Close ad

هيكل ورؤساء مصر.. قصص الصداقة والعداء من عبد الناصر والسادات إلى مبارك ومرسي

24-9-2012 | 00:21
محمد نجيب
أحمد حافظ
على مدى 70 عامًا، هى رحلة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى بلاط صاحبة الجلالة، عاصر خمسة رؤساء للجمهورية، أربعة منهم انتموا للمؤسسة العسكرية، والأخير أستاذ جامعي خرج من عباءة جماعة ظلت محظورة في عهد الرؤساء السابقين.

عاش هيكل بين دهاليز الرؤساء مؤثرًا بأفكاره وهو قريب من الرئيس، ومؤثرًا بمواقفه وهو بعيد عن الرجل الأول، و"الجورنالجي" هيكل كما يحب أن يلقب له حكايات مع رؤساء مصر، عكف على تدوينها مرات وتكفلت كتب المؤرخين ببعضها، حول علاقته برؤساء مصر التى تراوحت من الصداقة والمشاركة في صنع القرار السياسي، إلى التوتر والفتور والعداء.

نجيب- الخصم الدائم
محمد نجيب
كانت الاتصالات بين "الأستاذ" واللواء محمد نجيب تجري على أرضية غير ممهدة، بسبب ما ردده هيكل سنة 1953 حول كون نجيب لا يصلح للاستمرار في رئاسة مصر، لعدم تطابق صفات الترشح عليه، خاصة فيما يتعلق بجنسية الأم التي قال هيكل إنها كانت سودانية.

يقول الكاتب الصحفي محمد ثروت مؤلف كتاب "الأوراق السرية لمحمد نجيب" إن "هيكل" صاحب مقولة الجنسية السودانية لوالدة "نجيب" بدعوى أن الإنجليز كانوا يبحثون عن رجل تجري في عروقه دماء سودانية أو تركية، لكي يضعوه على رأس السلطة في مصر، بدلًا من الضباط الشبان أعضاء مجلس قيادة الثورة.

يضيف ثروت: كانت هناك حالة من عدم الود الشديد، بين كل من اللواء محمد نجيب، والكاتب محمد حسنين هيكل، ويتضح ذلك من خلال وثيقتين، الأولى تخص مقالًا نشره هيكل في صحيفة الأهرام عام 1973 بعنوان "شبح من الماضي"، وسخر فيها هيكل من كتاب (كلمتي للتاريخ) الذي أصدره نجيب في العام نفسه، ورد نجيب على مقال هيكل، لكن الأخير قام بنشره في صفحة الوفيات، بعدها أرسل نجيب نفس الرد إلى أخبار اليوم، ولإحسان عبد القدوس تحديدًا، وكشف خلاله العديد من الوقائع، وعلى رأسها أن هيكل طلب منه مرارًا إجراء مقابلة إلا أن نجيب كان يرفض ذلك.

لم يكتفِ "هيكل" بما أورده فى مقالته عن نجيب – حسبما يكشف ثروت- بل زاد "الأستاذ" من هجومه على نجيب بأن اتهمه بالعمالة لأمريكا- وذلك فى كتاب عبدالناصر والعالم- من خلال واقعة تلقيه مبلغ 3 ملايين دولار، كاعتماد أمريكي، لبناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية، مما دفع نجيب لمقاضاة هيكل أمام محكمة جنايات الجيزة، فى نوفمبر من عام 1972، إلا أن هيكل استطاع أن يصل إلى صيغة تصالح مع نجيب، مقابل نشر هيكل بيان تكذيب فى صحف "ديلي تلجراف" والأهرام والنهار اللبنانية، ورحل نجيب عن الحياة قبل أن تصفو العلاقة بينه وبين الأستاذ هيكل.

عبدالناصر- الصديق الدائم
جمال عبد الناصر
حين كشف "الأستاذ" عن أول لقاء جمعه بـ"البكباشى جمال" - هكذا وصفه- وذلك فى برنامجه على فضائية الجزيرة يوم 18 مايو من عام 2006، قال: "أدركت وأنا أتكلم معه، أننى أتحدث مع شخص يفهم التاريخ والاستراتيجية جيدا ، وملم بقضية فلسطين، ويفهم فى الأدب والشعر والثقافة، وكانت اهتماماته تتسع خارج حدود وظيفته".

علاقة الصداقة بين هيكل وعبد الناصر نقلته من خانة الصحفي الذي يبحث عن المعلومات، إلى خانة المشارك في صنع القرار، والمحرك للعديد من الأحداث، وأحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، وفقًا لموقع "ويكيبيديا".

الكاتب الراحل أنيس منصور كان يرى أن "هيكل كان مفكّرعبدالناصر، وصاغ الفكر السياسي للزعيم في هذه الفترة، ولم يحصل أي شخص على هذا الدور، وأكاد أقول إن عبدالناصر من اختراع هيكل" وذلك في حوار مع فضائية (أون تي في)، يوم 21 أغسطس 2011.
وحين تحدث هيكل عن فترة معاصرته للزعيم، قال: "كان عبدالناصر يتصل بي مرتين، الأولى قبل نومه، والثانية عندما يستيقظ".

السادات من التحالف إلى القطيعة
محمد أنور السادات
اتخذ البعض من علاقة هيكل والسادات، نموذجًا لعلاقة كاتب وسلطان، بدأت بالتحالف وتوحد المقاصد، بينما انتهت بالعداء.

عقب تولى السادات رئاسة الجمهورية، بعد وفاة عبدالناصر في سبتمبر 1970، كتب هيكل ثلاثة مقالات حملت عنوان "السادات وثورة التصحيح" أشاد خلالها "الأستاذ" بالرئيس الذي لم يكمل عامه الأول وقتها في سدة الحكم، وقال في أحدها: "كان السادات هائلًا في هذه الساعة الحاسمة من التاريخ بأكثر مما يستطيع أن يتصور أحد.. كانت قراراته مزيجًا مدهشًا من الهدوء والحسم.. هذه المرحلة هي التي ستجعل من أنور السادات - بإذن الله- قائدًا تاريخيًا لشعبه وأمته، لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها".

ظلت علاقة هيكل بالسادات جيدة حتى حرب أكتوبر، لكن هيكل رفض طريقة تعامل الرئيس السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيًا، وكان يرى أن السادات يعطي للولايات المتحدة دورًا أكبر مما ينبغي بعد انتصار تحقق بسلاح جاء من الكتلة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي.

انتهى خلاف السادات مع هيكل بقرار أصدره السادات في الثاني من فبراير 1974، بنقل هيكل من الأهرام للعمل مستشارًا للرئيس، وهو ما رفضه هيكل بوضوح، وعلق عليه في تصريح لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية بعد القرار بأيام قائلا: "إنني استعملت حقي في التعبير عن رأيي، ثم أن الرئيس السادات استعمل سلطته، وسلطة الرئيس قد تخول له أن يقول لي أترك الأهرام، لكن هذه السلطة لا تخول له أن يحدد أين أذهب بعد ذلك، القرار الأول يملكه وحده، والقرار الثاني أملكه وحدي".

بلغ الصدام ذروته بين هيكل والسادات، عندما تحدث الأخير أمام كاميرات التليفزيون فى شهر سبتمبر سنة 1981، متهمًا هيكل بأنه لم يعد صحفيًا بل سياسيًا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة، و"ليس من حقه كصحفي أن يناقش القرار السياسي، فتلك مسئولية الرئاسة".

كان قرار السادات بإبعاد هيكل عن "الأهرام" بداية القطيعة بينهما، واستكمل السادات بوضع هيكل في السجن ضمن اعتقالات طالت كثيرين من المعارضين في سبتمبر 1981، ورحل السادات بعد حادث اغتياله خلال العرض العسكري، في 6 أكتوبر من العام نفسه، وحاكمه هيكل في الكتاب الذي حمل اسم "خريف الغضب"، حيث حمَّله هيكل مسئولية ما رأى أنه تعامل خاطئ في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر.

مرت سنوات على رحيل السادات وبدأ قرن جديد وفي إحدى ندواته بالإسكندرية قال هيكل إنه يشعر بالامتنان بأثر رجعي لما قام به السادات بإرجاع سيناء بعدما قارن وضع مصر بسوريا والأراضي الفلسطينية.

وفي مقال "استئذان في الانصراف" بدت لهجة هيكل تجاه السادات متفهمة واختفت فيها نبرة العداء وبدا أن الأستاذ وهو في الثمانين أكثر تفهمًا لمواقف الرجل الذي أخرجه من الأهرام.

مبارك من التأييد إلى المعارضة
محمد حسني مبارك
كان الرئيس السابق يعرف جيدا قيمة وتاريخ هيكل لمعرفته المسبقة بعلاقة "الأستاذ" بالرؤساء السابقين، وتأثيره عليهم، لذلك دعاه إلى قصر الرئاسة بعد الإفراج عنه، بعد اغتيال السادات، ليمتد الحوار بينهما إلى 6 ساعات متواصلة، وفقا لما أورده هيكل فى كتاب "مبارك من المنصة إلى الميدان".

كان "الأستاذ" معجبًا بمبارك فى بداية حكمه، وأعلن تأييده الشخصي له، بل تجاوز الأمر حدود الإعجاب، ودعا هيكل المواطنين لتأييد مبارك ومساعدته لينجح فى مهمته، حيث رأى "الأستاذ" أن الصفحة التى فتحها مبارك معه ومع غيره من السياسيين الذين ألقاهم السادات فى سجونه، باتت صفحة مشرقة تستحق المساندة.

عقب أول لقاء جمعهما معًا، حصل هيكل من مبارك على رخصة مفتوحة للاتصال به فى أى وقت يشاء، لكن "الأستاذ" لم يستخدمها ولا مرة، على حد قوله، إلى أن وسافر ألمانيا للعلاج، فاتصل به مبارك وعرض عليه العلاج على نفقة الدولة، لكن هيكل رفض.

كان مبارك يود أن يمد جسور التواصل مع هيكل، بعدما أصبح رئيسًا، لكنه كان يظن أن "الأستاذ" أدرى منه ببواطن الأمور داخل وخارج البلاد، لتواجده فى محيط صنع القرار عبر سنوات عدة، لكن هيكل اختار أن يكون بعيدًا، وأن يتفرغ لكتاباته فقط، تلك التي تزعج مبارك وبعض رموز نظامه.
كانت المحاضرة التى ألقاها هيكل فى الجامعة الأمريكية، عام 2002، بمثابة رصاصة في قلب نظام مبارك، بعدما قال إن "السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلابد أن نقول كفاية".. فى إشارة إلى ضرورة رحيل مبارك عن الحكم".

مرسي تساؤلات قبل الرئاسة
محمد مرسي
قبيل إجراء انتخابات الرئاسة، طرح هيكل في حوار مع صحيفة الأهرام عدة تساؤلات، في حالة فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس، كان من بين تلك التساؤلات: كيف يتصرف الرئيس مرسي إزاء وزارة الداخلية، وللإخوان ثأر معها؟ وكيف يتصرف مع وزارة الدفاع، وللإخوان خطة للنفاذ إلى الجيش، باعتباره وسيلة السيطرة الكبرى؟ وإذا وقع ذلك فأين نظرية الأمن المصري؟ مع العلم بأن قواعد الأمن القومي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ عربية، وليست إسلامية.

إلى ماسبق من تحديات وضعها هيكل أمام الرئيس مرسي، تساءل أيضا: ماذا يمكن أن يحدث بين الرئيس مرسي وبين الأزهر، وبين الكنيسة، ومع المحكمة الدستورية العليا؟ ما يمكن أن يفعله الرئيس مرسي مع مؤسسة التعليم، ومؤسسة الإعلام، ومؤسسة الجيش الموصولة بالأمن القومي، ومؤسسة الأمن الموصولة بأمن المواطنة، ومؤسسة الثقافة الموصولة بالعالم وبالعصر؟ وقرر هيكل "هناك إذن معضلة".

ورغم ما طرحه من تحديات وتساؤلات لم يجب عليها، قال هيكل: "إنني واحد من الناس الذين طلبوا ومازالوا يطلبون فرصة حكم للتيار الديني، يجرب فيها مسئوليات الدولة، لكن التصرفات حتى الآن تدعو للقلق، والقضية أن الإخوان إذا كسبوا فهي معضلة تواجه البلد، وإذا خسروا فهي معضلة أخرى تواجه البلد أيضا".

فى الأول من يوليو الماضي، تحدث "الأستاذ" للمرة الأولي عقب فوز الدكتور محمد مرسي، بمنصب رئاسة الجمهورية، كأول رئيس مدني للبلاد، وقال فى حواره مع صحيفة "صنداي تايمز البريطانية": إن مرسي رجل طيب جدا على المستوى الشخصي، لكننى لست متيقنًا من مدى معرفته بالعالم العربي، والسياسة المصرية".

اعتقد هيكل فى حواره أن النجاح لن يكون حليفًا للإخوان، ومع ذلك يؤمن بضرورة منح مرسي والحركة الإسلامية التي يمثلها الفرصة، قائلا "لقد ظلوا في مسرح الأحداث ردحا طويلا من الزمن، وهم يشكلون تيارا يظن البعض أن فيه الخلاص".

وكان هيكل قد كشف لبعض المقربين أن الدكتور محمد مرسي زاره في مزرعته ببرقاش مع الدكتور سعد الكتاتني القيادي الإخواني ورئيس مجلس الشعب المنحل، واستمر اللقاء الذي عقد قبل الانتخابات الرئاسية لنحو ثلاث ساعات.

بعد حوار هيكل مع صحيفة الأهرام، فى شهر يونيه من العام الماضي، قام الدكتور محمود غزلان، المتحدث باسم الجماعة بالرد على وقائع ذكرها هيكل حول الجماعة، قال إنها أساءت إليهم، وتعلقت بضلوعهم في اغتيال النقراشي باشا، ومحاولتهم اغتيال جمال عبدالناصر في الإسكندرية، واستخدامهم العنف – أحيانًا- فى الدفاع عن قضاياهم، واستعمالهم في معركة الخلافة بين الطامعين فيها من القادة العرب، وعلاقة الإخوان بحركة طالبان وتنظيم القاعدة.

كان رد غزلان على هيكل: "لا أدري هل هو أجاد القول أم أنه يهدف إلى إحياء فكرة الفزاعة من الإخوان والتحريض عليهم فى الداخل والخارج"، ثم انتهى الرد بنفى كل ما ذكره هيكل حول الإخوان".. وبعد هذ الرد استمر صمت "الأستاذ" حتى هذه اللحظة كما تعود دائما.

ورغم لقاء هيكل مع مرسي قبل الانتخابات، فالمؤكد أن العلاقة بينهما لن تبلغ ما بلغته صداقة هيكل مع عبدالناصر أو عداوته مع السادات.
كلمات البحث
الأكثر قراءة