بخطى ثابتة تسير إثيوبيا في طريقها لبناء سد النهضة، وبدافع الحس الوطني لمواطنيها استطاعت تمويل مشروعها "العظيم"-كما تصفه- ولم يمنع "شتات" الإثيوبيين في بقاع الأرض من تمويل إنشاءات السد.
تحتفل إثيوبيا سنويا في 26 فبراير بذكرى وضع حجر أساس سد النهضة، الذي وضعه في 2011 رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميلس زيناوي، والذي تحل اليوم الذكرى السادسة لوضعه، وتستمر الاحتفالات الإثيوبية هذا العام من اليوم وحتى 2 مارس المقبل.
وأعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية، عن مساهمة الإثيوبيين المقيمين في جميع أنحاء العالم بأكثر من مليوني دولار على مدى الأشهر الستة الماضية؛ لتمويل بناء سد النهضة.
المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية "تولدي مولوجيتا"، في تصريحات له نقلتها الوكالة الرسمية، قال إن السفارات الإثيوبية والمكاتب القنصلية في جميع أنحاء العالم تعبئ الإثيوبيين في "الشتات"؛ لدعم بلادهم من خلال مواردهم ومعارفهم، بالتزامن مع جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد.
وأسفر التبرع الضخم الذي يقوم به الإثيوبيون المغتربون، بالتزامن مع الخطى الثابتة التي تتبناها إثيوبيا لبناء مشروعها المائي الضخم "الأول" على النيل الأزرق، عن حث ممثلي 19 شركة عملاقة، و 325 شركة أجنبية متوسطة المستوى على زيارة إثيوبيا خلال أشهر التبرع الـ 6؛ لتقييم وضع الإنشاءات على أرض الواقع.
مع اعتزام إثيوبيا بناء سد النهضة، أعلنت الحكومة البلاد عن إنشاء مجلس وطني لتنسيق المشاركة العامة لبناء السد، الذي أعلن بدوره في نهاية العام الماضي عن تأمين حوالي 1.3 مليار بر إثيوبي تعادل 57.5 مليون دولار، من مختلف برامج الدخل المعتمدة لبناء السد.
المبلغ المذكور تم جمعه من خلال بيع سندات، وتبرعات، وأوراق اليانصيب، ومشاريع الرسائل القصيرة، والأنشطة الرياضية من الإثيوبيين المقيمين والمغتربين.
57.5 مليون دولار لم ترو ظمأ المكتب الإثيوبي، الذي تم إنشاؤه بالأساس لجمع التبرعات اللازمة لبناء السد، والتي تقدر تكاليف إنشائه بـ 4.7 مليار دولار، مما دعا المكتب إلى وضع خطة جديدة تستهدف جمع 1.8 مليار بر تعادل 79.6 مليون دولار؛ لتمويل بناء السد من مبيعات السندات، واليانصيب والمعارض والحفلات الموسيقية، والمهرجانات الرياضية.
نائبة المدير العام للمجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة لبناء السد "فقرت تامر" أشارت إلى أن جملة التبرعات التي كان من المستهدف جمعها في العام المالي الماضي بلغت 12.4 مليار بر، أي ما يتجاوز نصف المليار دولار، تم جمع حوالي 8.8 مليار بر منها، بما يعادل 389.3 مليون دولار.
وفي 2017 يخطط المجلس الوطني لجمع أكثر من مليار بر تعادل 44.2 مليون دولار في موازنة العام المالي الإثيوبي الحالي- بحسب الوكالة الرسمية.
المديرة العامة للمجلس الوطني "رومان جبر سلاسي"، أعلنت في وقت سابق خلال العام الجاري عن جمع حوالي 9 مليارات بر تعادل 398.2 مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وأن خطة هذا العام تعتمد على جمع المال من الجمهور والمستثمرين والمغتربين الإثيوبيين، من خلال بيع السندات والتبرع المالي، ومتوقعة أن يشتري الموظفون في جميع أنحاء بلادها السندات للمساهمة في بناء المشروع العظيم.
لم يشارك الإثيوبيون في خطط وفعاليات الحكومة الإثيوبية لتمويل بناء السد فقط، ولكنهم بحسب "هايلو إبراهام" رئيس الاتصالات بالمجلس الوطني الإثيوبي، يدعمون بناء السد بتبرعات عينية، شملت 3 سيارات، و 10 ثلاجات، وغيرها من المواد، التي توشك الحكومة على منحها للفائزين في اليانصيب، مع تأكيده على استمرار تنفيذ برامج جمع الأموال، من خلال اليانصيب وأشكال الدعم الأخرى.
ولأن "معشوقة الجماهير" لها مكانتها في كل بقاع الأرض، مهما اختلفت ألوانهم وجنسياتهم، فقد أقامت الحكومة الإثيوبية بطولة لكرة القدم بين الأقاليم، منحتها اسم "كأس سد النهضة"، تمكنت من خلال إقامتها جمع 607 ملايين بر، أي ما يعادل 26.8 مليون دولار من إقليم أوروميا وحده –رغم الصراع القائم بين السلطة وسكان الإقليم- بالإضافة إلى جمع حوالي 1.3 مليار بر أي ما يعادل 57.5 مليون دولار من أقاليم (بني شنجول - جوموز - تغراي - عفر – أمهرا).
وذكر المكتب الوطني في بيان له، أنه بصدد تنظيم أحداث مماثلة خلال العام الجاري؛ لجمع المزيد من الأموال لإنجاز المشروع، الذي تم وصفه بأنه مشروع "هوية للبلاد"، معلنا انتهاء حوالي 57 % من بنائه.
أصبح من الواضح الآن، أن إثيوبيا لم تجعل من بنائها لسد النهضة حقيقة فرضتها على أرض الواقع فقط، ولكنها جعلته حلمًا وضعته في قلوب مواطنيها المقيمين وحتى المغتربين، ونجحت في ربط تحقيق ذلك الحلم بتبرعاتهم؛ لتجعل منه هدفا يسعى لتحقيقه كل مواطن، ووجدت في سبيل ذلك طرقا غير تقليدية، خففت عن كاهلها الكثير من أعباء الاقتراض الثقيلة.