حول ورقة صغيرة، كتب عليها " نأسف لعدم توافر حقنة "آر إتش" بصيدليات المصل واللقاح"، تجمع العشرات من الأهالي والأزواج الغاضبين، الذين أحاطوا أسوار الفرع الرئيسى لشركة المصل واللقاح "فاكسيرا"، وافترشوا الأرض وقد ارتسمت علي وجوههم علامات القلق، متمسكين بالأمل الأخير، ووعود المسئولين بالشركة بتوفير الحقنة خلال ساعات.
موضوعات مقترحة
تعاني السوق المصرية، من نقص شديد في حقنة "آر أتش"، المخصصة للاستخدام في بعض حالات الولادة، والتي يستوجب أن تحقن بها الأم خلال 72 بعد الوضع مباشرة؛ وفي حالة عدم حقن الأم بها، يعني الحكم عليها بعدم الإنجاب مرة ثانية ، لأنه في حالة حدوث حمل مرة أخري ، سيتعرض الجنين للإجهاض أو التشوه بالرحم.
هذا ما يفسر سبب ثورة الأهالي والأزواج، أمام أسوار الشركة القابضة "فاكسيرا" يوم السبت الماضي، الجهة الأولي في مصر، المسئولة عن استيراد الحقنة من الخارج، ولكن بسبب الأزمة المالية التي تمر بها الشركة، وارتفاع سعر الدولار، عجزت الشركة عن توفير الحقنة، وهو ما تسبب في أزمة طاحنة انتهت باستقالة رئيس الشركة.
"بوابة الأهرام" رصدت معاناة الأهالي والأزواج، والساعات الصعبة التي مرت عليهم بين الأمل والرجاء لتوفير الحقنة، لإنقاذ مستقبل أسرهم، والذين لم يجدوا وسيلة للحصول علي الحقنة، سوي افتراش الأرض والتجمهر أمام أبواب الشركة، بعد أن استغل البعض الأزمة في السوق السوداء، ورفع ثمن الحقنة لـ 1000 جنيه، في حين أنها مسعرة إجباريًا للبيع في المصل واللقاح بـ 450 جنيهًا فقط، أو للصرف علي نفقة الدولة بتكلفة 150 جنيهًا.
أمام أسوار الشركة، التي أغلق الأمن أبوابها بإحكام في وجه الأهالي والأزواج الذين جاءوا من كل مكان في مصر، للحصول علي الحقنة، سادت حالة شديدة من الغضب، وجوه عابسة تفترش الأرض، أحدهم رجل أربعيني ثائر يرتدي بدلة صيفي، ويتحدث بلهجة أهل الريف يقول بغضب:"حرام عليكم المولود نزل ميت وإذا لم أحصل علي الحقنة مفيش أمل في الولادة مرة أخري"، قالها الرجل بغضب وهو يدخن السيجارة تلو الأخري، وقد أحمر وجهه وهو يصرخ.
وعلي الرصيف تجمع عدد من الأزواج والأهالي، يتحدثون في الهاتف بين الحين والآخر بلهفة للاطمئنان علي زوجاتهم، منهم تامر مطراوي، الذي جاء بصحبة شقيق زوجته من محافظة القليوبية للحصول علي حقنة"آر أتش" ، ينظر في ساعته بقلق شديد ويقول:" باق من الزمن 6 ساعات فقط، بعدها سيكون مر علي ولادة زوجتي 72 ساعة، وسيكون الوضع صعبًا ومش عارف نعمل أيه".
بحث تامر عن حقنة " آر اتش" في كل مكان، ومنذ ثلاثة أيام متتالية يحضر للقاهرة خصيصًا، في انتظار وصول الحقنة للمركز الرئيسي للمصل واللقاح بالدقي، ولكن لم تصل الحقنة، ولا تزال زوجته تعاني من ألم الولادة، وهو ما يهدد مستقبل أسرته بالضياع، يلتقط شقيق زوجته -ويدعي أحمد- منه طرف الحديث يقول :" قمنا باستكمال جميع الإجراءات للحصول علي الحقنة واستخراج شهادات الميلاد للمولود كما طلبوا ومفيش حد عايز يعبرنا أو يتحدث معنا".
في وسط الزحام كان يتحرك سيد أحمد، الشاب الثلاثيني الذي يعمل بشركة بنها للصناعات الإلكترونية، وقد بدت عليه مظاهر القلق الشديد والغضب، وهو يتحدث في الهاتف للاطمئنان علي أسرته يقول:" اللي بيحصل ده حرام فين الحكومة فين وزارة الصحة الحقنة بـ 1000 جنيه وممكن تكون مغشوشة".
حصل سيد علي قرار من وزارة الصحة، للحصول علي الحقنة علي نفقة الدولة كلفه 150 جنيهًا، وعندما حضر منذ يومين لصرفها، اشترطوا وجود شهادة الميلاد لإعطائه الحقنة، وهو ما لم يتوافر له، لأن استخراج شهادة الميلاد، يتم بعد ثلاثة أيام من الولادة بحسب تعليمات وزارة الصحة، وهو وضعه في موقف صعب، خاصة أنه من محدودي الدخل وليس لديه القدرة علي شراء الحقنة، حتي إذا توافرت في السوق السوداء.
ارتسمت علامات القلق علي وجه رجال الأمن، المكلفين بتأمين مقر شركة "فاكسيرا"، حاول أحدهم إنهاء الموقف، وخرج يتحدث مع الأهالي المتجمعين، ويطالبهم بالرحيل لعدم وجود أي مسئولين بالشركة، وعدم توفر الحقنة، وهو ما أحدث حالة عارمة من الغضب، بين الأهالي الذي تعالت أصواتهم، وكاد بعضهم أن يشتبك معه.
مرت دقائق صعبة علي الجميع، وساد الصمت المكان، وانشغل رجال الأمن في إجراء اتصالات بالمسئولين لحل أزمة، حتي صدرت لهم تعليمات، بتوجيه الأهالي لصيدلية الشركة في الباب الخلفي،وهو ما استجاب له الجميع الذين صاروا متسارعين يراودهم الأمل الأخير للحصول علي الحقنة.
أمام أبواب الصيدلية المغلقة، تجمع الأهالي للاستماع لتعليمات رجال الأمن، التي طالبتهم بإحضار شهادات الميلاد للحصول علي الحقنة، وصدمهم إعلان رجال الأمن عدم توافر الحقنة للبيع الحر، وهو ما أدي لثورة عارمة بين الأهالي، الذي لم يتمكن عدد من منهم من الحصول علي شهادة المولود.
في وسط هذا الجو الملبد بالقلق، صرخ أحمد عبد الله الشاب العشريني، الذي يعمل في أحد فروع الصيدليات الكبري :" أنا شغال في صيدلية ومش عارف أجيب الحقنة، وسعرها وصل 1000 جنيه ومغشوشة"، تمتلئ السوق المصرية الآن، بحقن "آر اتش" مغشوشة ومهربة مجهولة المصدر، وهو ما يهدد حياة الكثير من الزوجات والأجنة للخطر.
رحل عدد كبير من الأزواج الغاضبين، لاستخراج شهادات الميلاد بسرعة واستكمال الأوراق، للحصول علي الحقنة من المصل واللقاح، أو للبحث عن الحقنة في السوق السوداء بأي ثمن.
أما وائل فاروق الذي يعمل في الشئون القانونية بالإذاعة والتليفزيون، فقد استقبل الأمر بهدوء وهو يقول:" قمت باستخراج كافة الأورق المطلوبة، لأنني كنت أعرف التعليمات، كان آخرها شهادة الميلاد التي استخرجتها صباح اليوم فقط، عن طريق واسطة في مكتب الصحة".
عاني وائل وزوجته منذ أن أخبرهم الطبيب، المتابع لحالة زوجته الحامل في الشهر الثالث، بضرورة إعطائها حقنة "آر أتش" بعد الولادة يكمل حديثه:" قمت بإجراء التحاليل المطلوبة والكشف بأحد مستشفيات الحكومة، واستخراج قرار العلاج علي نفقة الدولة للحصول علي الحقنة".
بعد حوالى ساعة من الانتظار، حضرت سيارة هيئة المصل واللقاح، وقام الأهالي بصرف الحقنة، بعد اطلاع المسئولين بالمصل واللقاح علي الورق المطلوب، للحصول علي الحقنة مدعمة علي نفقة الدولة ، في حين لم يحصل علي أي شخص علي الحقنة .
وقالت مصادر من داخل شركة "فاكسيرا" إن هيئة المصل واللقاح، كان تحصل سنويًا علي ما يقرب من 40 ألف حقنة، يتم صرفها للسيدات بعد الولادة بموجب قرار العلاج علي نفقة الدولة ، ويتم بيعها للجمهور بمبلغ يتراوح بين 300 و450 جنيهًا.
وأضافت المصادر، أن المصل اللقاح لا تقوم باستيراد حقنة "ار اتش"، ولكن تقوم بشرائها من الشركة المستوردة لها، مشيرة إلي أنه من ارتفاع سعر الدولار، والأزمة المالية التي تمر بها المصل واللقاح، وعدم وجود اعتمادات مالية لشراء الحقنة، توقفت الشركة المستوردة عن مد المصل واللقاح، بالكميات المطلوبة من حقنة "آر اتش"، وهو ما تسبب في أزمة طاحنة، وفتح الباب أمام تهريب الحقنة أو غشها، ووصول سعرها لحوالي 1000 جنيه في السوق السوداء.
وأكدت المصادر أن استمرار هذا الوضع، وعدم توفير الحقنة الأصلية التي تحتوي علي الماد الفعالة، يفتح الباب أمام غش الحقنة أو تهريبها من مصادر مجهولة، وهو ما يهدد حياة الأم والجنين، ويؤدي للإجهاض وتشوه الأجنة.
عذاب الحصول على حقن "أر إتش" خوفًا من موت الحوامل وتشوه الأجنة