أثارت تصريحات القيادي السلفي اللبناني عمر بكري لصحيفة "الوطن الكويتية" حالة من الجدل على الساحة المصرية عندما قال إن مصر أو سيناء على وجه الأخص هي المحطة القادمة لتنظيم دولة الإسلام في الشام والعراق "داعش" وأن التنظيم يعتبر سيناء جزءا من بلاد الشام وبالتالي لا بد من ضمه أيضًا.
موضوعات مقترحة
و"داعش" هو تنظيم جهادي أسسه شخص يدعى أبو بكر البغدادي في سوريا بصحبة عدد من قيادات التنظيم عقب هروبهم من أحد سجون العراق ووصولهم إلى سوريا مستغلين حالة الاضطراب التي تعيشها الأراضي السورية في الوقت الحالي وأعلنوا تأسيس هذا التنظيم.
البكري أكد أيضًا أن التنظيم يتبع سياسة أمنية يعتمد فيها على أن لا يعرفه أحد ويعمل في الخفاء إلى أن يكون له التمكين فيسيطر على ولاية ثم مقاطعة ثم الخلافة الراشدة وأنه –أي البكري- لا يستبعد أن يكون بعض عناصر هذا التنظيم قد وصل بالفعل إلى مصر ولكن درجة نجاحهم في مصر من العدم يعتمد على احتضان الشعب لهم وإلا سيتحول الأمر إلى مواجهات مع أهل البلاد أنفسهم.
هذه النقطة تحديدا يؤكدها اللواء علاء عز الدين مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة سابقا في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" حيث أكد أنه حتى لو افترضنا صحة هذه المعلومات فأعضاء التنظيم لن يجدوا القاعدة البشرية التي تشكل لهم الدعم اللوجستي المطلوب.
وتنظيم دولة الإسلام في الشام والعراق هو نفسه تنظيم دولة الإسلام في العراق الذي أسسه أبو عمر البغدادي في العام 2006 وخلفه في قيادته أبو بكر البغدادي في العام 2010.
وعقب اضطراب الأوضاع في سوريا دخل عدد كبير من قيادات هذا التنظيم إلى الأراضي السورية وأعلنوا الدمج بين جبهة النصرة الإسلامية –فصيل إسلامي سوري يحارب ضمن الجيش السوري الحر المعارض ضد نظام بشار الأسد- ودولة الإسلام في العراق، ليصبح اسمها دولة الإسلام في الشام والعراق.
تصريحات القيادي السلفي اللبناني تتسق مع تصريحات بعض المصادر المخابراتية العربية لصحيفة السياسة الكويتية والتي أكدت فيها أن تنظيم دولة الإسلام في الشام والعراق سوف يسعى إلى تغيير استراتيجيته ككل من خلال تشكيل تنظيم جهادي كبير يجابه تنظيم القاعدة في الحجم والنفوذ وأن آليات ذلك ستكون من خلال ضم الجماعات الجهادية في مختلف البلاد تحت عباءته، وعلى رأس هذه الجماعات التي سيسعى داعش إلى ضمها له هي جماعة أنصار بيت المقدس التي نفذت عددا من العمليات الإرهابية في البلاد مؤخرا.
اللواء علاء عز الدين يعتقد أن هذه الطريقة في التفكير ربما تتسبب في نهاية أبو بكر البغدادي و"داعش" وأنصار بيت المقدس جميعهم إلى الأبد، محللا ذلك بأن محاولة الاعتماد على تنظيم مثل أنصار بيت المقدس سيمثل خرقا أمنيا رهيبا لتنظيم دولة الإسلام، حيث إن "بيت المقدس" يعاني حالة شديدة من الهوان بسبب الضربات المتلاحقة التي يوجهها له الجيش المصري وقوات الشرطة يوما بعد الآخر فضلا عن قتل والقبض على وهروب الكثير من أعضائها.
ويدلل عز الدين على قوله: "يمكننا الاستدلال على حالة الضعف تلك من ملاحظة انخفاض مستوى الحرفية في العمليات الإرهابية التي تنفذها باستخدام عبوات بدائية الصنع وسيارات مفخخة بمواد تي إن تي، فنحن أمام تنظيم ضعيف مخترق أمنيا، والدليل هو أن القوات المسلحة تنفذ ضدهم ضربات أمنية باستخدام الطائرات وهو ما يعني أن لديها معلومات محددة عن أماكنهم ومخازن أسلحتهم".
وجود تربة خصبة لمعاونة هذا التنظيم في الاستقرار في مصر هو شرط في غاية الأهمية لابد من أن يتحقق أولا قبل أن يشرع هذا التنظيم في أي محاولة لدخول مصر، والسبب في ذلك يرجع إلى الفشل الذريع الذي لاقاه التنظيم في سوريا.
فقد انتهى الحال بالتنظيم في سوريا من مجرد جماعة جهادية تحارب ضد نظام بشار الأسد، إلى جماعة جهادية تحارب ضد كل من: قوات بشار الأسد من جهة، وبين الجيش السوري الحر وجبهة النصرة الإسلامية مجتمعين من جهة أخرى، وسبب ذلك اعتمادها على عناصر أجنبية في حربها ضد نظام الأسد فضلا عن ممارستها للتطرف الشديد في التطبيق المغلوط للشريعة وعدم وجود احتضان شعبي لهم في سوريا.
اللواء يسري قنديل الخبير الاستراتيجي يعتقد أن المخاوف من مد أذرع تنظيم "داعش" إلى داخل مصر هي مخاوف تحمل قدرا كبيرا من المبالغة بسبب التعاون والتنسيق بين كل من القوات المسلحة وقوات الشرطة في حربها على الإرهاب في منطقة سيناء وحالة الوهن الشديدة الذي بات عليه تنظيم أنصار بيت المقدس، فضلا عن إحكام الجيش السيطرة على بوابته الغربية ضد أي تهريب محتمل لأفراد أو أسلحة بما يطعم الحرب الدائرة بين هذه الجماعات والجيش.
وكان التنظيم قد دعا في وقت سابق في رسائل مسجلة وعبر الإنترنت من وصفهم بمجاهدي مصر إلى ضرورة مواصلة الجهاد لحين استعادة الخلافة الإسلامية مرة أخرى وأن تطبيق الإسلام لن يكون إلا بجهاد طويل ومرير.
وأوضح أحد أعضاء الحركة عبر فيديو بثته قناة "العالم" الإيرانية، أن التجربة الديمقراطية أثبتت فشلها في البلاد المسلمة "لأن الحركات الإسلامية لا تملك القوى العسكرية والمادية للدفاع عن ممتلكاتهم، فبعد أن ينجحون يُوضعون في السجون وكأنهم ما فعلوا شيئا، والدليل على ذلك ما حدث في مصر".
كل من اللواء علاء عز الدين واللواء يسري قنديل يتفقان على أن ضعف التنمية في سيناء هي نقطة الضعف الوحيدة التي يجب التغلب عليها لتفويت الفرصة على تنظيمات من نوعية "داعش" إلى استغلال غياب دور الدولة في توفير حياة كريمة لأهالي سيناء ويبدأون في تجنيدهم بعد إقناعهم بأفكار مغلوطة.
ويعتقد الخبيران عز الدين وقنديل أن الدولة بدأت تستفيق أخيرا لهذه الثغرة وتحاول علاجها من خلال محور تنمية قناة السويس الذي تم الإعلان عن أسماء شركات الفائزة بامتياز تنفيذه أخيرا، ولكن حتى في ظل غياب التنمية الذي وقف أمامه الإرادة السياسية قبل 25 يناير في أكثر من مرة، إلا أن أهالي سيناء لا يمكن أن يستجيبوا لهذه الجماعات الجهادية والدليل على ذلك هروبها خارج الكتل السكانية في العريش وغيرها.
تبدو مصر بالنسبة للمحللين والمتابعين للشأن في منطقة الشرق الأوسط كنهر مستمر في السريان وسط جحيم مستعر يحده من الغرب ليبيا غير مستقرة، ومن الشرق أنفاق يخرج من فوهاتها الإرهاب بكل عناصره، وتبقى القوات المسلحة هي كلمة السر على ما يبدو في هذه المعادلة المعقدة باعتباره رمانة ميزان ضد انهيار الأمور كلها، بحيث أصبح أهمية إقليمية بالنسبة لمصر باعتباره جيشا احترافيا غير طائفي يمسك بقبضة قوية على مقاليد البلاد ويمنعها من الانهيار.