Close ad

محمد فريد أبو سعدة لـ"بوابة الأهرام": الشعر خرج من عباءة النثر وظل يتعلم منه

7-11-2016 | 09:25
محمد فريد أبو سعدة لـبوابة الأهرام الشعر خرج من عباءة النثر وظل يتعلم منهمحمد فريد أبو سعدة
حوار - محمد فايز جاد
الشاعر والكاتب المسرحي فريد أبو سعدة أحد العلامات البارزة في جيل السبعينيات، هذا الجيل الذي يحمل سمات مميزة وأنتج ألوانًا مختلفة من المواهب ساعدت في تكوينها تحولات اجتماعية وسياسية سريعة، ونهضة أدبية وفنية بدأت فيما قبل الأربعينيات، وبلغت درجة عظيمة من التطور مع الستينيات.
موضوعات مقترحة


صاحب "السفر إلى منابت الأنهار" كان قد أشار إلى أنه انجذب أولًا إلى الرسم، قبل الشعر، وعن هذه الأسبقية للرسم يقول: الرسم هو اللغة الأولى، اللغة التي عبر بها الإنسان الأول عن مخاوفه وأحلامه، بالرسم على الكهوف، ملاذه من والوحوش وقسوة الطبيعة، بل وطريقته الأولى في رفع معنوياته تجاه المجهول؛ إذ كان يرسم نفسه مثلًا منتصرًا على وحوش تفوق قدراته المحدودة.

ويضيف، في حوار مع "بوابة الأهرام": لغة أولى لإنسان وحيد أمام الطبيعة، أما الشعر فكان اللغة الثانية، كان على هذه اللغة أن تتأخر كثيرًا جدًا؛ لأنها لغة جماعة من الجماعات البشرية، عاشت مع بعضها طويلًا، واستطاعت أن تتواطأ على أصوات معينة للدلالة على شيء ما، أو حيوان ما، أي تؤلف علاقة بين الصوت والصورة، ومن ثم نشأ الكلام، وكان على هذه الجماعات أن تكابد آلافًا أخرى من الزمن لتتواطأ على أبجدية للكتابة، حيث تقول الحكمة المصرية القديمة "كل ما يكتب يخلد".

ويتابع: ونحن حتى الآن نرى تأثير الرسم الذي صاحب الكتابة كالحبل السري، في الكتابة الهيروغليفية، والكتابة الصينية، وغيرها.

كان الكاتب الراحل إدوار الخراط يرى أن العمل الأدبي لا يقتصر على السرد أو الشعر فقط، إنما قد يضم العمل عدة ألوان فنية ليست نثرية أو شعرية فقط، إنما أيَا يمكن أن يضم بين جنباته الفنون البصرية بل والموسيقى، وحول ذلك يقول أبو سعدة: نعم أتفق مع إدوار، وإذا كنت فيما قلت كشفت عن الحبل السري بين (الرسم/الصورة) والصوت، ثم بين (الرسم/الصورة) والكتابة، فإنني بالقطع مع المزج بين الفنون البصرية (تشكيلية ، سينمائية، إلخ،) والفنون الصوتية أيضًا.

ثمة اعتراض يوجه إلى قصيدة النثر بأنها تجنح نحو الغرائبية المفرطة نتيجة اهتمامها باليومي، الأمر الذي قد لا يستسيغه القارئ المعتاد على الشعر الكلاسيكي، وحول ذلك يرد: هذه اعتراضات سلفية، لا وزن لها أمام تغير الذائقة، وأمام من يجاهدون من المبدعين ليكونوا، هنا والآن.
ويوضح: ألا توجد غرائبية في ألف ليلة وليلة؟ كم من الملايين العرب والعجم أحبوا ألف ليلة، وإلى كم لغة أجنبية ترجمت، وكم غير ماركيز تأثر بها، ونشأ عنها تيار الواقعية السحرية؟ وهل قرؤوا ألعاب المتنبي الغريبة والغامضة، هل قرأوا فنون النثر؟

ويستطرد: خرج الشعر من عباءة النثر وظل، رغم مهابته، يتعلمُ منه؛ فهو يطور نفسه بعين ويتلصص بالأخرى على أفاعيل النثر، وظلت موسيقى النثر حيوية إيقاعية تلهم وتغرى بالانضباط دون أن تتورط فيه، حيوية متمردة أبدًا، تصنع الشكل لتكسره في مراوغات مدهشة.

ويتابع: "في رسالة بديع الزمان الهمزاني إلى الخوارزمي يقول "أستطيع أن أكتب كتابًا يُقرأ منه جوابه، أو كتابًا يقرأ من آخره إلى أوله، أو كتابًا خاليًا من الألف واللام، أو كتابًا خاليًا من الحروف العواطل، أو كتابًا أول سطوره كلها ميم وآخرها جيم، أو كتابًا إذا قرئ معرجًا وسرد معرجًا كان شعرًا، أو كتابًا إذا فسر على وجه كان مدحًا، وإذا فسر على وجه كان قدحًا".
الذين تذوقوا هذا وفهموه هل كانوا أفضل منا؟، السلفية في الأدب والفن هي من صنعت نموذجها من القديم، ولا تريد أن تعيد النظر، فكما أن السلفية الجهادية ترى الماضي عصرًا ذهبيًا مقدسًا، وتريد العودة إليه، بل وإعادة العالم إليه وإن بالذبح، كذلك تفعل السلفية الأدبية، أسيرة ذائقة قديمة، ولن ترضى عنك إلا أن تكتب الماضي الذي تعرفه وتقدسه".

اعتراض آخر يوجهه المعارضون لقصيدة النثر وهو أنها قصيدة "نخبوية"، لم تستطع أن تخترق المزيد من الطبقات، وحول ذلك يقول أبو سعدة: القراءة أصلًا عمل نخبوي تمارسه النخبة، ليس الآن فقط بل طوال التاريخ، ولا تنس أن الأمية في مصر تقرب من 50%، وإذا أضفنا لهم من لا يحب القراءة، والأدب خصوصًا، فكم يتبقى لنا من الجمهور؟ كنت مديرًا للنشر في دار المعارف، وكنا نطبع 3000 نسخة من أي كتاب، هل تتخيل أن بيع 1000 نسخة يحتاج إلى دورة من 5 سنوات؟!

جيل السبعينيات أحد الأجيال التي ساهمت الظروف السياسية في عصرها بقوة في تشكيلها، الأمر الذي يجنح ببعض المواهب عن طريقها لتنخرط في التعبير السياسي، فهل كان هذا الجيل غير محظوظ؛ كونه لم يحظ بنوع من الهدوء يمكنه من العكوف على مشروعه الأدبي؟ عن هذا السؤال يجيب: هذا سؤال للمثقف العضوي، وبالطبع للمبدع أيضًا، المواطن المشغول بالشأن العام، وفي الزمن القديم كان يقال إن الشعر ديوان العرب، أي نجد فيه، بالإضافة إلى الغزل والحنين إلى الديار والتأملات الوجودية، كنا نجد فيه أخبار العرب وأيامهم، حروبهم وهجاءاتهم، كان يقوم بما يقوم به اليوم الإعلام من صحافة وتليفزيون، وأمل دنقل، أمير الرفض، لم يكن شعره كله تحريضًا، وانما عبر عن نفسه طول الوقت، ويمكنك أن تقرأ "سفر ألف دال"، أو "أوراق الغرفة 8"، فكرة الهدوء مثل فكرة البرج العاجي، فكرة رومانسية ماضوية، روجها الإعلام واستساغها البسطاء.

وعن خوض تجربة المسرح، وهو الشاعر الذي ثبت أقدامه مبكرًا في مجال الشعر، وهل يعد ذلك مخاطرة، يقول: الذهاب من النهر إلى البحر مخاطرة بالتأكيد، لكنها مغامرة يتجدد فيها دم الكاتب وتوسع من رؤيته، تمامًا كمن يذهب إلى مدينة غريبة؛ إذ تصبح حواسه نافرة، ويصبح أكثر ريبة في ما يرى، وحساسًا تجاه ما يراه تهديدًا لوجوده، ورغبة في فهم ما حوله. المسرح كما يقال أبو الفنون، وابن الشعر، هكذا ولد من الشعر عند اليونان، وأبو الفنون لأنه التجلي الأكبر للكاتب، إذ يجرب أن يكون خالقًا، فيخلق أناسًا من ورق، ويطلقها حية تسعى، تتنفس، وتتكلم، تفكر، وتحب وتكره، تسعد وتغضب، كما يريد، هو العليم بمخلوقاته والمقدر لمصائرهم.

وبخصوص المسرح، ورؤيته لمستقبل المسرح في مصر يقول: أعتقد أن هناك ما يشي بالعودة، مثل عودة مهرجان المسرح التجريبي.

الصوفية تعد نقطة مهمة في إنتاج أبي سعدة الإبداعي، والكتابة حولها في ظل واقع يهاجم الصوفية سواء علمانيين يرونها مخدرًا، أو متدينيين متشددين يرونها هرطقة، ربما تكون شائكة، وحول ذلك يقول أبو سعدة: كان اطلاعي على الفكر الصوفي تحولًا عميقًا في تجربتي الروحية، في الدين والشعر معًا، فقد أعاد هذا الفكر تأسيس صورة الله المحب الرحيم مرة أخرى، ورفد ما استقر في وجداني وأنا طفل، بمشروعية وعمق يمتد إلى تأملات ومجاهدات الصوفية الكبار: الحلاج، البسطامي، السهروردي، ابن عربي. صارت أفكار مثل المحبة لا الخوف، والحقيقة لا الشريعة، والباطن لا الظاهر، والتأويل لا التفسير، كانت هذه الأفكار وتلك تكشف لي عن علاقة مدهشة بين الإنسان والله.

وحول رأي صاحب "سيد الوقت" فيما يتعرض له المبدعون حاليًا من محاكمات ذات ظهير ديني يقول: "محاكم التفتيش" مفتوحة منذ فتح السادات المعتقلات، وأخرج الجهاديين، ربما حاولنا استخدام الرموز ولكنها لم تنطلِ على الرقباء فكانت ملاحقات، وكان أن اغتيل فرج فودة، وحاولوا مع نجيب، وجاءت أزمات حيدر حيدر، وما رفعه البدرى من قضايا، وحرض به محمد عباس في جريدة الشعب، و، و، وها نحن نرى الأزهر يتهم ويعاقب أستاذًا أزهريًا لأنه يقدر طه حسين والإمام محمد عبده!

ويختم أبو سعدة حديثه برأيه في مسألة المشروع الإبداعي للكاتب، هل هو قابل للتمدد بشكل دائم أم يمكن له أن يتوقف، فيقول: الموت هو النهاية الطبيعية لأي مشروع، يمكن بالقطع أن يصمت المبدع، ولا يجد ما يقوله، وقد يطول الصمت سنين، حتى يستفزه تغير ما فيعود ليكتب. ## ## ## ## ## ## ##
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة