قالت الدكتورة أمل الصبّان، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، إن قناة السويس تُمثل ملحمة مصرية بكل معاني الكلمة، وهي ما زالت تسيطر على الوجدان المصري، بل إنها تمثل الشريان الحيوي للعالم أجمع، فلا نعرف حتى الآن قناة ملاحية في العالم ارتبطت بالوجدان المصري مثل قناة السويس.
موضوعات مقترحة
وأضافت "الصبّان"، خلال احتفالية المجلس بمناسبة مرور 60 عامًا على تأميم قناة السويس، ظهر اليوم الأربعاء، في الجلسة الأولى، أن قناة السويس امتزجت فيها المياه بالدماء المصرية الطاهرة، وليس هناك قناة ملاحية في العالم ارتبطت بالتاريخ العسكري لبلد أكثر؛ مما ارتبطت قناة السويس بالتاريخ العسكري لمصر، وعندما نتوقف أمام قناة السويس، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل تاريخ الصراع الذي ارتبطت به منذ أن كانت فكرة في رؤوس فراعنة مصر إلى أن تحولت إلى واقع ملموس.
وأوضحت أن قصة حفر قناة السويس قصة قديمة ذات جذور بعيدة ترجع إلى الوقت الذي سعى فيه الغرب للاتصال بالشرق من أقصر طريق ممكن، فتولد في خيال البشر مشروع شق قناة في برزخ السويس، وقد ارتبط هذا المشروع بشهوة الاستعمار والاحتلال وجنون الرغبة في الاستيلاء على ثروات الشرق وكنوزه.
واستعرضت فكرة حفر القناة وأنها كانت الشغل الشاغل للدبلوماسية الفرنسية طوال أيام حكم لويس الرابع عشر، وفي الوقت نفسه سعى تجار فرنسا المقيمون في مصر لخلق رأي عام فرنسي يلح في طلب شق قناة في برزخ السويس حتى صار مشروع القناة هو العمود الفقري في برنامج نابليون بونابرت الاستعماري، وكان هذا المشروع أنشودة رجال الثورة الفرنسية ومن قاموا بعدهم في البرلمان الفرنسي يستحثون فرنسا ألا تدخر جهدًا لاحتلال مصر.
ومن جانبها، قالت الدكتورة زبيدا عطا، مقرر لجنة التاريخ، إن الشعب المصري شعب يفقد ذاكرته دائمًا، حيث يجهل الكثير من المصريين أحداث تأميم قناة السويس، وما ارتبط بالتأميم من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية، مشيرة إلى أن نحو 120 ألف مصري ماتوا في حفر القناة، وهذه الدماء الغالية ظل يستفيد منها المستعمر الأجنبي، فكنا نحصل على 5% من دخل القناة، وإنجلترا تحصل على 44%، فيما تحصل لجنة المنتفعين على الباقي.
وأوضحت الدكتورة لطيفة سالم، مقرر الاحتفالية، أنه بالرغم من كثرة الدراسات حول هذا الموضوع إلا إنه ما زال يحمل الجديد وخصوصا عند ظهور وثائق تاريخية جديدا واختلاف الرؤي، مؤكدة أن ملحمة قناة السويس منذ حفرها وحتى حفر قناة السويس الجديدة سوف تظل تعيش فى وجداننا وذلك بكل ما طرأ عليها بحلوة ومره، ولا جدال فى أن هناك ارتباطا قويا بين التحرر السياسى والاقتصادي وارتباطهما بالأمن الوطني، والقومى.
في الجلسة الثانية من الاحتفالية، تناولت الدكتورة عنايات عمر، دور البرلمان البريطاني عقب قرار التأميم، موضحة أنه لعب دورًا أساسيًا في مجريات الأحداث عقب القرار، فقد وقف رئيس الوزراء البريطاني إيدن في مجلس العموم يهاجم الحكومة المصرية ويبين أن القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بنزع ملكية شركة قناة السويس بدون إخطار مُسبق هو نقض لاتفاقيات الامتياز الممنوحة لتلك الشركة والذي يؤثر في حقوق ومصالح العديد من الدول.
وأشارت "عنايات" إلى وسائل الضغط على الحكومة المصرية، أبرزها تجميد الأرصدة مصر الإسترلينية والأصول المالية لشركة قناة السويس، فبمقتضى هذا القرار مُنعت الحكومة المصرية ورعاياها من حرية التصرف في تلك الأرصدة المحفوظة في لندن إلا بموافقة الحكومة البريطانية.
ورأت "عنايات" أن من اللافت للنظر عقب قرار التأميم وُجد توافق كبير داخل البرلمان بين حكومة المحافظين والمعارضة العمالية، وأيدت المعارضة في هذة الفترة المُبكرة قرارات الحكومة ودعمتها فيما تتخذه من إجراءات حيث هاجم زعيم المعارضة جتسيكل الرئيس جمال عبدالناصر، وأعتبر أن ما قام به تحدي سافر أراد به تحدي الدول الغربية، كما أعلن حزب المعارضة تأيده المطلق للعقوبات الاقتصادية التي تم توقعيها على الحكومة المصرية.
واتخذ الموقف نفسه العمالي وتر هاوس، مُعلنًا أن ما قام به "عبدالناصر" يحمل مخالفة واضحة ذات شقين، الأولى قانونية، والثانية أخلاقية، حيث استهدف "عبدالناصر" بحد رؤية "هاوس" إحراج بريطانيا وتعزيز مكانته، مطالبًا بتوقيع أقصى عقوبة عليه.
وروى الدكتور فطين فريد، مُشاهدات تاريخية من خلال لقاءاته الشخصية بالضباط الأحرار، موضحًا أن أزمة تأميم قناة السويس لم تكن وليدة لحظة التأميم، وإنما لها جذور مُنذ اندلاع ثورة 23 يوليو، مشيرًا أيضًا إلى أن قرار التأمين قرار انفرد به "عبدالناصر" حينما وكله الضباط الأحرار بالتصرف نيابة عنهم، فلم يكن يعلم بالقرار سوى مدير مكتبه فقط.