- الإفتاء أحد عوامل التنمية والتحضر للإنسانية
موضوعات مقترحة
- لا ننفصل عن الواقع ونعتبر شريكًا فاعلًا فى كل الأحداث العالمية
- نخوض حروبا فكرية مع الجماعات المتطرفة لزيف منهجهم
- «الجماعة» الإرهابية وتوابعها أداة لضرب المصريين بعضهم ببعض
- أحدثنا طفرة تكنولوجية هائلة للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المسلمين فى الداخل والخارج
- بيان هيئة كبار علماء السعودية وضع النقاط على الحروف من الانتماء إلى جماعة الإخوان وحرمته
- قضينا على سيطرة المؤسسات المتطرفة على المراكز الإفتائية والدعوية العالمية فى 5 سنوات
برز الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، بوصفه واحداً من العلماء المجددين فى الفقه الإسلامي، دل على ذلك، ما ألفه من كتب تتناول هذا المبحث الإشكالي، بوصفه يتعلق بمسائل ذات صلة بالشريعة الإسلامية، وقد برزت أهمية «علام» كونه جاء فى زمن منفتح على متغيرات العصر، وقد تشعبت واتسعت فيه نشاطات الناس الفكرية والتجارية والمالية والحياتية والاجتماعية بشكل عام، تلك المتغيرات التى قلبت حياة الناس رأساً على عقب وأثرت فى نمط حياتهم.
ولد فضيلة المفتى فى قرية «زاوية أبوشوشة» إحدى قرى محافظة البحيرة، تأثر بجو الريف الوديع هناك، فنشأ محباً للهدوء، مؤثراً للخلوة، الداعية إلى تأمل الطبيعة، والتفكر فى أحوال الناس، غير أن تقاليد القرية وروابطها الأسرية، كانت تدفعه إلى مخالطة الناس من حوله، والنظر الدقيق فى مشكلاتهم اليومية وأعبائهم الحياتية، مما أفاده كثيراً خلال البحث العلمى عندما أراد ربط الفقه بالواقع لحل مشكلات المسلم المعاصر.
تتميز سيرة الدكتور شوقى علام بخصائص قلما توافرت فى أقرانه من العلماء، لا سيما فى موضوع تخصصه وهو الفقه، خصوصا أنه أحد الرموز الذين ألفوا الكثير من الكتب فى هذا الباب، والتى برزت فيها سعة العالم وموسوعيته واتباعه منهجاً مرناً، مقروناً بالأمثلة والقرائن والخبرة الحياتية التى تحسب له.
تلقى فضيلة المفتى تعليمه الأولى فى كتاب القرية، فحفظ القرآن فى سن الحادية عشرة، ثم تخرج فى كلية الشريعة والقانون، حاصلا على ليسانس شريعة بكلية الشريعة والقانون بتقدير جيد جدا، وعمل معيداً بالكلية، حتى حصل على درجة الدكتوراه عام 1996، ومع تدرجه الوظيفى توالت أبحاثه الفقهية ورسائله العلمية التى قام بها، ما بين تقنين للفقه الجنائى وربطه بقضايا الواقع، والأحكام القضائية فى الفقه الإسلامى إلى مشكلات الحياة الزوجية وقضايا المرأة فى المجتمع الإسلامى المعاصر.
تقلد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، منصبه فى مارس 2013، ليستأنف تطويراً وتحديثاً لتلك المؤسسة العريقة، حتى يصل نفعها إلى كل مسلم فى أقطار المعمورة، وذلك لبيان الأحكام الشرعية، التى أصبحت تقوم بذلك الواجب خير قيام، مستلهمًا دور كل مفتٍ كان حلقة فى تلك السلسلة الطيبة التى تبوأت ذلك المقام الرفيع.
بداية مهمة وجديدة، لما عاصرته مصر من أحداث جسام، وما تموج به من متغيرات غير مسبوقة فى تاريخها الحديث، تستلزم استلهام التراث الفقهى واستنطاق الأصول ودقة النظر للواقع حتى يواكب الفقه مستجدات الأحداث، والإلحاق بمتغيرات المجتمع، وقد استوجبت تلك المتغيرات أن يبدأ منصب الإفتاء فى مصر بداية جديدة تقوم على الترشيح الحر والاختيار المسئول.
داخل مكتبه بدار الإفتاء المصرية، أجرت «الأهرام العربى» مع الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وأول مفتٍ منتخب فى تاريخ دار الإفتاء المصرية، حوارا مفصلاً، حول حاضر الإفتاء ومستقبله، بعد أن أصبح عمودًا من أعمدة الأمن القومى المصري، ولتوضيح الإنجازات غير المسبوقة خلال الـ8 أعوام الماضية فى طريق تجفيف نهر الفتاوى الآثمة والمحرضة على الوطن، من ذوى المآرب الشيطانية.. وإلى تفاصيل الحوار.
مع مرور 8 أعوام على توليكم مسئولية عظيمة كدار الإفتاء المصرية، كيف تُقيم التطورات التى طرأت على الدار خلال تلك الفترة؟
منذ تحملى أمانة مسئولية دار الإفتاء المصرية كنت حريصًا على استكمال المسيرة والسير بدار الإفتاء إلى حدود جديدة، خصوصا أنه فى تلك الفترة ظهر الكثير من التحديات الكبيرة، التى كان أهمها انتشار الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى الداخل والخارج، وكان لزاماً علينا القيام بواجبنا وخوض حربنا الفكرية تجاهها لبيان زيف منهجهم وانحرافهم.
لذا أنشأنا مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة فى عام 2014، وهو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى فى مجال الفتوى، حيث يقدم الدعم العملى والفنى والشرعى اللازم لتمكين المؤسسة الإفتائية من تحديد الظاهرة، وبيان أسبابها وسياقاتها المختلفة، والأطراف الفاعلة فيها، ومقولاتها وادعاءاتها، وصولا إلى تقديم أطر وأسباب علاج تلك الظاهرة، وتقديم برامج عمل وخطوات لتحقيق هذا الهدف، كما يقدم المرصد العون والدعم للمؤسسات الدينية والاجتماعية المصرية فى مواجهة تلك الظاهرة وآثارها، بالإضافة إلى تقديم أنماط التشدد والمتشددين، ودليل تعامل مع الفكر والفرد المنتمى والمتبنى لهذا الفكر.
وتوالت التطويرات داخل الدار على مدار السنوات، منها الاستفادة من الطفرة التكنولوجية الهائلة من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المسلمين فى الداخل والخارج، حيث طورنا موقعنا الإلكترونى وأصبح لدينا عدد من الصفحات الرسمية للدار باللغات المختلفة، والتى تخطى عدد متابعيها أكثر من 10 ملايين متابع.
فضلًا عن إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم التى تم إنشاؤها عام 2015م، وهى هيئة عالمية متخصصة مقرها دار الإفتاء المصرية، تقوم بالتنسيق بين دُور الفتوى والهيئات الإفتائية العاملة فى مجال الإفتاء فى أنحاء العالم بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائى لتلك الجهات، مع التنسيق فيما بينها لإنتاج عمل إفتائى علمى رصين، ومن ثَمَّ زيادة فاعليتها فى مجتمعاتها حتى يكون الإفتاء أحد عوامل التنمية والتحضر للإنسانية.
ونظرًا لأهمية إعداد وتأهيل المفتيين، كنا حريصين على خوض غمار هذا الأمر، فقمنا بتدريب وتأهيل دفعات من أئمة مساجد الجاليات الإسلامية فى الخارج من أوروبا وإفريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها، وذلك على مهارات الإفتاء ومواجهة الفكر المتطرف والإسلاموفوبيا.
وقيامًا للدار بدورها المجتمعى ومواجهة الظواهر المجتمعية، منها ظاهرة الطلاق خصوصا فى السنوات الأولى من الزواج، أنشأنا وحدة للإرشاد الأسرى وأيضًا عقدنا دورات لتأهيل المقبلين على الزواج.
الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية مع الزميل مع محمد الطماوي
ماذا أثمرت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم منذ انطلاقها حتى الآن، ومن له الحق فى الإفتاء حول العالم؟
أمانة الإفتاء العالمية اضطلعت بمهام جسيمة فى وقت عصيب، ولفتت انتباه الرأى العام العالمى لحقيقة ما يجرى من مخطط إرهابى كبير، كما استطاعت القضاء على سيطرة المؤسسات المتطرفة على المراكز الإفتائية والدعوية العالمية فى خمس سنوات.
كما أصدرت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والتى تُعد أكبر مظلة إفتائية، تجمع لفيفًا من المفتيين والهيئات الإفتائية شاملة تحت مظلتها ستين دولة حول العالم، كتابًا تذكاريًّا باللغة الإنجليزية يوثق نجاحات الأمانة العامة خلال السنوات الخمس الماضية، التى نحتفل هذه الأيام بمرور خمس سنوات على إنشائها.
ومن ضمن الإنجازات إنشاء المؤشر العالمى للفتوى التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم انطلاقًا وإيمانًا منها بدور الفتوى فى توجيه الرأى العام والسلوك الجماعى والفردى، من أجل تتبع ورصد الفتاوى الشاذة وتفنيدها والرد عليها، وقد جرى الانتهاء من نسخة المؤشر للعام 2020، برسم خريطة تحليلية دقيقة لما كان عليه خطاب الفتوى بالعالم هذا العام، كان أبرزها قضايا الفتوى وكورونا والتنظيمات المتطرفة والإلحاد والإفتاء الإلكترونى وقضايا الإسلاموفوبيا، كما تم الانتهاء من مشروع «محرك البحث الإلكترونى للمؤشر العالمى للفتوى» كأول محرك بحث متخصص فى رصد وتتبع الفتاوى وتحليلها عالميًّا، ويعد النواة لأكبر قاعدة بيانات للفتوى المصنفة بالعالم.
والدار أنجزت العديد من الخطوات المهمة فى ملف التجديد، ولا يزال هناك جهود تتم فى الملف، ومنها كما ذكرت سابقًا تدشين الدار مرصدًا لمكافحة الفتاوى المتشددة والتطرف، لرصد الفتاوى التكفيرية على مدار 24 ساعة، ويتم التحليل لتلك الفتاوى وكتابة تقارير لمواجهة الفكر المتطرف، فمنذ 2014 تم كتابة أكثر من 500 تقرير عن الفتاوى التكفيرية، وتلك التقارير توضح موقف الدار من التطرف الواقع حول العالم، وهى فى الوقت نفسه كانت موضع اهتمام لمراكز الأبحاث الدولية، وتم ترجمتها للغات عديدة.
ودار الإفتاء المصرية لا تنفصل عن الواقع، وتعتبر شريكًا فاعلًا فى كل الأحداث العالمية، حيث تقوم بمهمتها فى تفكيك الفكر المتطرف والتحذير منه، وتصحيح المفاهيم الإسلامية عبر وسائل مختلفة من إصدارات مطبوعة وإلكترونية، والاستفادة من الفضاء الإلكترونى عن طريق موقعها الإلكترونى وصفحات التواصل الاجتماعى التى تبث بعدة لغات، فضلًا عن إيفاد علمائها فى جولات خارجية لدول عدة فى قارات العالم أجمع.
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وكذلك مجلس الإفتاء الشرعى بالإمارات، أعلنا أن «الإخوان» جماعة إرهابية، لماذا لم يصدر بيان مماثل من قبل كبار العلماء بمصر؟
فى الحقيقة كان بيان هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية الشقيقة مهما، ويضع النقاط على الحروف، ويبين الموقف الشرعى من الانتماء إلى جماعة الإخوان وحرمته بناء على مقومات علمية سردها البيان.
هذا البيان كاشف وراقٍ، وجاء ليضع النهاية ويبلور الأفكار السابقة فى صورة نهائية الآن، وعلى الشعوب أن تنتبه إلى هذا الخطر الذى تمثله الجماعة الأم ويمثله المتوالد عنها، أيًّا كان وصفه أو اسمه؛ لأنهم جميعًا يرجعون إلى أصل واحد وأم واحدة رضعوا جميعًا منها واستقوا كل أفكارهم وتوجهاتهم من هذه الجماعة الأم وهى "الإخوان".
أما عن موقف هيئة كبار العلماء فى مصر من جماعة الإخوان الإرهابية، فهو واضح وصريح منذ القدم وعلى مر التاريخ، فقد أكدت لفظها لتلك الجماعة وأفكارها منذ نشأتها حتى اليوم، وقد أصدرت جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى نوفمبر عام 1954، بيانًا مهمًا بين موقفها من جماعة الإخوان، ويتضح ذلك فى الفقرات التى جاءت فى بيان "كبار العلماء بالأزهر" وقتها ووجهته إلى الشعب المصرى الكريم وإلى سائر المسلمين، والذى بيّن لفظها لهذه الجماعة.
كما أصدر الأزهر كذلك بيانًا آخر عام 1965 بعنوان: "رأى الإسلام فى مؤامرات الإجرام" كتبه الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقتها الإمام حسن مأمون رحمه الله، قال فيه:"وإذا كان القائمون على أمر هذه المنظمات قد استطاعوا أن يشوهوا تعاليم الإسلام فى أفهام الناشئة، واستطاعوا أن يحملوهم بالمغريات على تغيير حقائق الإسلام تغييرًا ينقلها إلى الضد منه، وإلى النقيض من تعاليمه، فإن الأزهر لا يسعه إلا أن يصوب ضلالهم، ويردهم إلى الحق من مبادئ القرآن والسنة المشرفة، وإن الإسلام الذى يتاجرون باسمه، يصون حرمة المسلم فى دمه وماله وعرضه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله"، وقال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا».
وكان موقف الأزهر كذلك واضحًا فى مشاركته فى لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصرى عام 2014، حيث أكد رفضه لما حاولت الجماعة الإرهابية فعله.
المراكز الإسلامية فى الغرب، أصبحت تسيطر عليها غالبية الكيانات الإرهابية، حتى باتت بيئة حاضنة للعنف والتطرف، كيف تتصدون لذلك خصوصا فى وجود ثقل عالمى لدار الإفتاء، يفرض عليها حضورا واسع المدى للإحلال بتلك الكيانات؟
مع الأسف الكثير من المراكز الإسلامية فى الخارج، تحتاج إلى إعادة تقیيم وتأهيل للقائمین عليها بقوة، خصوصا أنها تحمل أجندات إخوانیة وأخرى مختلفة وتحصل على تمویل كبیر، وهو ما أدى إلى تأزیم وتقزیم الموقف ووضع الإسلام فى صورة سلبیة بسبب الخطاب الذى تحمله.
ودار الإفتاء المصرية تدرس منذ 2016، سبب وجود أزمة فى فهم الإسلام من قبل البعض بالغرب، واستعانت بتقرير أمريكى، يقول إنّ نسبة كبيرة من شباب أوروبا كانوا ضمن "إرهابيى داعش"، خصوصا ممن ينتمون للجيلين الثانى والثالث من شباب أوروبا، وقد تساءلنا لماذا يذهب هؤلاء الشباب إلى الموت؟، فهذه هى صناعة الموت، وتساءلنا عن الثقافة التى أدت إلى ذلك، وبالفعل كان هناك خلل كبير لدى بعض قيادات المراكز الإسلامية بالخارج.
ومن أجل ذلك عقدنا مؤتمرا فى مصر، تحت عنوان "التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة بالخارج"، ودعونا العديد من القيادات الدعوية حول العالم وخرجنا بتوصيات، على رأسها تأهيل قيادات المراكز الإسلامية بالخارج، وبعد هذا المؤتمر استقدمنا مجموعتين من قيادات المراكز الإسلامية من بريطانيا، وأجرينا حلقات نقاشية وتدريبية معهم، ووجدنا فى تقييمنا لتلك الدورات أنّ هذا الإمام أو الداعية كان يأتى بأسلوب معين، وبعد انتهاء النقاش معنا تغيرت رؤيته فى كثير من الأمور.
الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية مع الزميل مع محمد الطماوي
تتسلط الأضواء من حين لآخر، على قضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم.. كيف نواجه مثل هذا الأمر؟
الاعتداء على مقام النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بأى صورة من الصور مرفوض قطعًا ولا يقبله أى مسلم، لكن علينا فى الوقت نفسه فى التعبير عن غضبنا من هذه التصرفات الحمقاء، أن ننظر للصورة التى يظهر الإسلام بها، وهل إذا كانت حضارية تعرف غيرنا حقيقة الإسلام أو العكس، وبالتالى لا بد من دخول فى حالة من الحوار حول هذا الوضع.
وعلينا أيضا فى الوقت نفسه، أن نرفض أى تصرف متطرف يقوم به متطرفون بحجة الدفاع عن مقام النبى صلى الله عليه وآله وسلم، من أعمال قتل وتفجير تطول الأبرياء فى تلك الدول، وهو عكس النهج النبوي، وكل المؤسسات الدينية بالدولة المصرية، استنكرت العمليات الإرهابية التى طالت دولتى فرنسا والنمسا، وهناك العديد من الطرق السلمية المشروعة للتعبير عن غضبنا من تلك التصرفات.
كيف كان شعوركم فى 3 يوليو عندما بدأت أحداث العنف من الجماعة الإرهابية؟
بالتأكيد، 3 يوليو 2013، كان يومًا فارقًا فى تاريخ أهل مصر الحديث، فقد أفاق الشعب المصرى وتداركته العناية الإلهية، فأدرك بجلاء بعض مظاهر وخيوط المؤامرة على بلاده المحروسة، والمحاولات الخبيثة لاختراق الأمن القومى للبلاد، وتهديد مؤسساتها الوطنية بصورة علنية ومكشوفة، حتى تأكد من أن جماعة الإخوان الإرهابية وتوابعها ما هم إلا أداة لضرب المصريين بعضهم ببعض تحت ما يسمى "التدمير الذاتي"، فرايتهم عُمِّيَّة غير واضحة، وقيادتهم ممولة، وصغارهم مُسْتَغَلُّون مُضَللون!.
على ضوء من هذه الدلائل الشرعية انطلقت الإرادة المصرية فى إعلانها التصدى لاستمرار فصيل الجماعة الإرهابية فى سلطة الحكم، وقد صاحب تحركَ المصريين وخطواتهم نحو تحقيق هذا الهدف «توصيفٌ صحيحٌ أمينٌ» من مؤسسات الدولة المعنية يوم الثالث من يوليو 2013، فقد تحركت القوات المسلحة المصرية بإيجابية، حيث وقف قادتها الأبطال بشجاعة وشرف لإعلاء مصلحة الوطن ووضع أمنه وسلامة أراضيه فى مرتبة عالية تفوق أى اعتبار محلى أو إقليمى أو دولي، ومن ثَمَّ كان انحياز الجيش المصرى العظيم للشعب المصرى الأبى وتأييد إرادته ودعم مطالبه المعلنة فى إعلان خارطة الطريق مع مؤازرة ثابتة من مؤسسات الدولة الوطنية، وعلى رأسها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية والقضاء الشامخ، والوطنيون من رجال العمل السياسي؛ قيامًا بدورهم وواجبهم الشرعى والوطنى والدستوري، فهم جميعًا يمثلون أهل الحكمة والقوة القادرين على ضبط موازين الأمور.
المواجهة الفكرية مع التنظيمات الإرهابية كيف ومتى تتحقق؟ وما الآليات التى نحتاج إليها؟
الأفكار الدينية المغلوطة، تُعَد من أهم الأخطار التى نواجهها على المستوى المحلى والدولى، وذلك لأن التطرف الدينى فى العادة، لا يقف عند حد الفكر المتشدد المنطوى على نفسه القابع فى زاويته؛ بل سرعان ما يتطور إلى مرحلة فرض الرأي، ثم محاولة تطويع المجتمع بأسره قسرًا لهذا الفكر، ولا سبيل له إلا العنف والإرهاب وسفك الدماء.
والمواجهة الفكرية هى الأهم، حيث ينبغى على المؤسسات المعنية خوض مواجهة جادة مؤسسة على رؤية عميقة ودراسات دقيقة، بطريقة علمية حديثة وردود منهجية تتجاوز مرحلة الشجب والخطابة إلى مرحلة الرصد والتحليل، ومتابعة تطور هذه الأفكار المتشددة من جذورها التاريخية والاجتماعية، حتى وصلت إلى هذا الحد من الشراسة والعنف، ولعل المؤسسات الدينية من أولى المؤسسات التى ينبغى أن تُعنى بهذه المواجهة.
وهنا يجب أن أؤكد أن المواجهة الفكرية الجادة سوف تقضى على ظاهرة التطرف والإرهاب من جذورها، وتدعم جهود الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى فى كل دول المنطقة العربية، وسوف توفر علينا كثيرًا من الخسائر فى الدماء والأرواح التى تزهق فى المواجهات الأمنية أو فى العمليات الإرهابية، إضافة إلى ما سوف تؤدى إليه من دفع عجلة التنمية والإصلاح الاقتصادى الذى يعود بالرخاء على الشعوب والأفراد.
وكانت دار الإفتاء المصرية من أهم المؤسسات التى سارعت منذ بداية نشأتها للمواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، وواكبت تزايد وتيرة العنف وارتفاعها فى المنطقة، واستخدمت وسائل التكنولوجيا الحديثة سواء على نطاق الوقاية أم كوسيلة للعلاج.
تتسابق الشركات لتطوير لقاحات لمكافحة جائحة كورونا، وأصبح هناك جدل حول تماشى اللقاحات مع تعاليم الإسلام، بعد تداول أنها تحتوى على مشتقات من الخنازير، كيف ترى الأمر؟
لا مانع شرعًا من استخدام لقاح فيروس كورونا، ما دامت هذه المادة المستخدمة فيه قد تحولت طبيعتُها ومكوناتُها الخنزيرية إلى أخرى واستحالت إليها بحيث أصبحت مادة أخرى جديدة.
وعند تحول هذه المادة المستخدمة فى اللقاح إلى مادة أخرى أثناء عملية التصنيع حينها لا تسمى خنزيرًا، ولا يَصْدُق عليها أنَّها بهيئتها ومكوناتها التى تحوَّلت إليها جزء من الخنزير، ولا مانع حينئذٍ من استخدامها فى اللقاح للتداوى من فيروس كورونا وغيره من الأوبئة والأمراض.
ومسألة لقاح فيروس كورونا، المستخدم فيه مشتقات الخنزير، ينبنى الحكم فيها على الاستحالة، وهى - أى الاستحالة - تَحَوُّل المواد إلى أخرى لها مكونات أخرى مختلفة الأوصاف؛ فإذا ثبتت الاستحالة تغير الحكم، حيث رَتَّب الشرع الشريف المنع على حقيقة بعينها، وقد زالت، فيزول الحكم بزوالها، إذا أثبت التحليل المعملى تغير المكونات بحدوث روابطَ جديدةٍ بين الجزيئات يَشِى بانقلاب المهايا والحقائق، وذلك كما فى الخمر المتخللة، ودم الغزال المتحول لمسك.
بناءً على ذلك يجوز التداوى واستخدام اللقاح المستخدم فى مواجهة فيروس كورونا إذا تحولت فيه المادة المستخدمة فى تصنيعه إلى مادة أخرى.
استغلت الجماعات الإرهابية، جائحة كورونا، وأعلنت أنها عقاب إلهى بسبب عدم قيام دولة الخلافة من وجهة نظرهم، كيف يكون الرد على هؤلاء؟
هذا الوباء الواقع فى شرق الأرض، وغربها أمر غيبى، لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، ولا يجوز لنا كبشر أن نقول على الله تعالى ما لا نعلمه، وعلى من يدّعى ذلك أن يرجع إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة والاستغفار ويكثر من الأعمال الصالحة.
والجزم بأن الوباء عقاب من الله لا يصح، لأنه سبحانه لا تنفعه طاعة عباده ولا تضره معصيتهم، وأنى للخلق أن يتحملوا عقاب الله تعالى إذا أراده، بالإضافة إلى أن مثل هذه المحن والشدائد والأوبئة وقعت فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وفى عهد السلف الصالح، ولم يتعاملوا معه على أنه عقاب من الله تعالى أو طرد من رحمته.
والابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يحمل فى طياته اللطف، ويسوق فى مجرياته الخير، والمحن تأتى فى طياتها المنح، والأزمة ستمر، كما مرت قبلها أزمات، فإن الأمر يحتاج لمزيد من الصبر والثبات.
والأوبئة التى تصيب الأمة إنما هى رحمة من الله تعالى لهم، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها: «أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون، فيمكث فى بلدة صابرة، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد» فابتلاء الله لعباده لا يحكم عليه بظاهره بالضر أو النفع لانطوائه على أسرار غيبية وأحكام علوية لا يعلم حقيقتها إلا رب البرية.
تقوم الدولة بجهود حثيثة، تجاه أسر من ضحوا بحياتهم من أجل الحفاظ على الوطن، شهداء القوات المسلحة والشرطة، ما الدور الواجب على المجتمع أيضاً تجاههم؟
لا شك أن الدولة المصرية، تحفظ لشهدائها الجميل سواء من رجال الجيش والشرطة أم الأطقم الطبية فى مواجهتهم لجائحة كورونا، وقد أصدر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى حفظه الله العديد من القرارات لدعم أسر الشهداء، والمجتمع أيضًا عليه واجب تجاههم بدعمهم وحفظ جميلهم والتعرف على بطولاتهم.
الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية مع الزميل مع محمد الطماوي
لماذا تحولنا إلى مستهلكين للفتاوى، ونسأل حتى فى صغائر الأمور، ومتى نحد من ذلك؟
دعنا ننظر لهذا الأمر بشىء من الإيجابية، فهذا الأمر يعكس حجم زيادة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية، خصوصا الإفتاء بعد ما تم استردادها من الجماعات المتشددة التى أثرت على الناس لفترة من الزمن، ونفرت الناس ظلمًا وبهتانًا من المؤسسات الرسمية الدينية.
وهذا لا يعنى مطلقًا وجود وسوسة عند الأغلب من الناس، ولا تعنى كذلك المبالغة فى اللجوء إلى الدين على حساب الحلول المفترضة الأخرى، لكن الردود والفتاوى تتعلق بجوانب شرعية، غالبًا ما تشمل بيان الحكم الشرعى المطلوب، بالإضافة إلى مراعاة العامل النفسى للمستفتين.
كثر فى الآونة الأخيرة إطلاق الشائعات التى تستهدف مؤسسات ورموز الدولة.. كيف تواجه دار الإفتاء مثل تلك الشائعات والفتاوى المغلوطة؟
هناك الكثير من المستفيدين من تشويه الرموز والمؤسسات الدينية الرسمية الوطنية، من بينها جماعة الإخوان التى تُسخّر كل إمكاناتها وكوادرها فى الداخل والخارج وأبواقها الإعلامية، لتشويه الرموز والمؤسسات المصرية ذات التاريخ العريق والدور الكبير، الذى يحظى بتقدير واحترام كل المصريين.
وقد رصدنا من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء، أن الأبواق الإعلامية للجماعة دشنت حملة منظمة لتشويه رموز الدولة ومؤسساتها، والنيل منها، عبر نشر عدة تقارير وأخبار تحمل الشائعات والأكاذيب التى تروج لها الجماعة فى المحافل الإقليمية والدولية.
وعملية التشويه هذه تتسق مع أهداف الجماعة فى نشر الفوضى والنيل من الرموز والشخصيات المهمة فى الوطن، التى تتصدى بكل قوة لمحاولات الجماعة الواهية للعودة من جديد للمشهد، وهى جهود تُبذل من كل المؤسسات الوطنية التى تقف بالمرصاد لجماعات العنف والقتل المختبئة خلف ستار الدين والشعارات الإسلامية المختطفة.
كيف ترى آلية مواجهة خطر السوشيال ميديا، الذى تسبب فى تزايد ظاهرة «فوضى الفتاوى» وكذلك تداول فتاوى وتصريحات شاذة عن المجتمع كان آخرها زواج التجربة؟
أكدنا مرارًا وتكرارًا أن نشر الشائعات وترديدها محرم شرعًا، والإنسان مسئول مسئولية تامة عن كل كلمة يكتبها أم ينطقها وعن كل إشارة يشير بها سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو غيرها من الوسائل، ويمكننا القول: إن الشائعات خطر ما بعده خطر يهدد وعى المواطنين، وتعتبر أشد خطرا من الفيروسات والأوبئة.
وقد حذرنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الكذب، حين قال: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".
ولا شك أن نشر الأخبار الكاذبة وكتابة أخبار غير حقيقية وترديد هذه الشائعات، سوف يلاقيه كل شخص يوم القيامة وهو أمر محرم شرعًا، ومعركة الوعى هى السبيل الوحيد للنجاة من نشر الأخبار الكاذبة وكتابة أخبار غير حقيقية و"بوستات" وترديد الشائعات كله مسجل وستلقاه يوم القيامة.
ويسهم فى سرعة انتشار الشائعة، سببان رئيسيان الأول هو أهمية الموضوع، فكلما كان الموضوع ذا أهمية كثرت الشائعات حوله، والثانى قلة انتشار المعلومات الصحيحة عن هذا الموضوع، والشائعات تستهدف النيل من وعى المواطن، وعلى الجميع مسئولية الحفاظ على بلادنا، كما على الشباب التوجه للمتخصصين لتصحيح الشائعات التى يتعرضون لها، وكل منا عليه دور فى غاية الأهمية والخطورة فى مواجهتها، ذلك لأن إحداث الوعى الحقيقى مسئولية سنسأل عنها أمام الله عز وجل، فلا شك أن الشائعات تمثل خطرا كبيرا على استقرار المجتمعات، كونها تمثل إحدى أدوات حروب الأجيال الحديثة التى تسعى لزعزعة الاستقرار والأمن فى المجتمع.
الزيادة السكانية تأكل ثمار التنمية، ما السبيل التى يجب تنفيذها للحد من هذا الأمر؟
الوطن يمر بظروف استثنائية، جعلت التنمية الاقتصادية قضية محورية مهمة، ومن المستحيل أن تحقق أى دولة فى العالم تنمية اقتصادية شاملة مع وجود زيادة سكانية تلتهم مخرجات تلك التنمية.
ولا شك أن النمو المتزايد فى عدد السكان، يولد التكدس على الخدمات والتنازع على كل الموارد، مما يثقل الدولة بالديون، ويجعل كل مواردها ومؤسساتها مستنفرة لمواجهة ومجابهة حاجة المواطنين، مع التأكيد على أن البنون نعمة كبيرة، حماها الإسلام والقوانين الوضعية، لكن إذا اقتضت الحاجة تنظيم النسل فيجب أن يستجيب الجميع ويتكاتف لعدم تحويل تلك النعمة إلى نقمة عن طريق عدم الفهم.
واتخاذ مثل هذه التدابير أمر مشروع، بدليل أن الصحابة كانوا يفعلون "العزل" على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمور تحسينية متعلقة بالنواحى الجمالية، ولم ينكر عليهم النبى ذلك العمل، والدليل هو قول جابر رضى الله عنه "كنا نعزل والقرآن ينزل ولم ينهنا النبى صلى الله عليه وسلم".