Close ad

في الذكرى السابعة والستين لـ23 يوليو.. كيف نجحت "الثورة البيضاء" في تغيير مستقبل مصر؟

23-7-2019 | 08:32
في الذكرى السابعة والستين لـ يوليو كيف نجحت الثورة البيضاء في تغيير مستقبل مصر؟ اللواء محمد نجيب يلقي أحد بيانات ثورة 23 يوليو
أحمد سعيد

تحل اليوم، الذكرى الـ67 لثورة 23 يوليو 1952، التي انطلقت شرارتها الأولى على أيدي مجموعة من الضباط الأحرار ضد نظام الحكم الملكي آنذاك، والتي عرُفت في البداية باسم "الحركة المباركة" حتى أطلق عليها الكثير فيما بعد لفظ «ثورة»، عقب نجاحها في تحقيق الكثير من الأهداف والإنجازات على كافة المستويات والأصعدة على المستوى الداخلي والخارجي.

موضوعات مقترحة

فلاتزال ثورة 23 يوليو، التي قام بها مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم "تنظيم الضباط الأحرار" بقيادة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر، تشكل علامة بارزة في تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية في مساره الوطني بما أجرته من تحولات جذرية في جميع جوانب الحياة.

مبادئ الثورة الستة


تجلت أبرز المبادئ الرئيسية في الثورة في 6 أهداف واضحة، تمثلت في القضاء على الإقطاع، والاستعمار وأعوانه، والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وعدالة اجتماعية، وبناء جيش وطني، وتميزت هذه الثورة أنها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وقدمت وجوها وطنية شابة لواجهة الحكم في مصر.

أسباب عدة وكثيرة، كانت كفيلة وكافية أن تستنهض هؤلاء الضباط للقيام بثورتهم ضد نظام الحكم في ذلك الوقت، لاسيما في ظل استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية وحدوث اضطرابات داخلية وصراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبدالهادي، وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في مصر في ذلك التوقيت، بالإضافة إلى سوء توزيع الملكية وثروات الوطن واستغلال الاستعمار وأعوانه الظروف من أجل السيطرة والاستحواذ على مقاليد الأمور في البلاد.

الهزيمة في حرب فلسطين

تمثلت الطامة الكبرى في الهزيمة في حرب فلسطين 1948، وظهور فضيحة الأسلحة الفاسدة، والتي كانت تعد أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، التي نجحت في أن تؤتي ثمارها وآثارها المرجوة وأن تخرج بإنجازات باهرة سجلت في صفحات التاريخ.

ولعل أبرز ما أنجزته ثورة يوليو، تمثل في القضاء على الاستعمار وأعوانه، حيث وجهت أول ضرباتها ضد أعوان الاستعمار وعلى رأسهم الملك، فبدأت فور قيامها بعزله عن الحكم، ثم ألغت النظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري في 18 يونيو 1953، وما ترتب على ذلك من بدء عصر جديد يحكم فيه ابن من أبناء مصر، كما قامت الثورة أيضاً بالقضاء على مزايا الأسرة الحاكمة وأعوان الديوان فتمت مصادرة أموال الملك السابق فاروق في سبتمبر 1953 من قصور عديدة وما فيها لتصبح كلها ملكاً للأمة .

وكذلك نجحت في تحقيق الاستقلال الوطني لمصر، عندما انتزعت من الإنجليز جلاء قواتهم عن مصر جلاء تام لأول مرة منذ عام 1882، وتم توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا في 19 أكتوبر 1954، وبمقتضاها أخذ الإنجليز يجلون عن مواقعهم في القنال حتى غادر آخر فوج من قواتهم أرض مصر يوم 13 يونيو 1956.

الإصلاح الزراعي
كان من بين أبرز الإنجازات التي حققتها الثورة، هو القضاء على الإقطاع الذي سيطر على الغالبية العظمى من فلاحي مصر، وذلك عن طريق تحديد الملكية الزراعية، والذي تم بمقتضى قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في 9 سبتمبر 1952، بهدف إعادة توزيع الملكية الزراعية، وتحديد العلاقة بين المستأجر ومالك الأرض الزراعية ورفع مستوى معيشة العمال الزراعيين والعمل على زيادة إنتاجية الأرض الزراعية وتحرير الفلاح من استغلال الإقطاع، وقد شهدت الفترة من عام 1952 إلى عام 1961 إعادة تكوين المجتمع الزراعي في مصر، بمنع تحكم كبار الملاك، وتحرير قوى الإنتاج الزراعي، وإنشاء تعاونيات الإنتاج، وتحديث أسلوب السياسة الزراعية، وإنشاء نقابات العمال الزراعيين.

وأدت سياسة الإصلاح الزراعي إلى زيادة عدد ملاك الأرض الزراعية من 2801 ألف مالك قبل صدور قانون 1961 إلى نحو 3211 ألف مالك في عام.

إعادة بناء الجيش
كانت للثورة دور رئيسي ومحوري في إعادة بناء الجيش، حيث بدأت أولى الخطوات بكسر احتكار السلاح عام 1955، وذلك بعقد صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا ثم مع الاتحاد السوفيتي، وبدأت عملية تنظيم الجيش وتزويده بالأسلحة الحديثة، وشمل التطوير إنشاء وحدات حديثة خاصة مثل وحدات المظلات والصاعقة وإدارة الحرب الكيمائية، وتحديث وسائل الاتصال مع الارتقاء بمستوى التدريب، وإنشاء مدارس إعداد الفنيين العسكريين والكلية الفنية العسكرية، والمدرسة الثانوية الجوية.

كما تم إنشاء المصانع الحربية لمد القوات المسلحة بما تحتاجه من ذخائر، وساهمت هذه المصانع في الوفاء بقدر كبير من بعض أنواع الأسلحة والذخائر لمصر، وبعض الدول العربية والإفريقية، كما برز الاهتمام بنظم التدريب وإرسال البعثات إلى الدول الرئيسية التي يتم استيراد السلاح منها، واتبعت مصر سياسة تدريب العسكريين العرب والأفارقة في المعاهد والكليات العسكرية المصرية، وتم أيضاً تدعيم الدور المدني للقوات المسلحة في تقديم خدمات وأنشطة مدنية.

تأميم قناة السويس

كما نجحت الثورة أيضا في القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وتحقيق التحرر الاقتصادي والخروج من سيطرة رأس المال على الحكم، وتنظيم الاقتصاد القومي وفق خطط مرسومة، وذلك من خلال خطوة هامة وهي التأميم، التي بدأت بتأميم شركة قناة السويس عام 1956 شركة مساهمة مصرية.

وفي عام 1957 أصدرت حكومة الثورة قرارات التمصير (التأميم) وشمل ذلك البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد، وفي فبراير 1960 أممت الثورة البنك الأهلي وبنك مصر، ثم قامت بحركة تأميم كبرى في يوليو عام 1961، ثم في يوليو عام 1962، وقد أدت هذه السياسة ليس فقط إلى القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، وإنما أدت أيضاً إلى تحرير العمال ورفع مستواهم وإعطائهم نسبة من أرباح الشركات، وضمنت أيضاً هذه السياسة مورداً مالياً للدولة مكنها من تنفيذ سياستها في مرحلة بناء المجتمع.

وأدركت ثورة يوليو حجم التباين الطبقي والاجتماعي، الذي يرتبط بنظام الإقطاع وسيطرة الاحتكار على مؤسسات الدولة، فلم تكن قرارات تحديد الملكية الزراعية وتأميم الشركات الكبرى ذات بعد اقتصادي فقط بل ذات أبعاد اجتماعية ضخمة، أدت إلى التقريب بين طبقات المجتمع، وجاءت هذه الإجراءات مصحوبة بإلغاء الألقاب والرتب في 30 يوليو عام 1952، وبذلك تخلص الشعب من طبقة البكوات والباشاوات.

ووجهت ثورة يوليو جهودها لدهم الفقراء ومحدودي الدخل وتمثل ذلك في قوانين الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، والعلاج المجاني، وإصلاح قوانين العمل لحماية الطبقة العاملة من استغلال أصحاب العمل وضمان مستوى معيشي أفضل، فصدر القانون الوزاري رقم 65 لسنة 1952 والخاص بتحديد الحد الأدنى لأجور عمال الزراعة، وذلك بقصد تحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية.

دعم المرأة
 

حظيت المرأة بمكانة لائقة عقب الثورة، فكانت الخطوة الأولى في أول دستور مصري بعد الثورة ـ دستور 1956 ـ الذي اهتم بإعطاء المرأة المصرية حقوقها السياسية وإبراز دورها الذي تقوم به في المجتمع والأسرة، وبإقرار دستور 1956 لحقوق المرأة السياسية دخلت المرأة البرلمان لأول مرة فى التاريخ الحديث، وفي عام 1958 دخلت المرأة المعركة الانتخابية ناخبة ومنتخبة، كما ساهمت المرأة في أعمال السلطة التنفيذية وشغل المناصب الوزارية، وقد دخلت المرأة المصرية الوزارة لأول مرة في عهد الثورة كوزيرة للشئون الاجتماعية عام 1962.

كما أدركت حكومة الثورة دور الشباب، وكانت البداية بإنشاء اتحاد الشباب القومي عام 1960 بهدف تنمية الروح القومية، ودعم صلات الإخوة بين الشباب العربي.

إلغاء دستور 1923
وتجلت أبرز مكتسبات الثورة في إلغاء دستور عام 1923 لأنه لم يعد يناسب الأوضاع الجديدة بالبلاد وحددت في بيانها الصادر في 16 يناير 1953 فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات حتى تتمكن من إقامة حكم ديمقراطي دستوري سليم، كما قامت بحل جميع الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953، وتم إنشاء "هيئة التحرير" التي أعلن عن قيامها في 23 يوليو 1953 كأول تنظيم سياسي أقامته الثورة يهدف إلى تحقيق المصالح والأهداف القومية للشعب وشعاره "إجلاء المستعمر عن كل شبر من أرض مصر".

وفي 16 يناير 1956 أعلن جمال عبدالناصر الدستور الجديد الذي أقر عروبة مصر كما أقر النظام الجمهوري، وفي 23 يونيو 1956 تم الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية معا، وأسفرت النتيجة عن الموافقة على الدستور وعلى إجماع الشعب على اختيار الرئيس جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية.

ونحو مواصلة الثورة السبيل إلى تحقيق الحرية السياسية للمواطنين أصدر جمال عبدالناصر فى 4 نوفمبر 1961 بيانا سياسيا عن خطوات تنظيم العمل الشعبي وفكرة القوى الشعبية.

واستطاعت الثورة بعد تأميم قناة السويس وتمصير المصالح الأجنبية وشركات التأمين والبنوك أن تدخل ميدان التخطيط العلمي الشامل وكانت أول إشارة للأخذ بمبدأ التخطيط القومي الشامل في مصر في 27 نوفمبر 1958 عندما أعلن جمال عبدالناصر في المؤتمر التعاوني الذي عقد بجامعة القاهرة عن البدء في إعداد الخطة الشاملة لجميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتركزت مجهودات تنمية الصناعة على الاهتمام بتطوير الصناعات القائمة مثل الغزل والنسيج وحلج القطن وإنشاء شركات الأسمدة والسكر وتأسيس الشركات الغذائية والكيماوية والحديد والصلب وركزت الحكومة على الاهتمام بالصناعات الإستراتيجية.

مشروعات قومية عملاقة

حققت ثورة يوليو الكثير من المشروعات الكبرى والإنجازات القومية، أبرزها تمثل في حتمية زيادة الرقعة الزراعية عن طريق استصلاحها فكانت مشروعات استصلاح الأراضي الصحراوية في مشروعين كبيرين: هما مشروع مديرية التحرير ومشروع الوادي الجديد، اللذان أضافا إلى مصر مساحات مزروعة إلى مساحتها التقليدية في الوادي والدلتا، كما شهدت تلك الفترة نهضة صناعية عملاقة، فكانت المشروعات الصناعية العملاقة في مجال صناعة الحديد والصلب والكيماويات والدواء والإنتاج الحربي، فتحققت لمصر قاعدة صناعية مكنتها من الوفاء باحتياجاتها المتزايدة من الإنتاج، كما تم الاهتمام بصناعات التعدين والبتروكيماويات، وأنشئت لأول مرة وزارة للصناعة عام 1956.

مشروع السد العالي

كما نفذت ثورة يوليو مشروع السد العالي كأحد أهم المشروعات القومية العملاقة في تاريخ مصر الحديث، بهدف توفير المياه لزيادة الرقعة الزراعية مليون فدان وتحويل 700 ألف فدان في الوجه القبلي من نظام ري الحياض إلى نظام الري الدائم وتوليد 10 مليارات كيلووات من الكهرباء توفر على الدولة 2.5 مليون طن من الوقود وهو ما فتح الطريق نحو غزو الصحراء واستصلاح الأراضي الجديدة، وقد بدأ العمل في بناء السد العالي في 9 يناير 1960 وكان تدبير تمويله من أهم مشاكل إنشائه لرفض البنك الدولي التمويل تحت ضغوط أمريكية، فأعلن عبدالناصر تأميم شركة قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية تحقق لها سيادتها واستقلالها وتحقق لها عوائد مضمونة تسهم في دعم الاقتصاد المصري.

مجانية التعليم

اهتمت الثورة بالتعليم لأهميته في بناء الوطن، وقامت سياسة الثورة في التعليم على الجمع بين التربية والتعليم لإعداد المواطن إعداداً سليماً والأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعليم بعد أن جعلته مجانياً، كما أنشأت حكومة الثورة وزارة للتعليم العالي عام 1961، كما اهتمت بتحقيق التعاون الثقافي مع البلدان العربية الأخرى ومن مظاهر ذلك إنشاء جامعة القاهرة فرعا لها بالخرطوم بدأ العمل به في أكتوبر 1955.

ونظراً لأهمية البحث العلمي في تحقيق مسيرة النهضة أنشئت لأول مرة في مصر وزارة البحث العلمي لتنسيق الجهود بين مختلف المعاهد والهيئات ومراكز البحوث العلمية، كما تأسس المركز القومي للبحوث.

وتولت وزارة الثقافة والإرشاد القومي أيضاً الإشراف على الإعلام وأجهزته المختلفة، وتم افتتاح التليفزيون المصري يوم 21 يوليو 1960، كما اهتمت الثورة بالصحف وأصدرت الصحف التي تحمل فكر الثورة مثل مجلة التحرير وجريدة الجمهورية، كما أنشأت وكالة أنباء الشرق الأوسط التي بدأت عملها الإخباري في 28 فبراير 1956 كأول وكالة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، واستندت ثورة يوليو إلى الهيئة العامة للاستعلامات كجهاز إعلامي منذ إنشائها في 2 سبتمبر عام 1954 من أجل تنفيذ مهام سياسية محددة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: