منذ بداية العام وهناك إصرار من بعض مذيعى برامج التوك شو على استضافة من يدعون أنهم خبراء فى علم الفلك والتنبؤ بالمستقبل، ووصف بعض ما سيحدث للبلاد والأشخاص، حتى تصدرت توقعاتهم مواقع السوشيال ميديا طوال الشهر الماضى، وهو أمر غير مقبول فى الأديان السماوية، وطالما حذرنا الله سبحانه وتعالى منه، لما به من استخفاف بالعقول.
موضوعات مقترحة
عن حكم الإسلام فى الترويج لمثل هذه الخرافات، ومن يدعون أنهم يعلمون الغيب، وهل حقا هناك أشخاص لهم القدرة على التنبؤ بالمستقبل يحدثنا الدكتور محمد وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر.
هل هناك أشخاص حباهم الله بالقدرة على التنبؤ بما سيحدث فى المستقبل؟
التنبؤ بالمستقبل غيب.. والغيب لايعلمه إلا الله سبحانه وتعالى بمعنى أنه لايوجد شخص يعلم الغيب وكل شىء يحدث فى هذا الكون بيد الله وحده لكننا لاحظنا -بكل أسف خلال السنوات الأخيرة- إصرار بعض البرامج الشهيرة على استضافة الدجالين والعرافين الذين يقولون فى دين الله سبحانه وتعالى ما ليس فيه ويزعمون أنهم يعلمون الغيب وهذا كله غير حقيقى ويعد إثما كبيرا.
هل هناك إثم يقع على من يستمع لهذا الكلام؟
من يصدق كلام هؤلاء العرافين هو آثم شرعا، وذلك بنص حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (من آتى عرافا أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما نزل على محمد) ومن أتى عرافا وسأله عن شيء لن تقبل له صلاة أربعين يوما، وأنا أرى أن من يستضيفون هؤلاء الدجالين، ويضفون هالة على كلامهم وتوقعاتهم التى ليس لها أى أساس من الصحة يعملون على تغييب وعى الناس من خلال نشر هذه الخرافات، وأظن لو كان هناك شخص يستطيع قراءة المستقبل والتنبؤ بما سيحدث فيه من خلال ورق الكوتشينة لقام من باب أولى بإسعاد نفسه وحل مشاكله، لكنه لن يقدر على ذلك، وغالبا معظم السحرة والدجالين يموتون فى فقر مدقع لأنهم ابتعدوا عن منهج الله وأخلوا بقانون التعددية فى الكون، بمعنى أنه لو كان هناك شخص يعلم الغيب وآخر لايعلمه لاستطاع من يعلمه أن يتحكم فى مصيره ومصير من حوله، وهذا بالطبع يخالف قدر الله ومنهجه.
الله سبحانه وتعالى فى سورة الواقعة أقسم بمواقع النجوم.. فهل يقع هذا القسم على علم الفلك وحده؟
نعم.. وهناك قسم خاص بعلم الفلك فى كلية العلوم بجامعة الأزهر وهذا العلم يعتمد على مواقع النجوم بما يجعله يضع صفات عامة فى أشياء عامة، لكنه لايمت بصلة لقصة التوقع والتنبؤ هذه على الإطلاق لأن أى كلام عن ما سيحدث فى الغيب يعد تطاول وتدخل فى علم الله سبحانه وتعالى لذا أنا أرجو من السادة الإعلاميين التوقف فورا عن مثل هذه النوعية من البرامج والضيوف لأنها تضلل الناس والمجتمع ومن ينشرها آثم شرعا.
بعضهم يستند على تحقق بعض هذه النبؤات بالفعل فى السنوات الماضية؟
الموضوع صدفة ليس أكثر، وإن كنت تتحدثين عن تلك التي ظهرت فى نهاية عام 2019، وتنبأت بظهور وباء فى 2020 فدعينا لاننسى أن الوباء ظهر بالفعل فى الصين منذ نوفمبر 2019 وبالتالى توقع انتشاره كان أمراً طبيعياً، أما فيما يتعلق بأى أمر آخر فالقصة قد تكون اختبارا من الله يمتحن به عباده، ولكن الحقيقة أن مثل هؤلاء الدجالين لايعلمون شيئا ومن يعلم الغيب هو الله وحده عالم الغيب ولا يظهرعلى غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسوله، وبالمناسبة ما ينطبق على هؤلاء الدجالين ينطبق أيضا على من يكتبون حظك اليوم فى الجرائد والمجلات
فأنا أعرف ناس لاتخرج من بيتها إذا قرأت فى الجريدة أن حظها فى هذا اليوم سيئ بالرغم من أننا نعلم أن من يضع هذا الكلام يكتبه بالصدفة، ولكنه يروج لانتصار الشيطان فى معركته مع الإنسان المؤمن لذا يجب علينا جميعا أن نتمسك بمنهج الله وبقوة إيماننا بقضاء الله وقدره.
ما هو الفرق بين التنبؤ والبصيرة؟
لايوجد شىء اسمه التنبؤ لأن الغيب لايعلمه إلا الله ولكن سيدنا رسول الله قال (اتقوا فراسة المؤمن فانه يرى بنور الله سبحانه وتعالى) وتلك هى البصيرة أو الفراسة، وهو علم خاص جدا يمنحه الله سبحانه لمن يشاء من عباده، وهذا العلم أو البصيرة تجلت فى عطاء الله لسيدنا الخضر العبد الصالح الذى وصفه تعالى فى سورة الكهف بقوله (فوجدا عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) والبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين يبصر بها المؤمن الحقائق كما هى، وهى تمنح صاحبها القدرة على الإحساس ببعض الأشياء التى ستحدث له وغالبا ما تأتى فى رؤية بالمنام أو همسات الملائكة، وإذا غلب نور البصيرة انهزمت وسوسة الشيطان.
ظهرت مؤخرا أعمال درامية تتحدث عن السحر وتسخير الجن وقدرته على إيذاء البشر..فما رأيك فى الترويج لمثل هذه الأفكار؟
أفكار سخيفة ومضللة لاعلاقة لها بالإسلام، فالجن سلطانه الوحيد على الإنسان هو الوسوسة، ولكننا لاننكر أنه عالم موجود بالفعل، وهناك سورة كاملة فى القرآن اسمها سورة الجن، وهم أجسام نارية من خلق لله تأكل وتشرب وتتناسل، وهم مكلفون مثلنا كما جاء فى قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لكن هناك فرق بين إيماننا بوجودهم والترويج بأن لهم تأثيرا علينا فلا يوجد جن له تأثير على الإنسان حتى لو كان عفريتا من شيكاغو وقراءة المعوذتين وآية الكرسى فقط كفيلة بتحصين الإنسان من كل شياطين الإنس والجن.
ولكن السحر مذكور فى القرآن؟
مضبوط ولكن الله قال عنه (وما هم بضارين به أحد إلا بإذن الله) ولكن دعينى أوضح أن الساحر مهما كانت قوته لايستطيع إيذاء شخص يسير على منهج الله، فالحفاظ على الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والاستعانة بالله حصانة للمؤمن من كل سحرة وشياطين الدنيا ويكفى أن أقول لك ان من يقرأ سورة البقرة مرة كل ثلاثة أيام مستحيل أن يصيبه سحر أو ضرر، وقد أوصانا نبينا الكريم بها قائلا: "عليكم بسورة البركة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولايستطيعها السحرة" فقراءة سورة البقرة حماية من الإنس والجن والضرر والوباء والابتلاء.
معظمنا أصابه الإحباط خوفا من الوباء.. فكيف نحيى الأمل فى نفوسنا من جديد؟
الأمل فى الله لاينقطع أبدا، وبالمناسبة هذا الابتلاء العظيم ليس معناه غضب الله ولكنه محبة منه فقد سلط سبحانه وتعالى علينا فيروسا لايرى بالعين المجردة ومع ذلك هزم العلم والطب وأوقف عجلة الاقتصاد والمصانع والشركات والمؤسسات والاستثمارات الضخمة فى العالم كله ليرينا طلاقة قدرته ويرجعنا إليه كما قال تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) وفى آية أخرى (ولتبلون بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) والابتلاء لايكون بالشر فقط وإنما هناك ابتلاء بالخير عندما يمن علينا الله بنعمة كبيرة مثل المال أو الأولاد أو الصحة ولكننا لم نحافظ عليها فهذا أيضا ابتلاء.
كيف يمكننا الحفاظ على أنفسنا من الوقوع فى الابتلاء سواء بالخير أو الشر؟
بالتمسك بمنهج الله ورسوله والإكثار من الصدقة فالصدقة تحمى صاحبها والمؤمن يوم القيامة سيأتى تحت ظل صدقته، وقد أوصانا النبى عليه الصلاة والسلام بأن نتصدق دائما ولو بشق تمرة فإن لم نجد فبكلمة طيبة كما قال ما نقص مال من صدقة والله سبحانه وتعالى ينادى يوم القيامة فيقول: أين جيرانى فتندهش الملائكة وتتعجب وتقول له: يا ربنا فمن ذا الذى ينبغى له أن يجاورك يا الله فيجيب سبحانه وتعالى أين قراء القرآن وأين عمار المساجد وأين الذين أنفقوا أموالهم ابتغاء مرضاة الله وأخرجوا الصدقة لتعمير بيوت الله والصالحين يقولون عودنى الله عادة وعودت عباده عادة فأخاف أن أقطع عادتى عن الناس فيقطع الله عادته عنى.