Close ad

أوروبا تمضي في طريق الوحدة ..وأمراء الطوائف يرسمون "حدود الدم "في الشرق الأوسط

20-9-2014 | 14:36
أوروبا تمضي في طريق الوحدة وأمراء الطوائف يرسمون حدود الدم في الشرق الأوسط أوروبا تمضي في طريق الوحدة
أحمد عادل
"نعم للوحدة ..لا للاستقلال " كلمة فرضها الأسكتلنديون في استفتاء تاريخي ، لم تنعكس آثاره على المملكة المتحدة وحسب، بل امتدت لتسع القارة الأوروبية العجوز التي تأمل أن ترسو سفينتها الموحدة على بر الأمان بعيداً عن رياح القومية والاستقلال التي تهددها بالغرق، فقد أصابت نتيجة الاستفتاء الحركات الاستقلالية في أوروبا بضربة موجعة قد تقضي عليها. وعلى نحو مغاير للواقع الأوروبي يواصل "أمراء الطوائف" الإرهابية في الشرق الأوسط تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير وتقطيع أوصال الوطن العربي إلى دويلات ضعيفة يففصل بينها حدود الدم وسياج الإرهاب. وما بين الاستقلال والتبعية والوحدة والتقسيم، نرصد خارطة حركات الاستقلال والتقسيم في أوروبا المتمسكة بالوحدة .. والشرق الأوسط الذي يخطو نحو الشتات.

إسبانيا تواجه الانفصال بورقة "الدستور"

بالرغم من العداء التقليدى بين الإنجليز والإسبان على خلفية النزاع حول "جبل طارق"، فإن ذلك لم يمنع رئيس الوزرء الإسبانى ماريانو راخوي من إظهار فرحته قائلًا: " الأسكتلنديون جنبوا أوروبا عواقب وخيمة"، كيف لا يفرح راخوي والمملكة الإسبانية مهددة باستقلال إقليمي "كاتالونيا" و"الباسك" في أقصى شمال إسبانيا .

وفى خطوة للبرهنة على أن نتائج استفتاء أسكتلندا لا تناهز حدود المملكة المتحدة، وأن حركات الاستقلال الأوروبي ماضية فى طريقها، أقر البرلمان الكتالوني أمس الجمعة قانونًا يسمح بإجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال فى 9 نوفمبر دون الرجوع لمدريد، بينما تلوح الحكومة الأسبانية باستخدام ورقة " الدستور" الذي ينص على أن الاستفتاءات على الاستقلال غير ممكنة وفقًا لقوانين المملكة.

أما اقليم "الباسك" الذي يدافع عن قوميته الخاصة فيرقب عن كثب ما سيسفر عنه استفتاءالعاصمة الكاتالونية "برشلونة " لتقرير مصيره، ولا تزال حركة "إيتا" الانفصالية التي تصنفها مدريد جماعة ارهابية تحشد الأصوات وتعتبر الاستقلال قصة كفاح لايجوز التخلي عنها أو التفاوض عليها لتكوين دولة باسكية عاصمتها "بنبلونة " .

بلجيكا .. صراع "النبلاء" و"الفقراء" يهدد بتفتيت وحدة بروكسل

جذوة الاستقلال القومي لا تهدد نيرانها شمال أوروبا وجنوبها حيث إنجلترا وإسبانيا وحسب، بل إن قلبها النابض يزخر بالدعوات الانفصالية، فبلجيكا ليست بمأمن من عدوى الاستقلال، ولكن روح الاستقلال هذه المرة تتخذ منحى طبقيًا وارستقراطيًا على أرض أقليم "الفلاندر" الفلامنكي، وهو أحد الأقاليم الفيدرالية الثلاثة التي تشكل بلجيكا، فقد احتدم الصراع بين الفلامنكيين والفرنكوفونيين على خلفية الأزمة الاقتصادية وإجراءات التقشف، حيث أصبح “الفالاندر” الأثرياء بشمال بلجيكا غير راغبين بمواصلة تقاسم الأعباء المالية مع مواطنيهم الفقراء سكان إقليم “الوالون” الجنوبي، وكان القوميون الفلمنكيون يستعدون للانفصال إذا تمكنت أسكتلندا من الانفصال والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فسيلحقون بها.

كورسيكا ..صداع في رأس الحكومة الفرنسية

فرنسا هي الأخرى لا تزال تحبس انفاسها خشية انفصال جزيرة “كورسيكا”، فالجزيرة المتوسطية تمثل دائماً مصدراً لإزعاج الحكومة الفرنسية، فعلى الرغم من أن سكانها لا يتعدون ربع مليون نسمة، إلا أنهم يتوقوا للانفصال عن باريس واستغلال الإمكانات الهائلة التى يؤمنها القطاع السياحى للجزيرة، وليس ببعيد عن اقليم "الباسك" المشتعل فى اسبانيا، هناك اقليم "سافوى " بجنوب فرنسا، والذى يبلغ تعداد سكانه قرابة 400 ألف نسمة، حيث تتزعم حركة “سافويان ” المطالبين بالاستقلال عن فرنسا .

جزر ومدن إيطالية ترفع راية الاستقلال في وجه "الحكومة " و"المافيا"

"روما" عاصمة الإمبراطورية الرومانية التى سادت العالم، لم تسلم هى الأخرى من حمى "الانفصال" التي أصابت خاصرة الجمهورية الإيطالية وأطرافها لتشمل جزرًا ومدنًا تجارية هامة، مثل إقليم صقلية جنوب البلاد والذى يؤمن سكانه ان الاستقلال هو السبيل الوحيد للتخلص من الفقر والفساد الذي تتحمل الحكومة مسئوليته ، إلى جانب انعدام الأمن بسبب انتشار نشاط المافيا، وهذا المسعى هو الذي تسلكه "البندقية " عاصمة إقليم "فينيتو" ، حيث يرى دعاة الاستقلال هناك أن الحكومة تسببت في إفقار الإقليم بالرغم من سيطرته على اقتصاد العالم لقرون، ظلت فيها "البندقية " أيقونة لرواج حركة التجارة العالمية.

كما تواجه إيطاليا أيضًا شبح انفصال جزيرة “سردينيا” ومنطقة “التيرول الجنوبية” الناطقة بالألمانية والتى تتمتع بالحكم الذاتي، وتم ضمها إلى إيطاليا في نهاية الحرب العالمية الأولى، تريد الانضمام للنمسا.

سياسات موسكو تشعل "بركان الاستقلال " في أوروبا وتهدد بتفكيك الاتحاد.

وسواء قضى استفتاء أسكتلندا على النزعات الاستقلالية التي تزخر بها الخارطة الأوروبية أو سيزيد من اصرارها على مواصلة طريقها للنهاية ، فهناك اجماع أوروبي على الخطر الذي يمثله الدب الروسي في شرق أوروبا ودول البلطيق، فالغرب الأوروبي لم ينس يومًا للروس الثمن الباهظ الذي حصلوا عليه من أراضي دول أوروبية كاملة نظير تعاون "ستالين" مع "الحلفاء" للتخلص من "هتلر" والنازية، كما أن "الروس" لن يسقطوا من ذاكراتهم الدور الذي اضطلعت به دول أوروبا لمعاونة الولايات المتحدة في تفكيك "الاتحاد السوفييتي" في تسعينيات القرن الماضي، وشكل نجاح بوتين فى استعادة "القرم" من أوكرانيا فى مارس الماضي هاجسًا أكد لأوروبا مدى هذا الخطر، فقاموا بفرض العديد من العقوبات الاقتصادية على موسكو في محاولة لتخلى روسيا عن دعمها للانفصاليين بشرق أوكرانيا في مدينة "دونيتسك" و"لوهانسك" والتى يطالب مواطنيها بالاستقلال عن أوكرانيا، وتطبيق نظام "الحكم الذاتي " والانضمام تحت "الاتحاد الروسي " على غرار القرم، إلا أن سياسات موسكو ـ بحسب الأوربيين ـ تهدد بثورة بركان الاستقلال في أوروبا من جديد، وتفكك الاتحاد الأوروبي لدول ضعيفة ومتناحرة.

" بقنابل الإرهاب" ..أمراء "الطوائف " .. يرسمون "حدود الدم" في الشرق الأوسط

وبالاتجاه إلى الطرف الآخر من العالم حيث "الشرق الأوسط " نجد أن الوحدة التي ارتضاها الأوربيون لأنفسهم في وجه حركات الاستقلال، أنكروها على تلك المنطقة المثخنة بالصراع ودفعوا ببلدانها إلى سيناريو التقسيم الذى ارتضته الولايات المتحدة للمنطقة تحت مسمى "الشرق الأوسط الكبير" والذي يهدف إلى تفتيت المنطقة من خلال العزف على وتر "الأقليات" وتكوين "دويلات طائفية" تتحكم فيها قوى الإرهاب الأسود، فسوريا والعراق باتت تموج بالاقتتال الداخلى بين "السنة ، والشيعة، والأكراد، والعلويين ، والدروز، واليزيديين " ، إلى جانب التنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة والجيوش النظامية والحرة، وكل طائفة من هذه الطوائف تحكمها "نعرة طائفية" تتطلب سيطرتها على أماكن لنفوذها ، لايجب على غيرها تجاوزها أو التعدي عليها.

الولايات المتحدة بدورها رأت أن الوقت قد حان لتسليح ـ أطراف القتال المعتدلة ـ لذا فقد أعلن أوباما استراتيجيته بتسليح "الجيش الحر" بعد أن أخذ موافقة الكونجرس أمس الأول، ليقوم هذا الجيش بمهمتين فى آن واحد، محاربة تنظيم "داعش" فى سوريا، والاشتباك مع القوات النظامية الأسدية، كما أعلن البنتاجون ارسال 300 خبير عسكري لتدريب الجيش العراقي والبيشمرجة على قتال داعش في الجبهة العراقية.

الغرب الأوروبي هو الآخر لم يقف مكتوف اليدين، فبادرت العديد من دول الإتحاد بإعلان عزمها على تسليح الأكراد، كألمانيا التي أعلنت أمس ارسالها 40 قوة احتياط وشحنات من الأسلحة لتطوير قدرة الأكراد للتصدي لخطر داعش ، في حين قامت فرنسا فى ذات اليوم بتنفيذ أول غاراتها على معاقل "الخلافة الداعشية" في سوريا.

لبنان .. رماد "الطائفية" يشعل الحرب الأهلية من جديد

وإذا ما تركنا "حدود الدم" بين الطوائف في العراق وسوريا والتي تهدد برسم خارطة جديدة لقوى الإرهاب فى المنطقة من خلال العشائر والميليشيات المسلحة، نتجه صوب "لبنان" بتركيبته المجتمعية التى تهدد باشتعال الصراع الطائفى من جديد، فالبلد ذو الموارد المحدودة ضاق ذرعاً من عمليات اللجوء السوري ، في حين تشترك عناصر حزب الله في الصراع إلى جانب قوات الأسد، رافعة شعار حماية لبنان من خطري "الكيان الصهيوني" و"داعش " بدعم كامل من ايران، وفي الشمال اللبنانى حيث طرابلس تتخذ "العناصر السلفية الجهادية" مقراً لها لشن الهجمات الإرهابية على الجيش اللبنانى بين الحين والآخر، الذي أرهقه النزاع، لذا بادرت المملكة العربية السعودية بتوفير دعم كبير له بلغ قيمته مليار دولار مطلع الشهر الجاري لمقاومة قوى الإرهاب .

إيران .. محل اتهام وسخط الدول العربية

الدور الإيرانى لا يقف عند الجبهات المحتدمة فى سوريا والعراق وبث القلاقل فى لبنان ، بل إن إيران تقف فى قفص الاتهام من عدة دول عربية ،كان آخرها مع السودان التى قامت بطرد الملحق الثقافى الإيراني وغلق عدداً من المراكز الثقافية الإيرانية خوفًا من تمدد التيار الشيعي، أما الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي فقد اتهم طهران علناً بمساعدة الحوثيين في مسعاهم للانفصال بالجنوب ،وفتح جبهة أخرى تضاف إلى حربها المستعرة مع تنظيم القاعدة، والذي وسع من دائرة عملياته الإرهابية تجاه الجيش اليمني، بينما تتهم دول الخليج العربي كالسعودية والبحرين ايران بمساندة الاحتجاجات التى يقوم بها الشيعة في شرق الملكة والاضطرابات التي شهدتها المنامة مطلع عام 2011 ، والتي لم تنته إلا مع تكوين جيش "درع الجزيرة" التى قادت السعودية لتهدئة الأوضاع بالبحرين، الإمارات هي الأخرى لا تزال بين شد وجذب مع طهران على خلفية النزاع حول الجزر الثلاثة في الخليج العربى، وإزاء هذا الوضع الأمني المحتقن بالخليج، ومع ظهور تيارات متشددة كداعش قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الشهر الماضى بتحذير دول العالم من خطر الإرهاب، والذى لن يتوانى عن الوصول إلى أمريكا وأوروبا، وأطلق مبادرته بتقديم 100 مليون دولار لدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب.

ليبيا .. صراع القبائل والميليشيات يهدد بزوال الوحدة الليبية.

بمرور الوقت واحتدام القتال بين أرجاء بنغازي في الشرق وطرابلس في الغرب تصبح ليبيا مؤهلة للتقسيم عن أي وقت مضى، فبسقوط نظام القذافى تسربت الأسلحة ثقيلها وخفيفها من المخازن إلى القبائل التى انتقل الخلاف بينها من مجرد نزاع إلى حرب أهلية بامتياز قد تفضي في النهاية إلى تقسيم ليبيا إلى دويلات.
ودخل على خط المواجهة في ليبيا عدة أطراف كالبرلمان الذى نادى بضرورة التدخل الدولى، وهو الأمر الذي لاقى رفضًا من الجيش الليبى وجامعة الدول العربية، وهناك قوات اللواء خليفة حفتر الذي قائد عملية "الكرامة " وتتبعه عدة كتائب فى طرابلس وبنغازي، وتدخل قواته في حرب شرسة مع عدة فصائل أبرزها قوات فجر ليبيا وجماعة أنصار الشريعة ومجلس شورى ثوار بنغازي، وكل يطلب لنفسه الغلبة فى معركة لن يضيع فيها سوى وحدة ليبيا .

السودان .. ورحلة انتظار "تقسيم التقسيم"

تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، لا يحول دون تعرضه لموجة أخرى من التقسيم بحسب ما أظهرته خرائط مخطط "الشرق الأوسط الكبير"، فمنطقة أبيي النفطية في وسط السودان لا تزال محل النزاع بين دولة الشمال والجنوب ومرشحة بقوة لتكون نواة لدولة ثالثة، وخاصة مع اشتعال نيران الفتنة القبلية بين قبيلتي "المسيرية" العربية و"الدينكا" الزنجية، ويأتي هذا مع تدهور الأوضاع في إقليمى " كرفان " بوسط السودان، و"دارفور" فس الغرب، بين جيش الشمال والمتمردين، أو بين القبائل السودانية بعضها البعض.



كلمات البحث
الأكثر قراءة