"إن هواء ميدان التحرير هو أطيب لنفسي من هواء الكعبة..أرى الشهادة قرب ميدان التحرير".. هكذا كان يقول الشيخ الثائر عماد عفت– رحمه الله- قبيل استشهاده، وكأنه كان يستشعر مصيره ويدرك أن لحظاته الأخيرة في الدنيا قد اقتربت وأنها ستكون بالقرب من الميدان المكان الأحب إلى قلبه الذي كان حريصًا على التواجد به منذ اندلاع الثورة .
موضوعات مقترحة
قطاع عريض من المصريين اعتبروا الشيخ عماد عفت أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إمام الثوار ورمز المقاومة داخل الأزهر الشريف باعتباره أول شهيد من الأزهر في الثورة حيث وقف في صف الثورة منذ يومها الأول في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حتى استشهد.
وبحسب المقربين من الشهيد عماد عفت فقد عٌرف عنه حرصه على ألا يسيس منصبه الديني في الأزهر بتوجهاته السياسية كما يروى عنه تلامذته، لذا كان حريصًا على أن يخلع عباءة وقفطان الأزهر عقب انتهاء نوبة عمله كل يوم ليرتدي زيًا مدنيًا كأى مواطن وينضم للتحرير دفاعًا عن قيم الحق والعدالة والحرية التي يؤمن بها ويراها تتسق مع صحيح الدين الذي يفتي به ويدرسه لتلاميذه وكان أول من أفتى بحرمة التصويت لفلول الحزب الوطني.
كان الشيخ واعيًا بالتحديات التي تواجهها الثورة، وأن معركتها لم تنته ولن تنتهي إلا بوصولها للحكم، لتطهير البلاد من الفساد، فكانت فتواه: "التصويت للفلول في الدورات السابقة أو من كانوا منتمين لعضوية الحزب المنحل؛ هو حرامٌ شرعًا، باعتبار أنهم ساهموا في الفساد.
وأكد الشهيد عماد عفت أن ذلك الحكم مبنيٌّ على أن فلول الوطني يرغبون في تدمير مستقبل مصر، بنشر الرشاوى والمحسوبيات ثانيةً، بعدما قضت الثورة على تلك الأصول، ومن يمنحهم صوته يساعدهم على الوصول إلى المنصة التشريعية"، وهي الفتوى التي اعتبرها البعض أنها أحد أسباب اغتياله.
في مثل هذا اليوم 16 ديسمبر 2011 وخلال أحداث مجلس الوزراء أصيب أمين عام لجنة الفتوى بدار الإفتاء برصاصة عيار 9 ملي بالصدر جاءت من مكان قريب جدًا بزاوية مستقيمة لا يوجد بها أي انحراف حتى أنها اخترقت جسد الشيخ عماد وأصابته بجانبه الأيسر، مما أدى لهبوط حاد بالدورة الدموية والتنفس أدت إلى وفاته في الحال، بحسب التقرير الطبي، الأمر الذي أثار الشكوك حول الجهة التي قامت بقتله.
وقد حضر الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، في ذلك الوقت لمستشفى قصر العينى حيث كان يرقد جثمان الشيخ عماد لوداعه باكيًا وأنهى إجراءات تشريح الجثمان بنفسه.
وأكد أنه من الثوار وشارك فى كل أحداث ثورة 25 يناير، نافيًا عنه أي اتهامات بالبلطجة والعمالة، كما نفى ما رددته بعض وسائل الإعلام من أن استشهاد عفت جاء صدفة أثناء مروره بموقع الحادث.
وقد أثر استشهاد الشيخ على انضمام قطاعات كبيرة من الأزهر للحراك الثوري بالشارع حيث ارتج الجامع الأزهر يوم جنازته لأول مرة منذ الثورة بهتافات "يسقط حكم العسكر"، لينضم الأزهريون بعدها للميدان بشكل موسع للمطالبة برحيل المجلس العسكرى والقصاص للشهداء وتسليم البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة.
وخرجت جنازة الشيخ عماد المهيبة فى السابع عشر من ديسمبر 2011 من الجامع الأزهر شارك فيها تلامذته برداء الأزهر الرسمى كما شارك فيها أيضًا عدد من رجال الدين المسيحي وشباب الثورة والشخصيات العامة والمواطنين الذين عرفوا الشيخ من ميدان التحرير وهؤلاء ممن عرفوه بعد استشهاده.
ونعت دار الإفتاء المصرية في بيان صادر عنها الشيخ عماد عفت، أمين الفتوى بها، وتقدمت الدار بخالص العزاء لأسرة الفقيد، مؤكدة أنها تعزي نفسها والأمة كلها في فقد عالم فاضل وفقيه متميز من علماء الأزهر الشريف، الذي كان دائمًا يسعى للصلح بين الناس، ولقد تجددت بفقده الأحزان التي ذاقتها بيوت مصرية كثيرة استشهد أحد أبنائها، مشيرة إلى أنها تحتسبه عند الله عز وجل من الشهداء.
كان الشيخ عماد قد عاد من مناسك الحج إلى ميدان التحرير قبيل استشهاده مؤمنًا بتفضيل الرسول للجهاد عن الحج، مذكرًا الجميع بأن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، مدركًا حقيقة المشهد وقتها فى ظل إصرار الثوار على حماية الثورة واستكمالها وتخاذل جماعة الإخوان عن حمايتها وتفضيلها لمصلحتها عن المصلحة الوطنية، فكان دائمًا ما يقول لتلاميذه إن "الحق أحق أن يُتبع" وهو يدعوهم للصبر ومواصلة الجهاد حتى تنجح الثورة.
يُذكر أن الشيخ عماد عفت ولد في الجيزة في الخامس عشر من أغسطس عام 1959، حصل علي ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1991، بعدها نال ليسانس الشريعة الإسلامية في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف عام 1997، ودبلومة بالفقه الإسلامي العام من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1999، ودبلومة الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بالقاهرة.
ولدى إمام الثوار أربعة أبناء، كان يحملهم معه في الاعتصامات ومظاهرات ميدان التحرير، وتولى منصب مدير إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء المصرية، وعضوية لجنة الفتوى بالدار، بعد أن كان رئيس الفتوى المكتوبة، وتم تعيينه في دار الإفتاء في أكتوبر 2003، وعمل كباحث فقهي بدار التأصيل للدراسات الشرعية، وعرف عنه أنه كان يجلب الهدايا من ماله الخاص لتلامذته المتفوقين تشجيعًا لهم، كما كان يقرضهم من ماله.