Close ad

"أوين" "فيكتوريا" "وفيضانات كاسيسي" شهود على قوة العلاقات المصرية -الأوغندية.. والنيل يظل"رباطا مقدسا"

8-5-2018 | 14:08
أوين فيكتوريا وفيضانات كاسيسي شهود على قوة العلاقات المصرية الأوغندية والنيل يظلرباطا مقدساالرئيس السيسي والرئيس الاوغندي
أحمد سمير

بين مصر وأوغندا علاقات تعاون عديدة، لم تبن على أساس سياسي، ولا في إطار تبادل المنفعة، ولكنها علاقة ارتبط بموجبها أبناء الشعبين "ربانيا"، برابط أزلي يسمى نهر النيل، أحد منبعيه في أوغندا وثانيهما خُلق في إثيوبيا، إلا أن مصبه الوحيد شاء القدر أن يكون في أرض مصر.

موضوعات مقترحة

التقارب الطبيعي بين الدولتين، بالمجرى المائي القديم، ساهم كثيرا في تقارب وجهات النظر بين الدولتين الإفريقيتين، خاصة فيما يختص بتنظيم سريان شريان الحياة المائي، في أوردة دول القارة السمراء، المتشاطئة على حوضه الكبير.

وكان باكورة التعاون بين مصر وأوغندا، ما اتفقتا عليه في عام 1950، على إنشاء سد أوين- نالوبالي حاليا- ووقعت الدولتان اتفاقية في عام 1953 لإنشاء السد، على مخرج بحيرة فيكتوريا؛ لتنظيم خروج المياه من البحيرة.

فيكتوريا هي ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم، من حيث المساحة، وهي أكبر بحيرة استوائية أيضًا في العالم، بمساحة تبلغ 68 ألفًا و870 كيلو مترا مربعا، وجعلتها هذه المساحة الشاسعة تضم حوالي 3000 جزيرة، ويبلغ عمق أعمق نقطة فيها 82 مترا.

لم يكن لإنشاء سد أوين على بحيرة فيكتوريا، أثر إيجابي على مصر وحدها، ولكنه أدى كذلك إلى ارتفاع مستوى منسوب المياه العذبة في البحيرة بمعدل 90 سم، وهو ما ساهم في توفير كمية كبيرة من المياه العذبة، التي تجري في عروق "النيل الأبيض"، ولأن التوافق كان –ومازال-سائدا بين البلدين، فقد اتفق الجانبان على تواجد 3 مهندسين مصريين يعملون مع الإدارة الأوغندية في جمع البيانات الهيدرولوجية والمناخية، وتصرفات النهر، بما يعكس نموذجا للتعاون، يحتذى به في إدارة السدود التي تقام على نهر النيل.

ساهمت مصر في بناء سد أوين بـ "مليون جنيه إسترليني"، وكان الجنيه الإسترليني وقتئذ تعادل قيمته جنيهًا من الذهب، وهذا يعني أن القيمة الحالية لهذه المشاركة اليوم تتعدى حاجز 300 مليون دولار، وفي عام 1991، اتفقت مصر وأوغندا على إنشاء امتداد لسد أوين، وهو ما يعرف بسد كيرا، بهدف زيادة توليد الطاقة الكهربائية.

مشروعات التعاون في إقامة السدود، بدولة منبع النيل الأبيض، لم تكن الجهود المصرية الوحيدة التي تنفذها في أوغندا، ففي إطار مذكرة تفاهم موقعة مع وزارة المياه والبيئة الأوغندية، في 12 يناير 2010، اتفقت الدولتان على حفر وتجهيز عدد من الآبار الجوفية، في عدد من المناطق المتفرقة بأوغندا، بتكلفة تبلغ 4,5 مليون دولار؛ بما تعد مشروعات تنموية، شملت إنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وحفر آبار لمياه الشرب، وتدريب الكوادر الفنية الأوغندية.

وتمكن المشروع من توفير مياه الشرب لـ 3500 عائلة، بما يعادل 25 ألف نسمة، حيث تم حفر 75 بئرا جوفية، استخدمت في استخراج المياه منها طلمبات يدوية في عدد من المواقع النائية بأوغندا، كما تم تزويد عدد من هذه الآبار بطلمبات تعمل بالطاقة الشمسية، للاستفادة من مياه الآبار في الشرب والرعي، وإنشاء مجمعات لمياه الشرب النقية لاستخدامات الأفراد والأهالي في القرى والمناطق الريفية، بتكلفة بلغت نحو مليون دولار.

دعت الحاجة إلى توقيع ملحق عقد مع الشركة المنفذة للمشروع في 15 ديسمبر 2015 لميكنة بئرين جوفيين في أوغندا، في المقاطعات الكبيرة، بطلمبات تعمل بالطاقة الشمسية؛ لتوفير مياه الشرب والاستخدامات المنزلية، ولتكون نواة لمشروعات الآبار الجوفية الحديثة، المزودة بشبكات التوزيع وخزانات المياه؛ لتصبح فيما بعد محطة مياه شرب صغيرة.

لم ينته الدور المصري في أوغندا عند توفير مياه الشرب فقط، ولكنه امتد للقيام بحملات توعوية للمجتمعات الموجودة في نطاق الآبار الجوفية، لتوعيتهم للحفاظ على مياه الآبار، وحسن استخدام المياه؛ لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا المشروع، بالإضافة إلى تدريبهم على كيفية صيانة البئر والاعتناء بها.

وكما امتدت العلاقات بين البلدين على مدار عقود في أوقات الرخاء، وجدت دولة المنبع في دولة المصب الملجأ، عندما هاجمتها الفيضانات، وأتت على الأخضر واليابس في أراضيها، بعد أن تسببت في إزهاق أرواح المواطنين والحيوانات، مخلفة وراءها خسائر فادحة.

فقد تقدمت وزارة المياه والبيئة الأوغندية، بطلب عاجل –استغاثة- إلى الحكومة المصرية، للمساعدة في تخفيف الأثار السلبية للفيضانات بمنطقة كاسيسى غرب أوغندا، والتي تعرضت على مدار السنوات العشرين الماضية لموجات من الفيضانات العارمة، نتيجة للانهيارات الأرضية الشديدة بالمناطق الجبلية وتحرك الصخورغير الثابتة في اتجاه التجمعات السكنية والمزارع وأماكن تربية المواشى والطيور.

لتنتفض مصر بكامل أجهزتها المعنية، لنجدة شقيقتها، مُبدية استعدادها الكامل لتقديم الدعم والمساعدات الفنية لدرء مخاطر الفيضانات في منطقة كسيسى بمقاطعة روينزورى بغرب أوغندا، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الموارد المائية والري، ووزارة المياه والبيئة الأوغندية في إبريل 2016، لتنفيذ مشروع درء مخاطر الفيضان على عدة مراحل، ويبدأ تنفيذ المشروع في 13 مارس2017، بإشراف مهندس مصري مقيم في أوغندا، بالتعاون مع طاقم إشراف مشترك مصري أوغندي.

تضمنت المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع، أعمال تطهير على نهر نياموامبا بمقاطعة كاسيسى، وتنفيذ أعمال حماية باستخدام حوائط جابيونية في 4 مناطق حيوية على مجرى النهر؛ لحمايتها من أضرار الفيضان المدمر، لتعلن وزارة الري المصرية، في 31 ديسمبر 2017، عن تنفيذ ما يقرب من 90% من إجمالي أعمال مشروع درء مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي غرب أوغندا، وتسليمها للجانب الأوغندي للتشغيل والصيانة، كما تم الانتهاء من أعمال الحماية بالجابيونات لموقع مدرسة وكنيسة كاتيرى، ومدرسة رود باريير، ومستشفى كليمبى.

أخطار جسيمة، أبعدتها الخبرة المصرية عن المواطنين الأوغنديين، بدافع غريزي نابع من "رباط مقدس" تاريخيا وعقائديا يسمى نهر النيل، يسري في عروق شعوب حوض النيل، كجريانه في أواصر العلاقات المشتركة بينهم، ورغم بعض العثرات التي تقف كـ"سد منيع" أمام تدفق مياه النيل إلى مصبه الطبيعي، وتشارك عديد من الدول الإفريقية في بناء ذلك السد، إلا أن نهر النيل سيظل دائما ذلك الرابط التي تستطيع مياهه تطويق العقبات، لتظل علاقات التآخي سارية بين مصب النهر ومنابعه ودول مروره حتى تظل الحضارات التي قامت على جريانه حية.

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة