عند دخولك لشارع الشهيد جابر صلاح "جيكا" (قولة سابقا) تجد رسوم الجرافيتى هنا وهناك لتدلك على منزل جيكا، وفى حجرته التى تحولت لشبه نصب تذكارى ومتحف لتأبينه جلس عم صلاح والد "جيكا" أول شهيد فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ليحدثنا عن ذكرياته مع ابنه وعن يوم استشهاده.
قال صلاح والد الشهيد جيكا : ابني كان "ولد طيب ومتفوق فى دراسته ورياضي" وعندما كان عمره 16 عاما نظم مسيرة لوزارة التربية والتعليم تطالب بحق المعلم لدرجة أن الوزارة كرمته وكان يحلم مثل باقى الشباب بالتغيير ويؤمن بمحمد البرادعى وكان يسمى نفسه "جيكا برادعاوى"، وشارك فى كل فعاليات الثورة واضطر لتأييد محمد مرسي فى مواجهة أحمد شفيق بعد رفض البرادعى خوض الانتخابات الرئاسية وخروج صباحى من السباق، وبعد اكتشافه جماعة الإخوان على حقيقتها بدأ يدعو للثورة عليهم وأسس صفحة تسمى "معا ضد الإخوان" مع اثنين من أصدقائه، وبدأ يهاجم الإخوان بشراسة عبر الصفحة حتى وصله تهديد قبل ذكرى محمد محمود من الإخوان بأن أحدهم سيموت.
أضاف أنه قبل يومين من الذكرى الأولى للأحداث، قامت الشرطة بعمل تحريات عنه فى المنطقة ولم تسفر عن شيء ضده، وقال : لا أحد ينكر أن جهاز الشرطة كان بداخله إخوان، وفى يوم الذكرى نزل ابني وشارك بسلمية، ولكن صباح اليوم التالى كان متوجها لمدرسته إلا أنه تلقى مكالمات هاتفية تخبره بإصابة صديقيه المؤسسين معه للصفحة المهاجمة للإخوان فى محيط محمد محمود فهرع إلى هناك، وتلقى رصاص بخرطوش مباشر على بعد أمتار قليلة وسقط جيكا شهيدا على الرغم من عدم وجود اشتباكات فى ذلك الوقت، لذا اعتبر ذلك اغتيالًا رسميًا له.
وأوضح والد الشهيد، أن جيكا بدأ يهتم بالنشاط السياسي منذ اندلاع ثورة 25 يناير وسعى للانضمام لحركة 6 إبريل وجمد عضويته فيها قبل استشهاده بفترة لاختلافه مع توجهات قيادات الحركة، وعندما بلغ 16 عاما استخرج بطاقة شخصية كى ينضم لحزب الدستور الذى أسسه د. محمد البرادعى واستشهد بعدها بعام.
"لن أسكت عن حق جيكا ولن أقبل بأى تعويض غير القصاص العادل له".. هكذا أكد والد جيكا، مشيرا إلى أن النائب العام السابق فى عهد الإخوان طلعت إبراهيم قام بإغلاق القضية وبعدها فتحها المستشار عبدالمجيد محمود قبيل استقالته، متسائلا لماذا لم تتم محاسبة أى أحد أو مسئول برغم أنها قضية اغتيال واضحة لأنه كان مهددًا من قبل الإخوان وكان هناك شهود رأوا قناصًا فى صفوف الداخلية وهو يضربه بالرصاص، كما أن تقرير الطبيب الشرعى يؤكد أن عيار الخرطوش المصاب به جيكا تم إطلاقه من مسافة قريبة جدا ولا يستخدم إلا لدى القوات النظامية، على حد قوله.
وأضاف أن أهالى الشهداء ليس بيدهم شيء ولكن لا أحد يلومهم بعد ذلك إذا ما طالبوا بأن يحقق القضاء الخارجى فى قضايا مقتل أبنائهم، وقال :للأسف الأقوياء فى هذا البلد لا تتم محاكمتهم، فلم نستطع محاكمة أى ضابط فالقانون يطبق هنا على الغلبان والضعيف فقط ومصر لن تستقر سوى بتحقيق العدل فقط.
لا يرى عم صلاح أن 30 يونيو حققت ما خرج جيكا من أجله لأن جيكا كان يسعى ويطالب دائما بالقصاص وحق الشهداء، مضيفا "نرى أن هناك بوادر للعودة للخلف، فرئيس الجمهورية يعين مستشارا له مسئولًا عما حدث فى ذكرى أحداث محمد محمود، فهل هذه هدية ملائمة لأهالى الشهداء؟! كما أن أهالى الشهداء لم يصرفوا مستحقاتهم التى أقرها الدستور على الرغم من أن أهالى شهداء الجيش والشرطة يصرفون مستحقاتهم بشكل دورى، فلماذا إغفال حقوق أهالى الشهداء المدنيين، وهناك تفرقة من قبل الدولة ولهذا لن تهدأ الثورة وتقوم إلا بالعدل وحده".
وحول محاكمات الإخوان ومحاكمات نظام مبارك؛ اعتبر أن كلها تمثيليات تنتهى بصفقات، على حد تعبيره، متعللا بأنه لو كانت توجد نية لمحاكمة الفاسدين ومن أجرموا بحق الوطن لحوكم مبارك منذ زمن أو حوكم مرسي وقيادات الإخوان بأحكام رادعة، معربا عن اعتقاده أن تلك المحاكمات لن تؤدى لأحكام عادلة.
وقال والد جيكا أنه لا يشعر بتغيير فى أسلوب الداخلية وعلاقتها بالشعب بعد 30 يونيو، مضيفا "برغم اتهامى للداخلية بالتواطؤ مع الإخوان وقتل جيكا إلا أننى أرى أنهم جانى ومجنى عليه فى نفس الوقت، لأن أى سلطة سياسية ترتكب الأخطاء تحمل أخطاءها للداخلية وتتركها لمواجهة الشعب الغاضب ثم ترتكب الداخلية أخطاء بحق الشعب خلال حمايتها للنظام وتتحملها وحدها بسبب اقحامها فى السياسة كذراع أمنى للسلطة، لذا أرجو إلغاء منصب وزير الداخلية واستبداله بمنصب رئيس المجلس الأعلى للشرطة ويكون بالانتخاب كى يكون مستقلًا عن السلطة وانتمائه للشعب فقط".
واعتبر أن قانون التظاهر جعل صورة مصر سيئة أمام العالم وأنه يتناقض مع قول السلطة بأنها تطبق الديمقراطية، بينما اعتدت عليها عبر هذا القانون الذى منع حق التظاهرات السلمية التى كفلتها الدساتير العالمية.
وبسؤاله عن رأيه فى أداء الرئيس؛ أجاب "كمواطن لا يعجبنى أداء الرئيس فى بعض القرارات التى أصدرها واختلف معه، إلا أنه يجب أن نكون منصفين فهو لم يأخذ فرصته بعد فى ظل الضغوط المحيطة بنا بالداخل والخارج".
واقترح والد جيكا على الرئيس بأن يفرج عن شباب الثورة بالسجون ويتفق مع الشباب على التوقف عن التظاهر لمدة عام كامل نمنح خلاله الحكومة والرئيس فرصتهم الكاملة وبعدها نقيم الأداء، معربا عن ثقته أن الشباب سيستجيب لكن يجب أن يبادر الرئيس بتلك الخطوة أولا ليثق به الجميع.
ومع ذكرى محمد محمود وجه والد جيكا رسالة لشباب الثورة قال فيها "طالبتكم بعد 30 يونيو بعدم النزول حتى لا يتم حسابكم على الإخوان وأنتم الفصيل الوحيد بمصر الذى لم تتلطخ يده بالدماء وأنتم أنقى ما فى الثورة ولابد أن تدركوا أن الثورة بلا سياسة هى فوضى وسبب انتكاس الثورة افتقادها لمن يوجهها سياسيا وليس شرطا أن تحكم الثورة ولكن الأهم أن تنجح فى تغيير الأوضاع التى اندلعت من أجلها.
كما وجه رسالة للإخوان قال فيها"أخذتم الفرصة الكاملة ولكنكم خنتم الوطن وأفزعتم الشعب على مستقبله لدرجة أنه كرهكم بسرعة شديدة، لذا توقفوا عن المطالبة بفرصة ثانية لأن الشعب لن يسمح لكم وإذا كنتم تريدون الاندماج بالشعب فلتتوقفوا عن دعم الأعمال الإرهابية وفرض فكركم على الآخرين وابتعدوا عن السياسة".
واختتم والد جيكا حواره معنا بمناشدة للرئيس السيسي طالبه فيها بالإفراج عن الشباب المحتجز بالسجون خاصة من شارك فى 25 يناير و30 يونيو التى أتت به رئيسا لمصر، مضيفا "إذا كان الرئيس قد أصدر قانونا يسمح بتسليم المتهمين الأجانب لبلادهم فالشباب المصرى أولى بالإفراج عنه لأنه أمل ومستقبل مصر وأدعوه ليثبت بذلك حبه للشعب، كما أطالبه بالحفاظ على مستقبل شباب الجامعات والتراجع عن قرارات فصلهم لأن الاحتجاج والتظاهر ليس جريمة بل حق كفله الدستور ودساتير العالم وليحاكم فقط من ارتكب جريمة وتورط بالدم".## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ## ##