تحولات جذرية تشهدها الدبلوماسية المصرية، لمواجهة التغيرات المتلاحقة في المشهد الإقليمي والدولي، جراء تفجر الأوضاع في العديد من بلدان المنطقة، فما بين المعضلة السورية والأزمة الليبية تدور رحا صراع لا يتوقف، ومخاوف من مخططات إيرانية تستهدف زعزعة الاستقرار، وأزمة تاريخية لم تجد طريقًا للحل بين الفلسطينيين والإسرائيلين، إضافة إلى ملف سد النهضة الذي فرض نفسه على طاولات المفاوضات، كل ذلك استوجب لقاء وزير الخارجية سامح شكري، لاستيضاح العديد من النقاط الغامضة في هذه الأزمات، ورؤية مصر للمستقبل العربي.
موضوعات مقترحة
-مواقفنا لم تتغير تجاه أزمة فلسطين والقمة العربية ستثبت ذلك
يقول الوزير سامح شكرى، إن القمة عربية لن تستطيع وحدها مواجهة حجم التحديات والتهديدات الحالية بعدة دول بالمنطقة، مؤكدًا أن هناك رؤى مختلفة بطبيعة الحال وتوجهات ليس بالضرورة أنها كلها متسقة فيما يتعلق بكيفية مواجهة هذه التحديات، لكن بالتأكيد هناك حد من التوافق العربي حول قضايا مصيرية.
وأشار إلى أن هناك توافقًا حول ضرورة العمل والتضامن للحفاظ على الأمن القومى العربي والتصدى للتدخلات من الجوار الإقليمي أو من أي إطار آخر فى الشئون العربية ، ولفت إلى أن هناك مجالا لحل هذه المشكلات من خلال الأطروحات السياسية ومن خلال التفاعل بين الدول العربية واستطاعتها للوصول إلى حلول أو مواجهة هذه التحديات.
وأضاف أن اللقاء فى حد ذاته وحرص القادة على انعقاد القمة فى موعدها و اللقاء فيما بينهم و التداول و التشاور واعتماد للقرارات بما فيها من تعزيز من المواقف العربية، كل ذلك مهم، خاصة عندما تأتى للقضية المركزية وهى قضية القدس و التحديات التى تواجهها خاصة خلال هذه الفترة اتصالا بالوضع القانوني لمدينة القدس والأحداث التى نتجت عن الاعتداءات التى تعرض لها أهل قطاع غزة لاحيائهم لذكرى الأرض و الأعداد الضخمة من الوفيات فى صفوف الشعب الفلسطينى الذى يعبر بشكل سلمي عن موقفه.
وأوضح أن هناك قواعد أخلاقية ونظما فى مجالات حقوق الإنسان ودول تزكى ذلك ولابد من أن يكون هناك موقف عربى واضح لمطالبة المجتمع الدولى بالاضطلاع بمسئوليته و حماية الشعب الفلسطينى والدفع بجهود السلام والتسوية وفقا للمبادرة العربية ومقررات الشرعية الدولية، مشيرًا إلى أن تكرار القرارات في حد ذاته مهم لأنه يؤكد تمسك الدول العربية وعدم حيادها عن مواقفها المبدئية، و كثيرا ما يتم تداول أن هناك تغيرات أو اختلافات حدثت فى المواقف وأن هناك مواقف مستجدة وهذه القرارات على هذا المستوى تدحض كل هذه الدعاوى.
- القرار الأمريكي بنقل السفارة للقدس وتأثيره على الأزمة
وحول ما إذا كان القرار الأمريكى بنقل السفارة للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل قد غير من أسس القضية الفلسطينية وأضعف الأمل فى الحل، قال شكرى إن الموقف الأمريكى بالطبع زاد من التحديات، ولكن فى نفس الوقت كشف هذا القرار تضامن الدول العربية على مستوى البيانات التى صدرت بشكل منفرد وعلى مستوى التحرك الذى تم من خلال مجلس الجامعة العربية ثم منظمة التعاون الإسلامى والتحرك الذى تم فى مجلس الأمن عندما كانت مصر عضوا غير دائم ممثلة للدول العربية، وأخيرا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وأيضا أن يأتى التأكيد مرة أخرى من خلال القرار الذى سيتم اعتماده من قبل القمة للوضع القانوني السليم الذى يحب أن يحكم القدس خاصة القدس الشرقية باعتبارها محتلة منذ عام ١٩٦٧ وأنها من قضايا الحل النهائي التى يجب أن تكون محل توافق واتفاق بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلي وتدخل فى أطر التسوية الشاملة.
- الرؤية المصرية للقمة العربية في الدمام
يقول وزير الخارحية إن "الرؤية التى نسعى لاعتمادها هي رفض أى شكل من أشكال النفاذ وممارسة النفوذ لدول الجوار خارج النطاق العربي فى شئون الدول العربية وأتصور أن هذا التدخل قد زاد من تعقيد المواقف فى كل بؤر الصراع سواء فى ليبيا أو سوريا أو اليمن، وكل هذه الأمور جعلت هناك حيزا للمنظمات الإرهابية كي تعمل وتزايد التشاحن والصراع العسكرى ما كان له الأثر المدمر على مقدرات الشعوب العربية والتهديدات التى نراها مستمرة من خلال تهديد أراضي المملكة العربية السعودية من قبل إطلاق الصواريخ الحوثية وتهديدها للأراضي السعودية"، مضيفا أن كل ذلك نتاج لهذه التدخلات وهذا النفوذ الممارسات التى تأتى على حساب مصالح الشعوب العربية ونرى آثارها المدمرة سواء على الشعب السوري أو اليمني، ونرى قدر التدمير و فقد الأرواح و المصابين وأهوال الحرب التى تعرضت لها الشعوب و الآثار على مقدرات الشعوب العربية.
تفاؤل حول مستقبل ليبيا
وردا على سؤال حول ما إذا كان هناك أمل فى حل قريب للملف الليبي، خاصة أن حديث غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة لليبيا أمام اجتماعات القمة العربية كان متفائلا إلى حد ما، قال شكرى إن المبعوث الأممى أشار إلى ما يدعو إلى التفاؤل، وأشار أيضا إلى بعض المعوقات التى لا تزال تعترض مسار الحل السياسي، وتفعيل التوافقات والتوصل إلى مرحلة الانتخابات.
وأضاف: بالتأكيد المبعوث بذل مزيدا من الجهود والتواصل مع الأطراف المختلفة وأيضا على دول الجوار والدول المؤثرة أن تزكى الحل السياسي والتفاهمات التى تم التوصل اليها فى القاهرة و الجهود التى تبذل لتوحيد الجيش و تدعيم مؤسسات الدولة و التعامل مع الأوضاع الأمنية أيضا من حيث تواجد الاٍرهاب و سيطرة بعض الميليشيات و بعضها ميليشيات متطرفة و تعتنق أفكارا متطرفة لتأثيرها على الملف الأمنى فى ليبيا و ضرورة التعامل معه حتى يكون هناك شرعية كاملة لأى مسار سياسي أو أي مسار انتخابي سواء كان رئاسيا أو تشريعيا ، مضيفا أنه علينا أن نستمر فى بذل الجهود فى مقاومة الإرهاب و تعزيز قدرات الجيش الوطنى لدحر الاٍرهاب وأيضا فى فتح قنوات حوار مع كافة الأشقاء فى ليبيا سواء فى الشرق أو الغرب أو الجنوب الذين أكدوا اتساعهم مع الحل السياسي و بعدهم عن التطرّف و بعدهم عن اللجوء للحلول العسكرية.
و حول ما إذا كان الاجتماع التساعى الذى عقد بالخرطوم مؤخرا بين وزراء خارجية ورى ومدراء مخابرات كل من مصر و إثيوبيا والسودان حول ملف سد النهضة قد فشل، وما هو التحرك القادم، قال شكرى إن هناك بالتأكيد مسار وهناك تكليف من قبل الزعماء للدول الثلاث لدى اجتماعهم السابق، و هذا التكليف واضح ومحدد فى إزالة العقبات التى تعترض المسار الفنى و تفعيل اتفاق المبادئ الذى تم إقراره، وهناك مسار تم وضعه من خلال هذا الاتفاق و لكنه تعثر وكانت هناك توجيهات من الزعماء الثلاثة بعمل اجتماعات تساعية لإزالة هذا التعثر حتى يتم الإقدام على إتمام الدراسات التى تضطلع بها الشركة الاستشارية و التى توضح الأمور المرتبطة بالسد سواء من حيث التأثير أو من حيث القواعد التى يجب أن يتم مراعاتها فى مجالات ملء خزان السد أو تشغيله.
و أشار شكري إلى أن لقاء الخرطوم اتسم بقدر كبير من الشفافية و التناول المعمق لكثير من الأمور و لكن لم يسفر عنه مخرج".
وأوضح شكري أن الاتفاق المنشود يهدف لتحريك المسار الفنى وأن يتاح للدراسات أن تنتهى وتخرج إلى النور و هذا هو النجاح، فالنجاح ليس مرتبطا بمسارات التفاوض و لكن بالنتيجة التى تم تكليف الوزراء التسعة بها و بأن يصلوا إلى حل لها، و بالتالى فنحن نتطلع إلى استمرار هذا المسار ونحرص كما ظهر فى البيان الرسمي بأن تراعى كل الأطراف المواقف الإيجابية وأن يقدموا بحسن نية على المسار الذى يؤدى إلى النتيجة و دون استباق وأيضا لمراعاة الدقة فى أى وصف".
وأضاف أننا نبدى بشكل واضح إيجابية عالية ونطرح حلولا مبتكرة يتم التداول حولها و كلها متسقة مع قواعد و مبادئ القانون الدولى و مع منطق الأمور و ليس فيها أى نوع من محاولات التطويع، بل بالعكس نحن نضع أنفسنا فى موضع شركائنا و عندما وجه الرؤساء كان توجيههم بأن نتعامل كدولة واحدة، فنحن نفكر فيما هى مشاغل الأطراف الأخرى و لا نفكر فقط فى مشاغلنا و لكن فى مشاغل الأطراف الأخرى و كيف نتعامل معها بما نتسم به من عدل و مراعاة و نتصور أن يتعامل الآخرون معنا بنفس القدر و هذا ما نتطلع إليه و نفعله فى إطار سياسة التوازن.
الملف القطري
بالنسبة للملف القطرى خاصة بعد اجتماع أمس الخميس لوزراء خارجية الدول الأربع مصر والسعودية والإمارات و البحرين على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، قال شكري إن الدول الأربع اجتمعت كما تحرص دائما على الاجتماع لأن هذه المجموعة متجانسة واهتماماتها تتعدى فكرة أزمة قطر وقد صدر عن الاجتماع بيان يؤكد أننا تناولنا القضايا الإقليمية و التنسيق فيما بيننا إزاء التطورات و أيضا تناولنا أزمة قطر من منطلق الأسس التى تم وضعها فى المشاغل الثلاثة عشر و المبادئ الستة و إعلان المنامة وحرص الدول كافة على إظهار تضامنها و تمسكها بمواقفها و الاتساق الكامل فى رؤيتها.
العلاقة مع أمريكا
و بالنسبة لما إذا كان عدم تحديد موعد لعقد الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى حتى الآن يعكس وجود اختلافات فى الرؤى بين البلدين لعدد من قضايا الشرق الأوسط، خاصة القدس و سوريا، قال شكرى إنه كان هناك تفاهم مع وزير الخارجية السابق على أن يعقد فى بدايات أو منتصف أشهر الصيف القادم، وهناك تحضير لذلك على المستوى المؤسسي و لكن بالطبع نظرا للتغيرات التى حدثت فعلينا الانتظار إلى أن يتم اعتماد وزير الخارجية الأمريكى الجديد وإعطاؤه فرصة و مناسبة للقاء حتى يتم مرة أخرى وضع رؤية مشتركة و متصلة بمواعيد الوزير الجديد و تشكيله لفريق عمله و أمور تنظيمية، مضيفا أن الحوار الاستراتيجى هو مكون فى العلاقة المصرية الأمريكية و ينعقد بشكل دوري على مدى العقود الماضية و هو أمر تم إقراره من الجانبين و هناك اهتمام من الجانبين به، و يرتبط موعد انعقاده بالتحضير له بحيث يؤدى إلى تدعيم العلاقة و مزيد من التنسيق بين البلدين حول الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.