سبعة أيام من الصمود رسمت ملامح تلك الموجة التى بدأت فى العاشرة من صباح 19 نوفمبر 2011 عندما هجمت قوات الأمن المركزي على اعتصام للعشرات من مصابي الثورة في صينية ميدان التحرير عقب مليونية "جمعة المطلب الواحد" التي سبقت انتخابات مجلس الشعب بأسبوع، التى حمل فيها المتظاهرون مطلب تحديد موعد للانتخابات، ونقل السطة من المجلس العسكرى لسلطة مدنية منتخبة بعد الغضب الذى أثارته ما عرف بـ"وثيقة السلمى". وهي مقترحات للمسار السياسي قدمها علي السلمي نائب رئيس الوزراء ورفضتها القوى الثورية.
ومع قيام قوات الأمن بفض الاعتصام بالقوة ووقوع إصابات، بدأت أعداد كبيرة من المتظاهرين الغاضبين في التوافد للميدان لحماية المعتصمين، ثم اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، تبادل فيها الطرفان الرشق بالحجارة، واستخدمت القوات الغاز المسيل للدموع، لتتمكن من إخلاء الميدان من المتظاهرين.
وسيطرت قوات الأمن على الميدان ومداخله، إلا أن المتظاهرين أعادوا التجمع في المناطق القريبة بميادين طلعت حرب وعبدالمنعم رياض، وعادوا لمحاولة دخول الميدان، فانسحبت المدرعات نحو وزارة الداخلية، واستخدمت قوات الأمن قنابل الغاز وطلقات الخرطوش، وأصيب أحمد حرارة وأحمد عبدالفتاح ومالك مصطفى، ثم سقط الشهيد الأول أحمد محمد محمود "23 سنة".
وفي اليوم التالي تجددت الاشتباكات مع انضمام أعداد كبيرة من الطلاب للمتظاهرين وقيام الأمن بحرق خيام المعتصمين، وكان المشهد الأبرز الذى أشعل الغضب فى ذلك اليوم مشهد سحب أحد أفراد قوات الأمن لجثة شاب بجوار مقلب للقمامة، فتدافع الغاضبون على الميدان وفشلت التهدئة التى دعا لها الجميع.
ثم أصدر مجلس الوزراء بيانا، أكد فيه حق المواطنين في التظاهر السلمي والتزامه بإجراء انتخابات البرلمان في موعدها 28 من الشهر نفسه، ودعمه الشرطة لتحليها بأقصى درجات ضبط النفس في مواجهة أعمال العنف، فيما سقط قرابة 1700 مصاب و10 شهداء – حسب الإحصاءات الرسمية.
وفى يوم الاثنين 21 نوفمبر تجددت الاشتباكات وفشلت مساعى الوصول لتهدئة، كما ارتفعت المطالب بإقالة حكومة عصام شرف وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً دعا فيه للحوار، وأبدى أسفه لسقوط ضحايا ومصابين، وأمر وزارة العدل بتشكيل لجنة تقصى حقائق في الأحداث وارتفعت أعداد المصابين مع نهاية اليوم إلي 1902 مصاب و24 قتيلا من المتظاهرين منذ بداية الأحداث - حسب الإحصاءات الرسمية.
واتفقت القوى الثورية بالميدان 22 نوفمبر على جدول زمني محدد لتسليم السلطة للمدنيين يبدأ بالانتخابات البرلمانية خلال نفس الشهر، وينتهى بتسليم السلطة كاملة لبرلمان ورئيس مدني منتخب في موعد أقصاه 15 مايو 2012.
وألقى المشير محمد طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أول خطاب منه للشعب المصري، أوضح خلاله أن المجلس العسكري قبل استقالة حكومة عصام شرف مع تكليفها بتسيير الأعمال، وأكد التزام المجلس بإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في موعدها، أما الجديد فهو تحديده موعدا للانتخابات الرئاسية، قبل شهر يونيو 2012 لكن الموعد قوبل بغضب من جانب المتظاهرين بالميدان.
ومع تجدد الاشتباكات الأربعاء نجحت مسيرة مكونة من شيوخ الأزهر والأوقاف والأطباء في التوصل إلى تهدئة بين الطرفين لنحو نصف ساعة، فصلت خلالها القوات المسلحة بينهما بعدد من الجنود، وأعلن المتظاهرون العودة للتحرير، ولكن تجددت الاشتباكات العنيفة بإلقاء الشرطة لقنابل الغاز من فوق القوات المسلحة.
استقبل ميدان التحرير مسيرات تضامنية عديدة من جانب طلاب الجامعات وألتراس أهلاوي والزمالك، واستغل الإخوان وبعض المنتمين للإسلام السياسيى تلك الأحداث لمصالحها الخاصة ، مشككين فى صحة وقوع ضحايا ومتهمين المتظاهرين وشباب الثورة بإفساد "العرس الديمقراطى" بانتخابات البرلمان التى كانت ستبدأ بعدها بأيام.
فى اليوم التالى شهد الميدان مظاهرة حاشدة تطالب برحيل المجلس العسكري وتسليمه السلطة إلى مجلس رئاسي مدني، وشهدت المظاهرات هتافات ضد الإخوان بسبب ما اعتبره المتظاهرون خيانة للثوار.
انطلقت دعوات لإقامة مليونيات الجمعة 25 نوفمبر في التحرير وميادين مصر تحت مسمى (جمعة الفرصة الأخيرة) وإقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء أحداث نوفمبر، وفي نفس الوقت كانت هناك مظاهرة أخرى لمؤيدي المجلس العسكري في ميدان العباسية، كان قد دعا إليها توفيق عكاشة مالك قناة الفراعين الفضائية. وأعلن المجلس العسكرى تشكيل حكومة جديدة برئاسة كمال الجنزورى، الأمر الذي أثار غضب بعض المتظاهرين، معلنين الاعتصام عند مجلس الوزراء لمنع الجنزوري من دخوله، وهو ما أدى لأحداث مجلس الوزراء بعد ذلك.
فى اليوم التالى الجمعة 25 نوفمبر توافد الآلاف على الميدان من بينهم قيادات سياسية وشخصيات عامة على رأسهم الدكتور محمد البرادعى، باستثناء جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، الأمر الذى جدد الهتافات ضد الإخوان واتهمت بخيانة الثورة لحساب مسعاها للوصول للسلطة.
ومع حلول العام التالى بعد تولي جماعة الإخوان الحكم شهد محيط محمد محمود اشتباكات متجددة مع الشرطة خلال إحياء الذكرى الأولى لتلك الأحداث، وتوقع الكثيرون أن يكون الموقف مختلفا من قبل السلطة المنتخبة، إلا أن الاشتباكات تجددت، وأسفرت عن سقوط ما يقرب من 150 مصابا ومقتل شخصين أحدهما جابر صلاح "جيكا" ليكون أول شهيد فى عهد محمد مرسي وأول مسمار فى نعش حكم الإخوان.
اتضح بشدة إيمان الإخوان بأن الثورة انتهت، بوصولهم للسلطة وأن ما تسعي إليه الجماعة بعد وصولها للسلطة لا يزيد على كونه إصلاحا وفق رؤيتها فى إطار أخونتها لأجهزة الدولة، وليس تحقيق مطالب الثورة التى كان أبرزها هيكلة الداخلية والحفاظ على الكرامة الإنسانية.