Close ad

شريف دلاور لـ"الأهرام": «25 يناير» بريئة من تدهور الاقتصاد.. وجنون الأسعار فى مصر مشكلة مزمنة

25-1-2017 | 11:22
شريف دلاور لـالأهرام « يناير بريئة من تدهور الاقتصاد وجنون الأسعار فى مصر مشكلة مزمنةصورة ارشيفية
زينب عبد الرزاق

ثورتا 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 ليستا السبب المباشر فى أزمات الاقتصاد المصرى الراهن،هذا ما أكده المفكر والخبير الاقتصادى الكبير شريف دلاور أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا ومستشار منظمة التنمية الصناعية بالأمم المتحدة بوضوح، وكالطبيب الماهر حدد المرض وشخص العرض، وبذكاء الجراح المتمكن وضع يده على بؤرة الألم وبمنتهى التواضع والعلم والفهم كتب روشتة العلاج..

موضوعات مقترحة

 

عرضت عليه الأسئلة التى تشغل بال الشارع المصرى بشرائحه المختلفة، ما سبب أزمات الاقتصاد المصرى الحقيقية؟ هل كانت لدينا قاعدة إنتاجية قوية أم هشة قبل 25 يناير 2011؟ أم مجرد اقتصاد ريعي؟ وما الحل لتوقف تراجع الاقتصاد المصري؟ وتوقف انخفاض معدلات النمو؟ وهل هناك حل لتوقف هذا الغلاء المتزايد المتوحش الذى تشهده الأسواق المصرية؟ وهل يمكن إنقاذ الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة من الانهيار؟ أم أن مصيرها هو الفقر والعوز والتسول؟ وما الذي يمكن لإصلاح الاقتصاد؟ وما المفروض القيام به وما الحلول للعبور من هذه الأزمة الراهنة.

 

وإليكم نص الحوار:

 

كيف ترى التحديات الاقتصادية التى تواجهنا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟

 

أولا يجب الإشارة إلى أن الثورتين سواء 25 يناير أو 30 يونيو بريئتان من إشكالية الاقتصاد المصري، فهما تعانيان أعراض المشكلة وليستا سببا فى المشكلة الاقتصادية أى ليستا سببا فى المرض ذاته، وهذه نقطة مهمة جدا إذا أردنا التعامل مع التحديات التى تواجه الاقتصاد المصري بعد الثورتين، فالقاعدة الإنتاجية والخدمية المصرية فى الماضي كانت هشة ومعتمدة فى معظمها على الخارج سواء فى استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج وأيضا فى الاستهلاك الكثيف المعتمد على الثروات الورقية من السمسرة أو البورصة أو الواسطة أو الفساد على حساب الإنتاج والاقتصاد الحقيقي.

 

 لقد تمت تغطية عورة الاقتصاد المصري قبل الثورتين بواسطة دخل السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج وايرادات قناة السويس، وهذا اقتصاد ريعى بالدرجة الأولي، وهو المرض والسبب المباشر لما نعانيه من أعراض اليوم، بعد انقطاع الرزق الخارجى من السياحة والتحويلات ،ولو كان اقتصادنا قبل الثورة بنى على أسس سليمة، وإذا لم يتم نهبه بصورة منتظمة قبل الثورة لكان الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى 2011 يتعدى بسهولة المائة مليار دولار وليس 35 مليار دولار، كما كان الوضع، ولأمكن السيطرة على أزمات ما بعد ثورة 25يناير سواء نتيجة الإرهاب أو انقطاع السياحة ولتمكنا من امتصاص الصدمات ،دون تدهور اقتصادي، وهنا يجب أن نتذكر أزمة الإرهاب فى الأقصر فى السياحة 1997 وما تبعها فى 1998، 1999 من كساد وارتفاع سعر صرف الدولار بالنسبة للجنيه المصرى إلى 7 جنيهات ثم نزوله إلى 5 جنيهات ونصف الجنيه وما تبعه من أزمات لديون قيمتها 60 مليار جنيه،وصدور قانون رقم 88 لسنة 2003 لتنظيم القطاع المصرفى فى مصر، ولو كان الارهاب الآن بسبب داعش والحرب الدائرة حولنا لكان سعر الدولار 20، 25 جنيها فى 2005، وهذا لأن الوضع يدل على هشاشة الاقتصاد المصرى قبل الثورة فهشاشة الاقتصاد المصرى قبل الثورة، لا تتحمل الصدمات.

 

كيف يتم وقف تراجع الاقتصاد المصري؟ وانخفاض معدلات النمو؟

 

أبدأ من الجزء الثانى من سؤالك.. معدلات النمو فى حد ذاتها، ليست دلالة لأحداث التنمية الحقيقية، فالمستفيد من معدلات النمو العالية قبل ثورة 25 يناير، كانت الفئة العليا من المجتمع وجزءا من الشريحة العليا للطبقة الوسطي، علاوة على الشركات الأجنبية التى سيطرت على القطاعات الإنتاجية والخدمية فى مصر وكل ذلك على حساب الطبقة الوسطى العريضة، و42% من الشعب محدودو الدخل، أى أن توزيع ثمار النمو لم يكن عادلا ومن هنا كان المطلب الثورى بالعدالة الاجتماعية وبالتالي، 4% أو 5% نموا يتم توزيعها بشكل عادل أفضل من 8% أو 9%.

 

دون ذلك إذن توزيع النمو وليس النمو فى مصر ذاته، وفى اعتقادى أن المشروعات الاقتصادية الكبرى التى يتم تنفيذها حاليا (محور قناة السويس ـ محطات الكهرباء ـ الطرق ـ الاسكان الشعبى المطارات) رغم نقد البعض لها، فهى علاوة على امتصاص البطالة فى فترة الأزمة الحالية ستكون المعول الرئيسى فى المستقبل القريب للنمو الاقتصادي، فالبنية الأساسية هى قاعدة الاستثمار، وازدهار الاقتصاد الحقيقي، وبالطبع أيضا هناك التشريعات مثل قانون الافلاس الجديد، أو قانون العمل، أو قانون المنافسة ومنع الاحتكار، وكلها تؤدى إلى نمو الاقتصاد وعدم تراجعه، أيضا مهم جدا لإحداث النمو، علاوة على التعامل مع التحديات فى سؤالك السابق: إصلاح الجهاز الإداري للدولة، وتذليل التعقيدات البيروقراطية التى تعوق العمل والإنتاج فى مصر، واختصار عدد الوزارات وتحقيق قدر أكبر من المركزية.

 

أما بالنسبة للدين الخارجى والدين المحلى الذى أثير حولهما لغط كبير، فارتفاع الدين الخارجي إلى 60 مليار دولار كما أعلنه البنك المركزي أخيرا، لا أرى فيه خطرا، لماذا؟ لأنه عندما أحلل الدين الخارجى فأنا أنظر إلى ثلاثة أمور أولا: خصائص الدين وشروطه فالديون الخارجية المصرية فى معظمها لدول ومؤسسات دولية.

 

ثانيا: هذه الديون بشروط ميسرة وعلى فترات طويلة للسداد وبفوائد متدنية..

 

ثالثا: استخدامات الدين، فإذا كان استخدام الدين للمشروعات ومقاومة الإرهاب أو مشروعات البنية الأساسية وليس للاستهلاك فهذا حميد وليس خبيثا، لكن المهم فى كل ذلك هو قدرة الاقتصاد المصري فى المستقبل على توليد إيرادات بالنقد الأجنبي لسداد هذا الدين وفوائده.وهذا بإمكان الاقتصاد المصرى أن يواجهه إذا تعاملنا مع التحديات التى ذكرتها فى سؤالك الأول..

 

هل هناك حل لتوقف الغلاء المتزايد الذى تشهده الأسواق المصرية؟

 

ليست هناك حلول سحرية فنحن نعانى آثارًا كما ذكرت ـ هشاشة الاقتصاد فى نظام ما قبل الثورة وأرجو الرجوع إلى الصحافة من 2005 إلى 2010 عندما كان يملؤها الحديث عن جنون الأسعار، إذن هى مشكلة مزمنة فى الاقتصاد المصري، ولكن موجة الغلاء الحالية ـ البنك المركزى به متوسط التضخم 25%، ـ آتية من تدهور سعر صرف الجنيه المصرى سواء قبل قرارات 3 نوفمبر 2016، أو بعدها فى السوق الرسمية.

 

هل يمكن إنقاذ الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة من الانهيار؟

 

معظم الشباب المصرى تحت 29 سنة والذى يشكل 50% من الشعب المصرى ينتمى للطبقة الوسطى وطبقة محدودي الدخل،وبحكم عملى كأستاذ إدارة واحتكاكى المتواصل مع شرائح عديدة منهم يمكننى القول بأنه رغم كل الاحباط أحيانا والتحديات التى يواجهونها فإنهم على قدرعالٍ من فهم التكنولوجيات الحديثة وعلى استعداد للمبادرة والمخاطرة، قد يبدو هذا الرد غريبا على سؤالك المحدد، ولكن فى اعتقادي أن المشروعات الصغيرة للشباب والمغذية أيضا للمشروعات الكبرى والتى خصص لها 200 مليار جنيه مصرى على أربع سنوات بموجب خمسين مليار جنيه سنويا قادرة على انتشال الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة بل وعلى ازدهار هذه الطبقة بحيث تشكل النسبة العريضة من المجتمع المصرى لا تقل عن 75% ـ وهذا هدف استراتيجى إذا أردنا الاستقرار الاجتماعى والأمنى فى مصر، بل ومحاربة التطرف، لكن هناك شروطا لنجاح هذه الخطة.

 

أولا: الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة وليست مشروعات عادية فى الاستهلاك بحيث نزيد من القيمة المضافة للانتاج.

 

ثانيا: بناء قدرات الشباب المصري، فتكافؤ الفرص لا يتحقق بذاته أو بالإعلان عنه، فدون قدرات فى التأهيل والتعليم للكل، على قدم المساواة لن يتحقق تكافؤ الفرص، وستبقى الطبقة الوسطى منقسمة بين شريحة لها قدرات وتجنى ثمار العصر الحديث وشريحة متقدمة القدرات ستقع فى القاع، وهذا خطر، وهذا موجود بالفعل،وهذا إرث نظام ما قبل قيام ثورة 25 يناير.

 

ثالثا: مؤسسات التمويل التى صممت للتعامل مع المشروعات الصغيرة، مثل رأس مال المخاطر Venture Capita ، إذن لا مفر من بناء مجتمع العمل والإنتاج وليس مجتمع الاستهلاك لإنقاذ الطبقة الوسطي.

 

هل يمكن التقليل من الآثار السلبية لتعويم الجنيه على المواطن المصري؟

 

كان لابد من دراسة الآثار السلبية قبل إصدار قرارات نوفمبر 2016 وهى قرارات مهمة وتأخرت كثيرا، ولولا تأخرها لما وصلنا لهذه الحالة المتردية،من تدهورفى سعر الصرف، وتضخم وارتفاع فى الأسعار، إذن هى قرارات كان لابد منها، ولكن فى اعتقادى لتفادى الآثار السلبية،كان لابد من ترك الدولار الجمركى لفترة زمنية محددة عند 8.80 قرش وهذا لا يضر، ولكنه كان سيخفف من غلاء الأسعار ومن الضريبة الجمركية على مستلزمات الإنتاج ولا يشل حركة التجارة فى مصر.

 

ما رؤيتك للإصلاح الاقتصادي وما المفروض القيام به؟ وما الحلول من وجهة نظركم للعبور من هذه الأزمة؟

 

وما هى السيناريوهات المقترحة؟

 

نحن فى مفترق طرق: علينا عبورالازمة بسياسات اقتصادية واجتماعية جديدة، تتفق مع روح ومتطلبات ثورتين وليس بالرجوع الى سياسات ما قبل الثورتين، والتى شكلت أرضية الأزمة الحالية، فالسياسات النيوليبرالية التى كانت تتبناها حكومات ما قبل 25ينايرلا تتفق مع ما بعد الثورة، والعالم بدأ التخلى عن هذه السياسات لفشلها، واكتشاف المأساة التى سببتها للشعوب، ويكفى ما نشاهده فى أوروبا حاليا من اضطرابات اجتماعية بصلة، وقد يكون عاما 2017 و2018 بداية الربيع الأوروبي.

 

ثانيا: يجب ان نبدأ بالدخول فى الثورة الصناعية الرابعة، بكل ما تعنيه من تغييرات فى هياكل الإنتاج والخدمات، ولا نتباكى على صناعات الماضي، العالم ينتقل إلى أنماط جديدة فى العمل والاعمال، ممثلة فى الاقتصاد الدائري الذى يتعامل مع البيئة والمخلفات، واقتصاد المشاركة من خلال وسائل التواصل الالكتروني، ومثال على ذلك ظهور «أوبر» وغيرها من خلال وسائل التواصل والمنصات الالكترونية، وقد طلبت الحكومة الفرنسية تقريرا مفصلا عن هذا النمط الجديد من الاقتصاد لإصدار التشريعات الخاصة به، فسيناريوهات المستقبل لا تمت إلى الماضى أو إلى تجارب الآخرين فى الماضى نحن امام عصر عالمي جديد، وإذا فاتتنا ثمار الثورات الصناعية السابقة، فلنبدأ نحن بإبداع وابتكار مصري لسيناريو التنمية الاقتصادية المصرية الذى يتفق مع هذه المستجدات العالمية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة