لم تكن ميرنا السمري، طالبة بكلية الحقوق، 20 عامًا، تتخيل أنها ستتعرض لحروق حادة لمجرد استخدامها أحد منتجات التجميل المغشوشة التي لجأت إليها بسبب أسعارها المقبولة.
ومع ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء الفاحش لمستحضرات التجميل، لجأت الكثير من الفتيات خاصة المقبلات علي الزواج، إلى شراء المنتجات رخيصة الثمن حتى لو كانت مجهولة المصدر.
ودائما ما تتجه أعين الفتيات صوب الموسكي والعتبة وحارة اليهود أشهر المناطق التي تضم محال بيع أدوات التجميل الرخيصة بمصر، والتي لجأ أصحابها، أخيرًا، إلى صفحات التواصل الاجتماعي للترويج لها وجذب المزيد من العملاء
ودائمًا ما تتهم الجهات الرسمية مصانع بير السلم بتقليد الماركات العالمية وبيعها بأسعار لا تضاهي ثمنها الحقيقي، كاشفة عن وجود حوالي 760 ألف مصنع بير السلم وحوالي 28 منطقة وقري تقوم بتقليد الماركات العالمية.
وتقول السمري إنها بعد تجربة المنتج لفترة فوجئت بآثار حروق على المناطق التي تم استخدام الكريم عليها، وعندما واجهت صاحبة تلك المنتجات لم تعرها أي انتباه، ولأن المنتجات غير مسجلة بوزارة الصحة لم تستطع الإبلاغ عن ذلك.
"الحوض المغشوش"
في جولة في مستشفى الحوض المرصود، المشهورة بعلاج أمراض الجلدية، التقت "بوابة الأهرام" بالعديد من ضحايا أدوات التجميل المغشوشة، إذ تقول إيناس محمد، طالبة بكلية التجارة (21 عامًا) إنها دفعت ضريبة المخاطرة بشراء منتجات التجميل المجهولة التي تباع على أرصفة "العتبة"، بتساقط شعرها.
وتضيف مها حسام، طالبة بكلية التجارة (21 عامًا) إنها "استرخصت وعينها كانت التمن"، إذ إنها استمعت لنصيحة إحدى صديقاتها في شراء "ماسكرا" من الموسكي بحجة أن الأسعار بالجملة وسعرها أقل من المحلات، وبالفعل بدأت في استعمالها لفترة.
وتابعت: "لكن لم يمر أسبوع حتى شعرت بالتهابات في عينيها، وتوجهت لطبيب متخصص أرجع السبب لاستخدام منتج مجهول المصدر وغير حاصل على ترخيص من وزارة الصحة، فكان الثمن الإصابة بالتهاب القرنية والملتحمة.
ولا تقتصر صناعة أدوات التجميل الضارة على المحال الصغيرة أو باعة الأرصفة، بل امتدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بوجود صفحات التي تضرر مستخدمو منتجاتها تسمى "Saly Jolie"، والتي ادعت صاحبتها أن كل منتجاتها طبيعية 100%، ومعتمدة من وزارتيّ الصحة المصرية والكويتية.
سرطان على الأبواب
وفي جولة إلي الموسكي والعتبة، تحدث أ.ع، صاحب أحد المحلات بالموسكي، عن مصانع بير السلم في المنطقة، قال إن هناك مصانع بير السلم لصناعة أدوات التجميل ومواد فرد الشعر مثل الكرياتين والبروتين والكولاجين.
وأوضح أنها في شكل مادة خام يتم وضعها في عبوات تقليد للمنتج يحمل نفس الاسم وخاصة المنتجات والماركات العالمية، وتنهال عليها مع علمهم أنها غير أصلية، فمثلا ماركة "ميبلين" تباع الماسكرة أو الكحل الأصلي بحوالي 250 جنيهًا، أما المقلد فيتراوح بين 15 و20 جنيهًا.
وتابع: "بالتأكيد فرق هذه الأسعار يبين مدر خلط هذه المواد بأخرى غير آمنة وصحية وتكاد تكون مسرطنة، إلا أن الفتيات يرغبن في توفير الأموال خاصة بعد ارتفاع سعر الدولار الذي ضاعف الأسعار.
وأوضح أن الكرياتين فثمنه الأصلي يصل إلي 3000 جنيه لمعالجة الشعر من التساقط ولتكثيفه أما المقلد فيباع بحوالي 1000 جنيه أو في "أمبولات" كل أمبولة تصل سعرها إلي 50 جنيهًا مما يسبب سقوط للشعر وقد يصل للسرطان.
وكشف أن المصانع تقوم بخلط وتقليد هذه المواد بطريقة خاطئة أو بإضافة مواد غير آمنة فأدوات التجميل عموما يكون بها مواد بنسب معينة حفظا لسلامة من يستخدمها هم يقومون باستبدالها بنسب أخري يتسببون في أذي من يستهلكها.
في كل مكان
في عربات المترو، يمكن أن تجد أدوات التجميل المقلدة تباع "عيني عينك" في عربات السيدات.. ماركات عالمية بأبخس الأسعار ولا تساوي ربع ثمنها الحقيقي فبعد المنتجات ثمنها الحقيقي يتراوح بين 100 و200 جنيه يتم بيعها من 10 إلى 15 جنيهًا.
وتباع أمبولات الكرياتين بـ 15 جنيهًا للواحدة، وأيضا كريم مشهور لتفتيح البشرة يباع بـ 30 جنيهًا وسعره الأصلي من 150 إلى 200 جنيه.
وتزعم "م . أ"، بائعة في عربات المترو، بأن المواد التي تبيعها آمنة تماًما وأنها تقوم باستخدامها وأنها إذا كانت مضرة فلن تؤذي نفسها ولكن عندما طلبت إحدى المشتريات أن تجرب كريم لتنعيم البشرة رفضت بحجة أنها وضعت منها وليس صحيًا أن تضع أكثر من مرة
نتائج عكسية
وقالت الدكتورة حنان جماز، استشاري الأمراض الجلدية بمستشفى الحوض المرصود، إن أي مادة تستخدمها على الوجه يجب الرجوع إلى الطبيب، لأن هناك بعض المواد التي لا تتناسب مع أنواع معينة من البشرة وتؤدي لنتائج عكسية.
وأضافت أن كل أنواع الكُحليات تسبب جفاف للبشرة، إلى جانب مواد أخرى ضارة تدخل في تركيب هذه المنتجات ولا يتم ذكرها ضمن المكونات المدونة على العبوة..
وأضافت "جماز" أن أغلب الحالات التي تعالجها جراء هذه المستحضرات هي التهابات حول العين بسبب استخدام "الكونسيلر" و"الأي شادو" لأن منطقة حول العين منطقة رقيقة وشديدة الحساسية.
وتابعت: "أي مواد ضارة أو استعمال زائد يؤثر عليها، أيضًا بعض الفتيات في مقتبل سن الشباب تتجه لوضع كريم لزيادة نضارة بشرتها، لكن الاستعمال الخاطئ يؤدي إلى ظهور حب الشباب أو رؤوس سوداء".
كذلك تضع بعضهن العطور على رقبتها أو يديها وعند تعرضها للشمس تتفاعل هذه العطور مع الحرارة فتتسبب في ظهور أماكن داكنة في بشرتها.
من جانبه، يقول الدكتور خالد أمين، الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة جامعة عين شمس، إنه بالنسبة لمصانع "بير السلم" التي من الوارد أن تقوم بتنظيف العبوات قبل تعبئتها –أي العبوات الأصلية التي تحمل اسم منتج معروف ويعاد تعبئتها- فإذا اعتبرنا هذه العبوة تحتوي على منتج مرخص ومسموح به.
لكن هذا المنتج محدد له تاريخ صلاحية معين، فكيف أضمن أن بقايا هذا المستحضر لم تدخل في مرحلة الفساد، بالتالي لدينا مصدرين للخطورة في هذه الحالة؛ الأول أن المادة غير المطابقة التي يتم تعبئتها وتحتوي على حمل كبير من المركبات الكيميائية الصناعية، بالإضافة إلى أنها تتلوث بمادة منتهية الصلاحية حتى و إن كانت مرخصة.
سم للأعصاب
وأشارت دكتورة مني ناصر، أستاذ مساعد في الكيمياء التحليلية بكلية البنات علوم عين شمس، أن مواد التجميل مصنوعة من مواد كيميائية إذا لم يتم العناية بنسب هذه المواد سيكون لها أثار بالغة مثل الفثالات وهي مجموعة من الكيماويات تستخدم في مستحضرات التجميل ومنتجات العناية هي في طلاء الأظافر، والعطور وأنواع اللوشن وسبراي الشعر، وتعرف تلك المواد بأنها تتسبب في اختلال الغدد الصماء، وقد ارتبطت بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي.
ويكون من المستحيل تجنب جميع الكيماويات الصناعية المستخدمة في تصنيع منتجات العناية بالبشرة ومستحضرات التجميل، لكن يمكن الحد من التعرض لتلك السموم من خلال فحص المكونات المدونة على العبوات الخارجية والتأكد من خلوها من المواد السامة.
والبارابين من المواد الحافظة المستخدمة على نطاق واسع في مجال تصنيع مستحضرات التجميل، حيث تساعد على منع نمو البكتيريا والفطريات، لزيادة صلاحية المنتجات. لكن في الفترة الأخيرة، قد ارتبطت مادة البارابين بشكل كبير بزيادة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.
ويتم امتصاص تلك المواد من خلال البشرة، وقد تم التعرف عليها من خلال العينات التي تم أخذها أثناء تحليل أورام الثدي، فتتميز تلك المواد بخواص مشابهة لهرمون الإستروجين، والتي قد تؤدي لظهور الأورام.
وأيضًا المادة التي تستخدم الآن بالكرياتين وغيرها من مواد فرد الشعر الفورمالهايد المعروفة بالفورمالين فالنسبة المتفق عليها علميا هي 0.2% لأنها إذا زادت لها مخاطر كبيرة مثل تدمير الجهاز المناعي والربو وتلف الجهاز المناعي والسرطان وتهيج الجهاز التنفسي لذلك شدد الاتحاد الأوروبي في استخدامها في أدوات التجميل والعناية بالبشرة.
والكارثة الأكبر هو الروج الذي تستخدمه الفتيات بجنون فهو يحتوى على مادة الرصاص كمكون لأحمر الشفاه والذي يعتبر سم للأعصاب ويسبب تلفا للدماغ وتدمير الجهاز الهضمي عن طريق الفم.
ووجد هيدروكسي تولوين الأنيسول في مجموعة متنوعة من مستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية وهو مضاد للأكسدة يساعد على إبطاء معدل تغير لون المنتج مع مرور الوقت قد يسبب هيدروكسي تولوين الأنيسول تهيج العين والجلد.
منتجات مجهولة
وأوضح الدكتور محي عبيد نقيب الصيادلة وعضو اللجنة الفنية لمراقبة الدواء، أن مستحضر التجميل إذا كان مخالفًا للمواصفات يتم الإبلاغ عنه سواء كان "مغشوشًا" أو إحدى منتجات مصانع "بير السلم".
وبعدها يتم الاتصال فورًا بإدارة التفتيش ثم الاتصال بمباحث التموين وتشكيل لجنة من الجهتين، ثم يهبطون المكان المتواجد فيه هذا المستحضر وتتم مصادرته وعمل القضايا اللازمة، مضيفًا أن هناك لجان تم تشكيلها لإعادة تقييم الأدوية القديمة كذلك مستحضرات التجميل.
ولفت عبيد إلى ضرورة التأكد من وجود رقم التسجيل إذا كان مدونًا على المنتج قبل شرائه، فهذا يعني أنه خاضع للرقابة، كذلك التأكد من أنه مصرح بتواجده داخل مصر، وإلا فهو يعتبر منتج مجهول المصدر ولا يخضع للرقابة.
تراخيص مضروبة
وعن منظومة ترخيص مصانع مستحضرات التجميل، قال علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد عام الغرف التجارية: "في مصانع بتكون واخدة ترخيص من وزارة الصحة بس فيها منتجات مغشوشة للأسف".
وأوضح أن هذه المصانع تخضع لرقابة وزارة الصحة التي تتجه إلى توزيع منشور يحمل اسم المستحضر ورقمه ليتم تحريزه أي إثبات أنه غير مطابق للمواصفات، وهناك مصانع غير مرخصة وفي هذه الحالة تخضع لرقابة مباحث التموين التي تداهم المصنع المخالف بحضور مفتش صيدلي لإثبات أن منتجاته مضروبة"."
واستطرد عوف، قائلاً: "مفيش أي رقابة على أدوات التجميل الموجودة في العتبة والموسكي، محدش بيتحرك غير لو حصلت مصيبة أو كارثة أو حد بلغ"، مما يعني أنه رغم علم مباحث التموين باحتواء هذه المناطق على مثل هذه المواد الضارة إلا أنها لا تحرك ساكنًا.
وبين أن تلك المستحضرات التي تباع بأسعار زهيدة لها العديد من مصانع "بير السلم" وتهبط الأسواق بشكل موسع لأنها تقوم بتقليد الماركات العالمية، لكن في حالة اكتشافها والإبلاغ عنها تتجه مباحث التموين لتحليل عيناته، ويتم تحرير محضر بالواقعة وإعدام المستحضرات.
رقابة غائبة
ولفت رئيس شعبة الأدوية إلى وجود منتجات غائبة عن أعين الرقابة تتواجد في المحال الخاصة ب"الحلاقين والكوافيرات"، فقال: "بدأت ألاحظ إن الحلاقين والكوافيرات يقوموا بغسل راس الزبون بشامبو بيكون في الأغلب مجهول المصدر".
وتابع: "معظم هذه المحلات تقريبًا تعرض كريم فرد الشعر وشامبوهات وعطور لا مصدر لها، مشيرًا إلى أن هذه المصانع تكون متخصصة في صنع تلك العبوات وتوزيعها على تلك المحال، مما يتسبب في تساقط الشعر لأنها منتجات غير صالحة للاستعمال.
وطالب بتشديد الرقابة على المصانع المرخصة وإصدار تعليمات صارمة حيالهم، كذلك التنبه لأخذ عينات عشوائية من بعض "الكوافيرات والحلاقين" لمعرفة مصدر هذه المنتجات والقضاء عليها.
مسئولية من؟
في نفس السياق، أشار المستشار أمير الكومي، رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك، أن مصانع بير السلم هي قنبلة موقوتة مستمرة خاصة في ظل وجود إحصائية في غاية الخطورة بوجود حوالي 760 ألف مصنع بير السلم وحوالي 28 منطقة وقري تقوم بتقليد الماركات العالمية .
"الدولة وليس جهاز رقابي".. هكذا أشار الكومي إلى أن هذا الملف الشائك يحتاج إلي دولة وليس الجهاز الرقابي ، فإذا أردت التخلص من هذه المشكلة من جذورها يجب علي الحكومة إنشاء وزارة للمشروعات الصغيرة و المتوسطة ومتناهية الصغر.
ويتقرح أن تقوم تلك الوزارة بحصر وتصنيف هذه المصانع علي أرض الواقع للحفاظ علي الصحة العامة وتوفير الملايين التي تنفقها الحكومة علي كاهلها .
وأضاف أن جهاز الرقابة والجودة أكد أن مصر بحاجة شديدة إلى إنشاء هذه الوزارة حتى تحل الأزمة من جذورها وما سينطبق على أدوات التجميل المغشوشة سيشمل المشاكل الأخرى مثل "التوك توك"، لأن هذا الملف كفيل إذا تنبهت إليه الدولة ستوفر على كاهلها العديد من المسئوليات .
أما بالنسبة لعدم تراخيص هذه المصانع هو "معندهاش أب شرعي" بمعني أدق ليس لديها وزارة حقيقية علي أرض الواقع مسئولة عنها وتقوم بالدور الرقابي لهذه الإشكاليات، وللأسف الدولة ليس لديها سياسات واضحة تجاه المشاكل علي الوجه الإداري خاصة .
وأضاف: "بالتالي ليس هناك مشاكل يتم حلها، وهذه المواد تأتي من الصين والدول الأسيوية ومنها علي حال جيد أو ردئ جدًا، لكن يأتي هنا دور التاجر الجشع الذي يقوم بشراء المنتجات الرديئة لتحقيق المكاسب السريعة، وهناك مصانع في الرويعي والعتبة والموسكي وغيرها من المناطق التي لديها مصانع بير السلم وهنا يعرف ما يسمي "بالغش التجاري".