رغم أن الحديث عن الشركات الناشئة ومشروعات ريادة الأعمال قد لا يلفت نظر الكثيرين نظرا للاعتقاد بضرورة تدني حجم أعمال هذه الشركات طالما أنها لا زالت في طور النشوء والنمو، إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك، فمؤخرا نشر موقع Startup Genome أن حجم سوق المشروعات الريادية والناشئة في العالم بلغ ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار، وهو رقم لا يستهان به لأنه ببساطة مساو للناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد مجموعة السبع الصناعية.
موضوعات مقترحة
وفقا للتعريف البسيط الذي يقدمه موقع STATISTA فإن الشركات الناشئة هي شركات شابة استطاعت أن تطور فكرة فريدة من نوعها وعملت عليها بهدف التأثير في السوق والفوز بجزء من الكعكة. ولا يخفى على الكثيرين أن كثيرا من الشركات الكبرى في العالم بدأت كشركات ناشئة أسسها رواد أعمال ذوو تأثير حقيقي، منهم: ستيف جوبز وإيلون ماسك ومارك زوكربيرج. ومما لا يخفى على الكثيرين أيضا أن كثيرا من الشركات الناشئة اختارت العمل في قطاع التكنولوجيا بحكم قدرة هذا القطاع على تقبل الأفكار الجديدة والإبداع. ومع ذلك تلعب الشركات التقنية الناشئة دورا مهما في كل القطاعات الاقتصادية خاصة ما بعد جائحة كورونا، لكن نجاحها المتوقع يرتبط ببعض الصناعات أكثر من غيرها. من هذا المنطلق يؤكد موقع Esa Business School أن هناك خمسة قطاعات تعتبر أهم الصناعات التي تستطيع الشركات الناشئة أن تحقق فيها نجاحات مبهرة.
1- التجارة الإلكترونية فرص متخصصة
أول هذه الصناعات هو قطاع التجارة الإلكترونية، فهي واحدة من أسرع الصناعات نموا على المستوى العالمي، فقد بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية على المستوى العالمي نحو 3.53 تريليون دولار أمريكي عام 2019. ويتوقع الخبراء أن يصل هذا الرقم إلى الضعف تقريبا بحلول عام 2022. أما السبب فيعود إلى أداء الشركات العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية وعلى رأسها شركة أمازون. فبفضل هذه الشركات وطريقتها في التسويق اعتاد المستهلكون أمر التسوق من خلال الويب. فالبضائع أمامهم شديدة التنوع وكل ما يحتاجون إليه هو بضع نقرات على لوحات المفاتيح تصبح بعدها هذه المنتجات ملك أيديهم مهما تباعدت أماكنهم عن أماكن المنتجين.
التكنولوجيا المالية والتجارة الإليكترونية
وإزاء هذا النجاح والنمو السريع الذي تحققه التجارة الإلكترونية، بات بمقدور الشركات الناشئة أن تحقق لنفسها موطئ قدم في هذا القطاع بسهولة، فبقليل من الاستثمارات تستطيع هذه الشركات إنشاء متاجر إلكترونية، إذ أن كل ما تحتاج إليه وقتها هو حساب على Shopify وإستراتيجية جيدة لتصنيع المنتجات وشحنها للأسواق.
منافسة الكبار
مع ذلك يلفت الخبراء النظر إلى أن سوق التجارة الإلكترونية سوق شديدة التنافسية، ومن ثم على الشركات الناشئة ألا تختار منافسة اللاعبين الكبار في هذه السوق، بل أن تختار لنفسها مجالا تتميز فيه، وبمجرد أن ينال المنتج ثقة وإعجاب السوق تكون هذه هي ببساطة الخطوة الأولى في بناء طريق النجاح بل وصناعة إمبراطورية جديدة.
2- التكنولوجيا المالية وجدت لتبقى
أما عن القطاع الثاني الذي يرى الخبراء أنه مجال رحب أمام الشركات الناشئة فهو قطاع التكنولوجيا المالية Fintech. وقد انطلق هذا القطاع مع دخول لائحة PSD 2 حيز التنفيذ منذ عام 2018، التي تعتبر تحديثا لخدمات الدفع في الاتحاد الأوروبي، فقد هدفت اللائحة الجديدة إلى حماية المستهلكين أثناء المعاملات التي يقومون بها عبر الإنترنت. كما أن هذه اللائحة ساعدت في تعزيز الابتكارات في الصناعة من خلال بعض الأساليب المهمة، وعلى رأسها الخدمات المصرفية المفتوحة. ويعد السماح للجهات الخارجية بالدخول إلى البيانات المصرفية الخاصة بالعميل - بعد إذن العميل طبعا- أحد تأثيرات لائحة PSD 2. ولهذا السبب رأينا الكثير من الشركات الناشئة تنتشر في قطاع التكنولوجيا المالية انتشار النار في الهشيم. فقد بات بمقدور هذه الشركات الآن تقديم الخدمات المالية التي يحتاجها الزبائن في حين فشلت المصارف التقليدية في تقديم هذه الخدمات.
التكنولوجيا المالية والتجارة الإليكترونية
اشتداد المنافسة
وستشهد الأيام القادمة تنافسا شديدا داخل سوق التكنولوجيا المالية، لكن الفرصة مازالت سانحة أمام هؤلاء الذين يستطيعون ابتكار أفكار جديدة واعدة وتطبيقات متميزة تستطيع خدمة مجموعات معينة من العملاء، وقد تفوقت إسبانيا على سبيل المثال، وتحديدا مدينة برشلونة، على مسرح تقديم الخدمات المالية، ونشأت بها الكثير من الشركات الناشئة في هذا القطاع، كان من أبرزها شركات مثل تاك كانتوكس، وستراندس وكفيرتي وغيرها.
الأعلى قيمة :ANT Financial
ووفقا للإحصاءات التي تمت خلال يناير الماضي، استطاعت شركة ANT Financial التابعة لمجموعة على بابا الصينية أن تصبح الشركة الناشئة الأعلى قيمة عالميا في مجال التكنولوجيا المالية. وبحسب ويكيبيديا، تمتلك الشركة أكبر منصة دفع رقمية في الصين وهي منصة ALI PAY التي تخدم أكثر من مليار مستخدم وثمانين مليون تاجر، وبلغ حجم معاملاتها 118 تريليون يوان صيني في يونيو الماضي.
3- الأمن السيبراني ضرورة
التكنولوجيا المالية والتجارة الإليكترونية
أما المجال الثالث الذي يمكن أن تجد فيه الشركات الناشئة موطئا لقدمها فهو قطاع الأمن السيبراني الذي يعد عنصرا أساسيا من عناصر الحياة في هذا العالم الرقمي. فكلما زاد الوقت الذي يقضيه المرء عبر الويب، زادت احتمالات تعرض البيانات الخاصة به للتهديد وتعرضت خصوصيته للانتهاك. وقد كشفت فضيحة شركة كامبريدج أناليتكا عن الخطر الداهم الذي يهدد بيانات المستخدمين، الأمر الذي جعل الشركات والمستهلكين أكثر حرصا على بياناتهم ووعيا بالمخاطر التي تهددهم.
فجوة حماية البيانات
ولأن التقنية تتطور بسرعة شديدة في حين تحاول اللوائح والقوانين ملاحقتها بلا جدوى، تنشأ الحاجة إلى تأمين بيانات المستخدمين وحمايتها من المتلصصين الذين يسعون إلى الاستيلاء عليها وإساءة استخدامها بما يحقق منافعهم الخاصة. ويخلق هذا الوضع فرصا حقيقة أمام الشركات الناشئة التي تسعى لملء هذه الفجوة بحماية بيانات الشركات والأفراد. لكن رغم أن إنشاء شركة خاصة بالأمن السيبراني ليست مهمة سهلة، فإن الشركات الناشئة يمكنها البدء بخدمات أبسط كتقديم الخدمات الاستشارية للشركات المحلية. وفي هذا الصدد يمكنها مثلا إجراء الاختبارات للتأكد من تأمين بيانات هذه الشركات المحلية أو تحديث نظم عملها، أوحتى تعليمها بعض القواعد المهمة عن أفضل الممارسات التي تحقق لها الأمان أثناء استخدام الويب.
وبمرور الوقت تستطيع هذه الشركات الناشئة زيادة مجال حركتها واكتساب المزيد من الأرض. وهنا ينصح الخبراء الشركات الناشئة ببناء علاقات قوية تسمح لمن تعامل معها بالتوصية للآخرين بالاستعانة بخدماتها، وهو ما يعني زيادة فرص النمو واتساع وتيرتها.
4- تكنولوجيا الأغذية: المزيج المثمر
أما المجال الرابع الذي يرشحه الخبراء للشركات الناشئة ورواد الأعمال فهو قطاع تكنولوجيا الغذاء. أما السبب فلا يحتاج إلى توضيح كبير، فالإنسان لا يحيا بدون الطعام، لكن مع التدخل في إشباع هذه الحاجة باستخدام التقنية، يصبح المجال أوسع أمام من يريد النجاح. فوفقا للتقديرات يصل حجم صناعة المطاعم في الولايات المتحدة وحدها نحو 782 مليار دولار. ولا شك أن صناعة بهذا الحجم تحتاج إلى ابتكارات كثيرة في جميع قطاعاتها، سواء عبر إدارة سلاسل التوريد أو أثناء متابعة سلامة الأغذية أو إدارة الطلب وغير ذلك. ويضرب الخبراء المثل هنا بشركة All Plants التي تتخذ من مدينة لندن مقرا لها، والعاملة في مجال توصيل الوجبات النباتية، فقد استطاعت الشركة منذ عام 2017 توصيل أكثر من نصف مليون وجبة. أما شركة Feeder فتقدم وجبات صحية للعمال في مقابل خمسة جنيهات إسترلينية في اليوم. وقد أربكت هذه الشركة الأخيرة الصناعة لأنها حلت محل المقاصف التقليدية المخصصة للعاملين بتقديمها للطعام من المحال المعروفة في جميع أنحاء لندن.
التكنولوجيا المالية والتجارة الإليكترونية
أما شركة Huel التي تعني اختصارا لكلمتين هما الوقود البشري Human Fuel فأتاحت الفرصة لبيع الطعام في شكل مسحوق غذائي، واستطاعت حتى الآن بيع أكثر من أربعين مليون وجبة. أما شركة Welthy الإسبانية فاستطعت أن تبدأ عملها في مجال بيع الوجبات الصحية لهؤلاء الذين يحرصون على تناولها، لكن ليس لديهم الوقت الكافي لطهيها يوميا. وبالطبع في وجود مثل هذه السوق المتسعة التي يعتبر جميع البشر زبائنها توجد عشرات الفرص للنجاح والتطوير.
5- صناعة التعليم والدمج الرقمي
أما المجال الخامس الذي يرى الخبراء أنه قطاع واعد لعمل الشركات التقنية الناشئة فهو قطاع التعليم، فتكنولوجيا التعليم صناعة مربحة للغاية، إذ وصل حجم الاستثمار فيها إلى ما يزيد عن 16.3 مليار دولار خلال عام 2018. ولا زالت الحاجة كبيرة لإيجاد حلول جديدة تدمج التعليم في الحياة اليومية التي باتت رقمية إلى حد كبير، وتسهل التعليم وتيسر الوصول إليه عبر الويب.
التكنولوجيا المالية والتجارة الإليكترونية
وقد بدأت الكثير من الشركات الناشئة حول العالم الاستثمار في قطاع التقنيات التعليمية كاستخدام الواقع الافتراضي في عمليات التعليم والاعتماد على عمليات التعلم المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، وكذلك تخليل عمليات التعلم باستخدام البيانات الضخمة.
التقنيات التعليمية
وفي الصين على سبيل المثال، اجتذبت الشركات العاملة في قطاع التقنيات التعليمية نحو3.3 مليار دولار خلال عام 2019، بينما جذبت التقنيات التعليمية في الولايات المتحدة نحو 7.1 مليار دولار. وفي أوروبا نجحت الكثير من الشركات الناشئة الصغيرة في الاستئثار بقدر من الاستثمارات المخصصة للتعليم وحققت هدفها بسرعة. من هذه الشركات ما تخصص في تقديم التعليم الطبي للطلاب، ومنها ما تخصص في تقديم التعليم بالموسيقى عبر أكثر من ألف وخمسمائة أنشودة تتضمن معلومات علمية. كما أن هناك الشركات التي نجحت في إنشاء تطبيقات تخصصت في تعليم اللغات.
قطاعات أخرى
وإلى جانب هذه القطاعات الخمس الواعدة في مجال الشركات التقنية الناشئة، يرشح الخبراء أيضا قطاعات أخرى يمكن العمل والنجاح فيها بسهولة، من ذلك قطاع الرعاية الصحية والبلوك تشين وإنترنت الأشياء والنقل والأسفار وتطبيقات الهواتف المحمولة وأيضا قطاع الموضة والأزياء.
إحصاءات مهمة
ANT FINANCIAL أعلى الشركة الناشئة قيمة في العالم.
• نصيب شركات التكنولوجيا المالية من الشركات الناشئة عالميا 7.1%.
• أرمينيا: أعلى الدول الأوروبية بالنسبة لنصيب السكان من الشركات الناشئة.
• معدل نمو تمويل الشركات الناشئة في الصناعات المتقدمة 1400%.
• حجم تمويل الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي 26.6 مليار دولار عام 2019.
• الولايات المتحدة أعلى دول العالم امتلاكا للشركات الناشئة.
• متوسط العمر الذي يتم فيه شراء الشركات الناشئة يتراوح بين خمس وعشر سنوات.
• جامعة ستانفورد الجامعة الأولى في عدد الخريجين الذين أسسوا شركات يونيكورن، وهي الشركات الناشئة التي وصل حجمها إلى بليون دولار.
• عدد شركات البرامج الناشئة التي أنشأها خريجو معهد ماساتشوستس 330 شركة عام2017.
• أعلى الصناعات في قطاع الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط التوصيل والنقل.
• الإمارات الأعلى شرق أوسطيا في قطاع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة.
• 35.3 % هو نصيب الإمارات من الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط.