "البعض أطلق من منطلق الحقد على الأستاذ هيكل، لقب الصحفي الأوحد في عقد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مدعيّن أنه احتكر الأخبار في هذه الفترة، ولكنه فعلًا الصحفي الأوحد، ولكن أوحد في التكوين المهني والرؤية وسعة الاطلاع والثقافة".
ورأى رئيس تحرير جريدة الأهرام، أن الملمح الأهم في شخصية الأستاذ هيكل، رغم مكانته وعلمه ونفوذه وتأثيره وعلاقته، كان في شدة التواضع، وكان حريصًا على أن يتحدث مع الشباب ويسمع منهم، ويسألهم، إيمانًا بالتجدد والدماء الجديدة، كما تحدث عن مستقبل لا يتحدث عنه الشباب أنفسهم، وعندما اجتمع بأعضاء شباب الثورة، وعن طموحاتهم، قال بعد أن استمع لهم: "أنتم فعلتم مثلما فعل الذي ذهب إلى القمر وسألوه ماذا تريد الآن، قال أريد كيلو كباب"، في إشارة إلى أن طموحاتهم لم تكن متسقة تمامًا مع التجربة الجديدة ، ومرحلة بعد الثورة.
وأضاف "عبدالهادي": "الأستاذ هيكل كان يحب أن يلتقي الشباب، وترأست رئاسة تحرير الأهرام، بعد ثورة يناير، وبعد فوز محمد مرسي، رفضت الاستمرار والتعاون مع مرسي وجماعته وعشيرته، ثم عدت بعد ثورة 30 يونيو، في المرة الأولى جلست معه، وعرضت عليه أن أنظم لقاء مع الشباب في الأهرام، وفاجأني بالترحاب وبمقابلته في منزله الريفي، وذهبنا وأجرينا حوارًا معه لحوالي أربع ساعات، استمع فيه أكثر مما تحدث".
وأشار "عبدالهادي"، إلى أن التجديد كان حاضرًا على الدوام ضمن اهتماماته وأولوياته، فقد رأى فيما يخص حرية الصحافة أن الصحفيين هم الذين أمموا الصحافة وليست الدولة، وجريدة الأهرام في عهده، كانت عين على الحكومة، فتسببت في إقالة حكومات ووزراء، بينما عجز آخرون على فعل ذلك.
وفيما يتعلق بمستقبل الصحافة الورقية، رأى الأستاذ هيكل - كما يضيف "عبدالهادي" - أن الصحافة الورقية ستستمر، رغم التطور التكنولوجي، والصحافة الإلكترونية، لأن الصحافة الورقية تعتمد على الوقت والتدقيق في المعلومة والتحري، فيما تعتمد الصحافة الإلكترونية على فكرة "الوان شوت"، وذلك بلغة السينما أي اللقطة الواحدة.
وتطرق "عبدالهادي"، إلى رؤية الأستاذ هيكل، للدولة المصرية بعد ثورة يناير، فقد كان مهتمًا اهتمامًا شديدًا بسؤال "ماذا بعد؟"، وهو السؤال الذي استوحيت منه عنوانًا لمقالي الاسبوعي بعد أن استأذنته، ووافق، لما يحمل هذا السؤال من فلسفة عميقة ورؤية للمستقبل.
وقال: "عندما كنا نتحدث عن أن ثورة يناير سُرقت، أخبرنا أن ذلك شىء طبيعي جدًا، نتيجة التراكمات"، وحول الجيش المصري قال: "من يعرف تاريخ الدولة المصرية منذ فجر التاريخ لا يسىء إلى الجيش المصري والقوات المسلحة".
كما انتقد مصطلحات "عنصري الأمة" أو "الوحدة الوطنية"، واعتبرها عبارات غير دقيقة ، لا تمت بحقيقة الشعب المصري بصلة، لأن الشعب المصري نسيج واحد غير قابل لأي تفتت، أو تجزئة، وفي مقابلة له لزعيم الدروز وليد جنبلاط، أخبره أن لبنان لو تعلمت من الشعب المصري الانصهار، لما وصلت للمرحلة الحالية من تشعب وتنافر الطوائف في لبنان.
كذلك قال لوليد جنبلاط، نصًا: "لا الجيش المصري ولا المصريين يسمحوا بأن تتحول مصر إلى لبنان".
فيما قال الكاتب عبدالله السناوي، إن الأستاذ هيكل اخترق موضوع سيناريو التوريث، توريث الحكم، مُنذ خريف ٢٠٠٢، وما اعتبره "السناوي"، بأنه قنبلة نووية فجرها الأستاذ هيكل، فقد شجع شجع القوي السياسية على الدخول في هذه المنطقة، وطرح هذه القضية الحساسة.
ورأى "السناوي"، أن الأستاذ هيكل، صاحب مشروع وطني متجدد، ومن أحد وأبرز أفضاله هو صياغة تعبير النكسة بدلًا من مصطلح الهزيمة فيما يخص نكسة 1967، ومن أهم أدوراه هو صناعة السياسات والاشتراك في صياغتها.
وأشار "السناوي"، إلى المحاضرة التي ألقاها الأستاذ هيكل، في باريس حول "أزمة العرب ومستقبله"، وقد كانت أفضل ما كتبه الأستاذ، وطبعت ثلاث مرات، الأولى طبعت في كُتيّب، والثانية في كتاب يضم مجموعة محاضراته، والثالثة في آخر كتاب كتبه عن مبارك وزمانه، موضحًا أن هذه المحاضرة لها قيمة كبيرة، تستشف الكثير من المستقبل حتى عام 2015، فقد توقع صورة العالم العربي وإلى أين، وأخيرًا توقع صورته للمستقبل.
واستنبط "السناوي"، شعار معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الــ48، وهو "الشباب وثقافة المستقبل"، ليتحدث عن الشباب في فكر الأستاذ هيكل، وقال: "الشباب والمستقبل كانت فكرة أساسية في فكر الأستاذ هيكل بعد ثورة يناير، وكان يهمه كثيرًا أن يعرف أصحاب الحق في المستقبل ما جرى في الماضي، وفي المرحلة الأخيرة من حياة الأستاذ ألقى عدة محاضرات حول المستقبل ورؤيته له".
ونفى "السناوي"، أن يكون الأستاذ هيكل، قد كتب مذاكراته، لأسباب كثيرة، أبرزها؛ أنه كان يضع حواجز وحدودًا كثيرة على حياته الخاصة، بالإضافة إلى أن كل ما لديه من أفكار ورؤى في السياسة قاله، ونُشر.
وفي إحدى مقالاته، كتب "هيكل"، مقالاً يقول فيه بأن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ليس أسطورة تُنشد، ولكنه تجربة حقيقية وله إنجازات حقيقية، وفي عام 2009 استضافته جامعة أكسفورد وقدمته عميدة كلية الإعلام قائلة: "لا أصدق أنني أمام الأسطورة الحية"، وعندما دخل جون باتن، رئيس جامعة أكسفورد، وواحد من الأركان الأساسية لحكومة مارجريت تاتشر، قال: "رغم كل المناصب التي وصلت إليها لم يصفني أحد بأنني أسطورة، فلنرحب بالأسطورة محمد حسنين هيكل"، وذلك في إشارة إلى الاعتراف الدولي بشخصية هيكل الاستثنائية في العصر الحديث.
وأضاف الكاتب يوسف القعيد، مدير الندوة، أنه في الستينيات كان يكفي أن تقول "الأستاذ"، ليُفهم أنك تتحدث عن محمد حسنين هيكل، وأنت تقول "الست"، فيعرف الناس أنك تقصد الفنانة الكبيرة أم كلثوم، وأن تقول "الزعيم"، فيتبادر إلى ذهن الناس اسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
آمن "الأستاذ"، كما- يقول "القعيد"- بأن رئيس الجمهورية مسئول عن شيئين مهمين جدًا، مياه النيل والعلاقة بين المسلمين والمسيحين.
كذلك كان يعتبر "الأستاذ"، أن شخصية جمال عبدالناصر من أكثر الشخصيات المصرية التي ظُلمت بعد رحيله، ونوى "الأستاذ" كتابة كتاب يرصد التكوين النفسي لعبدالناصر، معتبرًا أنه يحتاج إلى الوقوف كثيرًا.
فيما قال الدكتور خالد عبدالهادي، من فلسطين، وأحد من اقتربوا من الأستاذ هيكل، وكتبوا كتابًا عنه، إنه جورنالجي افتخر بهذا اللقب، له أدوار كثيرة مثقف وعالم استراتيجي، واللفظ الأثير هو الجورنالجي، كان له رؤية ثاقبة للأحداث، ونهم شديد لمعرفة رؤى الشباب والواقع المحيط به.