أطفال مسلمي بورما.. الروهينجا.. جاءوا غرباء لآباء وأمهات غرباء، لا وطن لهم إلا ما يحملونه من أمل في قلوبهم وضحكات فوق وجوههم يواجهون بها قسوة الحياة، يسترون بها أجسادهم العارية وأقدامهم الحافية.. غير عابئين بالجنسية التي سُلبت منهم بالوراثة على يد جيش ميانمار فقد اختارتهم الحياة ليواجهوا بمفردهم قتل الآباء وذبحهم واغتصاب الأمهات.
موضوعات مقترحة
بين جذعي شجرة ضعيفة لا تقوى إلا على حمل هؤلاء الأطفال الضعاف، استطاع -كفاية الله- وعمره 55 عامًا أن يثبت حبلًا، وفي منتصفه بقايا جوال دقيق فارغ، ليصبح أرجوحة يتناوب عليها الأطفال لتعلو ضحكاتهم مع الهواء ذهابًا وإيابًا، فهم لا يملكون من وسائل الترفيه أو لعب الأطفال إلا ما أعطته لهم الطبيعة، فتجدهم يصنعون ما يبهجهم من المتاح لهم مثل التنطيط فوق أعواد الغاب المتراصة فوق بعضها؛ استعدادًا لصنع كوخ جديد لأحد اللاجئين القادمين، أو تجدهم يقطعون الطرقات بين الأكواخ خلف طائراتهم الورقية.
الأطفال في مخيمات اللاجئين الروهينجا هم الأكثر عددًا، هرب القليل منهم مع أسرته خوفا من بطش جيش ميانمار، وما يقوم به ضد مواطني إقليم راخين، من قتل واغتصاب وتهجير، بينما جاءت النسبة الأكبر منهم إلى المخيمات بعد أن فقد أحد والديه.
وتقدر الأمم المتحدة عدد الأطفال الذين انفصلوا عن عائلاتهم ويعيشون الآن في المخيمات بحوالي 1267 طفلًا.
محمد سلام، هو أحد هؤلاء الأطفال الذين أتوا إلى مخيمات الروهينجا بصحبة أمهاتهم، عقب تصاعد عمليات التصفية العرقية التي أقدم عليها جيش ميانمار منذ أغسطس الماضي.
يروي محمد وهو ابن العاشرة من عمره، كيف قتل والده على يد الجيش، يربط كلتا يديه فوق صدره ويثبت عينيه الواسعة فوق وجوهنا وهو يقول: "كان والدي مريض ورغم ذلك لم يشفع له المرض فقتله جيش بورما.. وقالوا له وهم يقتلونه بالرصاص لا نريد المسلمين هنا ارحل إلى بنجلاديش".
بعد يوم وليلة كاملة قضاهما محمد وأمه في الهرب بعض الوقت انتظارًا لليل على شاطئ نهر "ناف" وبعضه داخل مركب يملكه أحد البنغاليين بعد أن دفعوا له 20 ألف تكا وهي العملة البنغالية.
على عكس أغلب الأطفال في عمره، فلا يجري محمد ضاحكًا داخل المخيم بل تجده يقضي أغلب وقته في حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية داخل إحدى المدارس القليلة التي أنشأها بعض الروهينجا داخل المخيمات وهي تشبه "الكتاتيب" في مصر إلي حد كبير.
يقول محمد زسبر مدير مدرسة "مكتب الدراسية الإسلامية": إن المدرسة تستقبل نحو 120 طفلًا من الأولاد والفتيات، وتقوم على غرس عقيدة أهل السنة والجماعة وتعليم التهذيب الإسلامي، من خلال خمسة مدرسين ممن يعملون تطوعًا دون مقابل.
إحسان الله، هي الكبرى بين أخواتها الثلاثة، لا تعرف عمرها تحديدًا وإن كان يبدو عليها أنها في التاسعة من العمر، وجدت إحسان، نفسها المسئولة عن أخواتها بعد أن ذبح والدهم وأخذ جيش بورما أمها، هي لا تعلم تحديدًا إلي أين تم أخذها لكنها سمعت من الجيران أن الجيش أخذها إلي الجبل ليغتصبها ولن تعود فمن يصعد الجبل يموت ولا يعود، حسب قولها.
استطاعت إحسان الله، بمساعدة بعض الجيران الوصول إلي شاطئ نهر ناف عند نهاية حدود دولة بورما لكن، لم يكن المال كافيًا؛ لأن تركب وأخواتها معهم في المراكب لتصل إلي منطقة المخيمات، وبعد مضي يوم وليلة على الشاطئ وافق أحد البنغاليين من أصحاب المراكب أن ينقلهم إلي الجانب الآخر من النهر دون مقابل.
ظلت إحسان الله، الطفلة هي التي ترعى أخواتها الثلاثة الأطفال حتى قام الجيش البنغالي بوضعهم مع أحد السيدات اللاجئات اللاتي يعشن بمفردهن بعد أن فقدن أفراد أسرتهن كافة.
يسمع أطفال الروهينجا كثيرًا من البعثات الإغاثية عن انتشار الأمراض بينهم، وبخاصة أمراض سوء التغدية التي تفتك بأرواحهم، لكنهم لا يخشونها فهؤلاء الذين قبلوا بضحكاتهم الموت لا يدركون من الحياة سوى الحلم بمسكن يشبه تلك الصور الملونة لبيوت بأبواب وحولها حدائق حرص معلموهم بالمدارس على تعليق تلك الصور نصب أعينهم على جدران المدرسة المصنوعة من الغاب ليظلوا متمسكين بأحلامهم.
. . . . . . . . . . . . . أطفال الروهينجا في مخيمات اللاجئين ببنجلاديش يحفظون القرآن