Close ad

الراحل أبو المعاطي أبو النجا.. أخذته "نداهة" الصحافة.. وأنجز رائعة في عامي تفرغ

21-12-2016 | 23:18
الراحل أبو المعاطي أبو النجا أخذته نداهة الصحافة وأنجز رائعة في عامي تفرغ أبو المعاطي أبو النجا
محمد فايز جاد
حياة هادئة عاشها القاص والروائي الراحل أبو المعاطي أبو النجا (1931-2016) الذي رحل عن عالمنا أمس الأربعاء عن عمر يناهز 85 عامًا، ورحيل هادئ أيضًا عن هذا العالم المضطرب، وما بين البداية والنهاية بعد عن الأضواء، لسبب أو لآخر.
موضوعات مقترحة


كان لنشأة أبي النجا في ريف مصر أثر في تكوين شخصيته، وهو الذي نشأ في ريف إقطاعي يتجاور فيه الثراء الفاحش، والفقر المدقع، وتعلم تعليمًا دينيًا بدأ بحفظ القرآن الكريم في قريته، ثم الانتقال للمعهد الديني، وأخيرًا الالتحاق بمدرسة دار العلوم.

وعلى عكس أقرانه من الكتاب الذين ولدوا في الفترة نفسها لم يتأثر أبو النجا بالأقلام الغربية، التي كانت تخطو خطوات بعيدة للغاية عن تلك التي خطتها الأقلام العربية. ففي حين تأثر أقرانه بفيودور ديستويفسكي الروسي، والفرنسي مارسيل بروست، والأمريكي إرنست هيمنجواي، تأثر هو بالمازني والعقاد، وغيرهما من أعلام المدرسة "الرومانسية" في مصر، وهو ما سيلقي بظله على مسألة إدراجه ضمن تيار الحداثة من عدمه.

بدأ أبو النجا حياته الإبداعية من خلال كتابة القصص القصيرة التي كان يرسلها لمجلة "الرسالة"، تلك المجلة التي بدأ يتعرف من خلالها الكتب التي سيقرأها، وكان ذلك في الفترة من 1949 حتى 1952.

وبصدور مجموعته القصصية الأولى "فتاة في المدينة" وصفها النقاد بأنها كتابات فكرية، أو كما يصفها النقاد الحداثيون الآن بالذهنية، وهي سمة مميزة في ذلك الوقت تبعدها عن الاتجاه الرومانسي الذي كان يتزعمه المنفلوطي والرافعي وجبران خليل جبران، ثم تأتي "ابتسامة غامضة" التي نقلتها إلى عالم الكتابة النفسية، ورسخت اسمه بين القراء والنقاد ككاتب للقصة النفسية، الذي يسعى للغوص داخل شخصياته لاستكناه ما تخفيه ولمعرفة ما يضطرم بداخلها.

كانت فترة ظهوره إذن في منتصف الخمسينيات، ولكن مع بداية الستينيات يلمع نجم الراحل يوسف إدريس (1927-1991) الذي تزعم تيار الواقعية الاجتماعية في القصة القصيرة، وتربع على عرش القصة القصيرة لعقود، بل ولا يزال اسمه حتى الآن محفوظًا كرائد للقصة، وكاسم قطع شوطًا بعيدًا فيها لم يكن من السهل على الكتاب الجدد أن يبلغوه، هذا بالطبع بعد أن أزاح الكتاب القدامى عن الساحة باهتمام نقدي وجماهيري كبير.

لذلك اصطدمت تجربة أبي النجا في القصة بظاهرة يوسف إدريس خلال فترة الستينيات. كان ذلك قبل أن تعصف بالوطن العربي هزيمة يونيو 1967، التي أحدثت هزة كبيرة في الوطن المأزوم، ليس على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري فحسب، بل أيضًا على المستوى الثقافي والفكري.

وتمخضت هذه الفترة عن كتابات في نقد الفكر العربي سواء القومي أو الديني لتظهر كتابات جورج طرابيشي في نقد الفكر العربي والإسلامي، وكذلك كتابات صادق جلال العظم –الذي رحل عن عالمنا منذ أيام- وعلى رأسها "نقد الفكر الديني"، و"دفاعًا عن المادية والتاريخ".

وفي حين كان هذا موقف الكتاب العرب عمومًا، بخلاف الموقف الذي من الممكن أن يوصف بالقفز من المركب الغارقة، كان موقف أبي النجا من "النكسة" مختلفًا، ليكتب "العودة إلى المنفى) 1969، تلك الرواية التي صنفت من بين أفضل مائة رواية عربية، هذه الرواية تستعيد حياة المناضل الراحل عبد الله النديم، أحد أبرز الأسماء في الثورة العرابية.

وكأن أبا النجا، الذي طالع بعينيه سقوط حلم ثورة يوليو، باستعادته حياة النديم والثورة العرابية المغدورة، يبكي الأحلام التي تهدر إما على يد خونة داخليين، أو طامعين خارجيين.

وكما هو الحال في الجيل الذي عاصر النكسة ومر بمرحلة الانفتاح الساداتية أن يمر بتجربة الهجرة إلى الخليج، التي عاشها أقرانه ممن مروا بالظروف نفسها، والذين رأوا، إما في الاتحاد السوفييتي أو غرب أوروبا أو في بلاد البترو دولار، الخليج، ملاذًا من وطن يمر بمتغيرات جنونية عصية على الفهم.

هكذا بدأ أبو النجا رحلة الاغتراب في بلاد النفط ليعمل في "العربي" الكويتية، التي صارت إحدى أهم الصحف الثقافية في الوطن العربي، لتغويه نداهة الصحافة، الأمر الذي أدى إلى أن يصبح مقلًا في كتاباته، لدرجة تجعل النقاد يختلفون في إمكانية وصفه بالكاتب الحداثي، على عكس أقرانه من الكتاب الذين أتيحت لهم فرصة مراجعة أعمالهم، وتطوير أدواتهم، والدخول في مدارس جديدة جعلت من المدارس التي نهجوا نهجها شيئًا من التاريخ، على سبيل المثال نجيب محفوظ، رائد الواقعية الاجتماعية، الذي قدم في النصف الثاني من حياته نصوصًا يمكن وصفها بالحداثية بشدة.

وبالحديث عن محفوظ، ثمة ما يجمع بين الشخصيتين، ولعلها آفة تصيب الكتاب ومشاريع الكتاب الذين تبشر مواهبهم بإمكانات ممتازة، لا تحتاج سوى للرعاية، فكما أعلن محفوظ في عدة عوارات أنه لولا الوظيفة الحكومية لكان له شأن آخر، فقد أعلن أبو النجا في حواره الأخير قبل رحيله الذي نشرته جريدة القاهرة أن منحة التفرغ لعامين ساعدته في إنهاء روايته الشهيرة، التي دخل بها التاريخ بعد تصنيفها ضمن المائة رواية الأفضل عربيًا، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل: وماذا لو حظي بسنوات أطول للتفرغ؟

ومثل أبي النجا كان إبراهيم أصلان، الذي عمل ساعيًا بالبريد لفترة من حياته، والذي أنجز رائعته "مالك الحزين" خلال منحة التفرغ التي حصل عليها بشق الأنفس. ثم إذن مواهب تظهر دائمًا وتبشر بإمكانية ظهور أسماء كبيرة، شرط حصولها على الرعاية اللازمة لتنميتها، فهل تحصل عليها؟
كلمات البحث
اقرأ ايضا: